أبحث عن موضوع

الجمعة، 28 يناير 2022

تحليل نقدي لقصة "لِمَنْ أشكو كَآبتي" للروائي الروسي أنطوان تشيخوف ....... بقلم : علي البدر // العراق




ويبدو أن كائناً وحيداً لابد أن يسمعه. أجل. فرسه التي "تقف بلا حراك وتبدو بوقفتها الجامدة وعدم تناسق بدنها وقوائمها المستقيمة كالعصى...". لقد آن الأوان أن يشكي همه لها " نعم. أنا كبرت على القيادة، كان من المفروض أن يسوق إبني لا أنا. كان حوذياً أصيلاً لو أنه عاش بيننا..." .
ومن خلال القصة تنعكس مدى الميول الإنسانية الراقية التي يمتلكها أنطوان تشيخوف.. تؤكد هذه القصة على ضرورة التعاطف والتراحم بين أفراد المجتمع. ولاينبغي للصراع الطبقي أن يُحسَمَ لصالح الأثرياء لتبقى شريحة واسعة تعاني الحرمان. ونلاحظ أسلوب الحوار الثنائي المقتضب dialogue والمركز قد سيطر على الحوار تقريباً. فعندما يسمع أيونا صوت العسكري: "يا حوذي! فيبورجسكا! ياحوذي... هل أنت نائم؟"، نراه ينتفض وأعماقه تستبشر خيراً بعد توقف مرهق، حيث يكون جوابه شد اللجام كعلامة للموافقة. وهنا استعمال ذكي للغة الجسد body language أو ما يسمى لغة الحركة والإيماءات language of gestures
وأيضاً استعمال اسلوب الشخص الثالث third person كزيادة ورغبة في تركيز ذهن المتلقي ووضعه بدائرة نفسية ضمن سيناريو في منتهى البساطة. البيئة بواقعها وشخوصها حيث، وحسب ضني، تَعمَّدّ الكاتب على إظهار قسوتهم. وكان أشرسهم ذلك الأحدب وهو أحد الشبان الثلاثة. وقد نتساءل: لماذا بدر هذا التصرف منه بالذات؟ وبرأيي إنه إنعكاس لعوق منحه بعض الحقد على الإخرين نتيجة الإحساس بالنقص، بينما كان الإثنان يشجعونه. وتعكس صفة الجسارة وعدم اللياقة والشتائم في الحديث فيما بينهم، نمط المستوى الفكري والأجتماعي الذي يتصفون به وقد يكونون سكارى خاصة أنه صادفهم قرب الحانة.
ورغم نحته وتركيزه للحوار، فقد كان حواراً صادماً استعمله الكاتب عن قصد وكأنه يستعجل المطالبة بضرورة أن تسود الرحمة والتكافل بين البشر. وأصعب حالات المعاناة هي تلك الحالة التي لا يستطيع الفرد فيها البوحَ حتى بأبسط همومه. وكان الأب يأمل أن يموت قبل إبنه بحكم العمر، وبالحقيقة هذه رغبة الأبوين بأن لايُفجَعوا بموت أحدِ أبنائهم فهم يتمنون الموت قبلهم. ورغم إيمانه بأنها " مشيئة الله"، فقد زادت وحدته وعدم وجود من يخفف عنه من مأساته، عندما أثرت في قدرته على السيطرة على زحافته وهو يقودها، ليشعر بأمس الحاجة لأبنه حيث تعرفنا على إسمه في نهاية القصة، وهذا يعكس مدى صبر وتروي أنطوان تشيخوف بعرض تفاصيله التي بدت متسارعة أحياناً. ولكي تستمر حالة الإنتقاد واللاقبول للنمط الإجتماعي السائد، يحاول تشيخوف الإبقاء على المشكلة عندما خلق حواراً في منتهى الروعة، وأجدني في حيرة من أمري. ياترى .. هل يكون حواراً ثنائياً dialogue بين شخصين أم حواراً مع الذات monologue باعتبار الفرس كائناً غير عاقل ؟ . "...هكذا يا أخي الفرس، لم يعد كوزما أيونتش موجوداً... رحل عنا فجأة..خسارة....".
وكان لابد له أن يبوح مافي أعماقه وأن يتآخى مع فرسه، وهذه ضربة ٌ نفسية غاية في العمق، أبدع فيها تشيخوف. أن يضطرَّ الإنسانُ المسحوقُ ويُفَرِّغَ همَّهُ المكبوتَ في صدره، لحيوانٍ يتآخى معه ضمن عملية تشخيص وأنسنة personification " وها هو يشتكي له بكل بساطة وثقة وود:
"- ... فلنفرض مثلاً أن عندك مهراً وأنت أم لهذا المهر... ولنفرض أن هذا المهر رحل فجأة، أليس هذا مؤسفاً؟"
"وتمضغ الفرسُ وتنصتُ وتزفرُ على يَدَي صاحبها، ويندمجُ أيونا فيحكي لها كلَّ شيء.". وأراني الآن جاعلاً الحوارَ بين شخصين وليس بين إنسان وحيوان. أجل .. قد يكون الحيوانُ أحياناً أوفى وأرق من البشر وقلب الإنسان أقسى من الحجر..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق