أبحث عن موضوع

الأحد، 23 يناير 2022

علي البدر والتحليل النقدي لقصة "أطعمة محفوظة مدى الحياة" للكاتبة أولغا توكارتشوك



أُسْعَدُ كثيرا عندما أرى دراسات أستاذنا الناقد علي البدر التي يختص بها الواحة.

وجودك استاذنا الجميل يمد الواحة بواحد من أسباب تميزها. فلديك عين لاقطة لا تهمل نصا متميزا، ولك أسلوب يمكن تسميته بالسهل الممتنع. من ميزاته القدرة على استلهام المبطن والمضمر في السرد. إضافة إلى اللغة السهلة التي تصل بالمعنى بسهولة إلى المتلقي حتى لو كان يجهل مصطلحات النقد. ومدارسه.
كل التحية والتقدير لك، لإسهاماتك المتواصلة والمتفردة
محسن الطوخي/جمهورية مصر العربية
=============================
علي البدر
والتحليل النقدي لقصة "أطعمة محفوظة مدى الحياة" للكاتبة أولغا توكارتشوك
سرد بدا عليه الأيغال في التفاصيل وقد انعدم فيه الحوار حيث جاء السرد باسلوب ضمير الغائب third person ، وهو عن عجوز تعيش مع ابنها الذي جاوز الأربعين وهو عاطل جليس البيت وكما يبدو ضيفًا ثقيلًا على ربة البيت رغم أنها أمه. وكما بدأت القصة بالموت فقد انتهت أيضًا به. ونرى الكاتبة التي بدا عليها عدم التعاطف مع العجوز لكنها تمنحها صفة الاحترام بعد موتها "حين ماتت، منحها جنازةً محترمة."، والمانح هو الموت وذلك عندما " حضرت جميع صديقاتها، سيدات عجائز قبيحات يرتدين قلنسوات ومعاطف شتوية ذات ياقات من فراء الكيب تفوح برائحة النفتالين، ورؤوسهن ناتئة مثل دمامل كبيرة شاحبة...". ونلاحظ هنا مشاعر الإشمئزاز واضحة بوصفهن قبيحات. ولم تسلم حتى "مظلاتهن المنقوشة الشنيعة" وهن يتوجهن نحو الباص، وعليه قد تبدو صفة الاحترام متناقضة مع المشهد أو ربما تهكمية للسخرية mocking .
وخلال تتبعي للنص لم أجد تبريرًا لهذا الوصف، خاصة ان العجوز المتوفاة لايبدو عليها وعلى بيتها الإهمال فقد "بدا القبو فائق التنظيم... وهنا انتصبت أريكة، مطويَّة عليها بعنايةٍ بطانية محبوكة. كان هناك أيضًا مصباحٌ ليلي، مع بضعة كتب قُرِأتْ حتى تمزقت... غرفتها التي كانت أنيقة ومرتبة ومليئة بالمفارش والخزائن الزجاجية... ". أما علاقة الأم بابنها، فأنها مجردة من أية عاطفة وكأن الإثنين غرباء، وعليه فإن موت الأم بدا متنفسًا وهمًا ثقيلًا إنزاح عن كاهله رغم أنه عاش عالة عليها " وإن العالم بأكمله انفتحَ أمامه. كما لو أن حياة جديدة مُثلى قد بدأت...".
ولكي تتطابق عتبة النص مع محتوى السرد theme، فقد وجدتُ تطرفا لافتًا في وصف الأطعمة المحفوظة حيث بدا الابن الذي أصبح وريثا لأمه، متلهفًا لاكتشافها ومتعجبًا لما صادفه من برطمانات تكررت 13 مرة أكثر أو أقل وهي (حاويات) تحفظ الأغذية، مرتبة ومثبت تأريخ الحفظ عليها. وراح يأكل منها و "عليه أن يلتهم ما تركته له باعتباره ميراثا.."، خاصة وأن ظنه قد خاب لعدم عثوره على المال في أغراضها..وقد يكون نهمه للأكل واردًا في مرحلة الطفولة مثلا وعليه فمن غير المناسب ان تتولد هذه الرغبة لديه وهو بعمر الأربعين، ومن غير المناسب بل من غير المقبول أن يكون "هرمًا بلا ريب- تخطى الأربعين- في العام الماضي...". والهرم من عمر الثمانين فما فوق. وفي كل الأمور لابد من مجانبة الدقة والحذر والإبتعاد عن الحكم السطحي وغير المبرر أحيانًا. ومن الممكن إبعاد صفة عدم الدقة بافتراضنا بأن الترجمة غير دقيقة حيث ترجم كلمة old إلى هرم. وللأسف لم أعثر على القصة باللغة الإنكليزية للتأكد وممارسة اختصاصي على الأقل.
وكما بدأت القصة بموت الأم فإنها انتهت بموت الإبن الذي أكل من أحدى البرطمانات التي عُلِّبَتْ بالخطأ حيث التهمها وهو منشغل بمشاهدة مباراة كرة القدم " لذا لم يلاحِظ أنه أكل الكثير. ..... واصلَ التقيؤ حتى الصباح، لكن لم يساعده ذلك كثيرًا. أرادوا في المستشفى أن يَجْروا له عملية زرع كبد، لكن لم يُعْثَر على متبرعٍ. لذا، ودون أن يعود إلى الوعي، وبعد بضعة أيام، مات. "." وهذا تبرير غير منطقي فقد يتبرع الانسان بجزء من كبده، ومن غير الممكن التبرع بالكبد كاملًا.
وهكذا مات البطل غير مأسوف عليه لأن الكاتبة قد سحبت منا انفعالات التعاطف والرقة في المعاملة بين الأم وإبنها حيث أصبحنا حياديين ولاشأن لنا بما حدث. وعليه نتساءل: ماذا تريد القاصة (أولغا توكارتشوك) أن تقول؟
إن العلاقات الأسرية غير المتوازنة تفقد أو تضعف الروابط الأسرية. الأب البخيل والقاسي قد يكرهه الابناء ويتمنون موته لينعموا بالاستقرار والرفاهية، وكذلك الأبناء والامهات. ولدينا هنا أم كبيرة في العمر تميل نحو الأحتفاظ بالطعام الذي قد يكون نتيجة شعورها بالتهديد وعدم الاستقرار. وقد تكون في منتهى الكرم في شبابها لكنها قد تتحول الى انسانة حريصة تميل الى الامتلاك. ونرى ضجر الأم من الإبن واضحا في القصة "... ألا يمكنك أن تقابل فتاة؟ هل تنوي قضاءَ بقية حياتك على هذا النحو؟ عليك أن تجد شقة خاصة بك، لا توجد مساحة كافية لكلينا هنا. البشر يتزوجون، وينجبون أطفالًا، ويذهبون في عطلاتٍ للتخييم ويتقابلون ﻷجل حفلات الشواء. أما بخصوصك، ألا تشعر بالعار أن تعيلك سيدة مُسنَّة سقيمة؟ في البدء كان والدك، واﻵن أنتَ؛ عليَّ أن أغسل وأكوي جميع ملابسك،... كلُ اﻷفراخ تغادر أعشاشها، هذا هو النظام الطبيعي، اﻵباءُ يستحقون استراحة. ينطبق هذا القانون على كل ما في الطبيعة. لذا لِمَ ما زلت تضايقني؟ كان عليك الانتقال من المنزل منذ زمن بعيد، وتحظى بحياةٍ لنفسك ". ونفس المشاعر بالنسبة لأبنها الذي تناسى موت أمه وانشغل بالبحث والتنقيب حيث " فتح الخزانة التي أبقت فيها وثائقها وفتش داخلها، دون أن يعلم عما يبحث: أموال، أسهم سرية، صكوك تأمين... ".
وأخيرا لابد من التنويه بأن هذه العلاقة التي نراها جفاءً وجحودًا قد تكون في الغالب متعارفٌ عليها في اوربا حيث ضرورة الاعتماد على النفس وعدم تكبيل الوالدين الأعباء بسبب الظروف الصعبة لحياة العائلة. أما نحن فننشغل بالأبناء والأكثر بالأحفاد حيث يكون الدعم المعنوي والمادي مستمرًا حتى الرمق الأخير...




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق