أبحث عن موضوع

الأربعاء، 19 أبريل 2017

لن يموت الياسمين.............. بقلم : جميلة بلطي عطوي / تونس



لملمت جهدها ...أعدّت زوّادتها وتوكّلت...نفخت من أعلى قمّة وقد قرّرت أن يكون الغزو ساحقا...في الوهد أرخت العنان لهبّاتها تكتسح المغاور والمنعطفات... هنا لا بدّ أن يكون الفعل كاملا ...يجب " أن لا تبقي ولا تذر" ...وجّهت دوّاماتها تروم نصرا فجوبهت بخيبة مقيتة...أطلّت على بوصلتها تتفقّدها...اطمأنّت على سلامتها ، لكن ماذا يحدث؟ ما هذه هي الأرض التي ألفتها في غارات سابقة...التفتت يمينا...شمالا...أين البناءات؟ أين الشّجر؟ حتّى الحجر رأته شظايا مبعثرة تتكدّس هنا وهناك في شبه مستنقعات سوداء اللّون .
تراجعت وهي تكتم الغيظ...هذه الأرض كانت لعبتها المفضّلة ...أيْ نَعَم تقسو عليها بين الحين والآخر لكنّها لم تفكّر يوما أن تدمّرها كما ترى.
من تُرى فعل بها هذا؟ ليتني أعرفه حتّى أثار وأردّ اعتبارها .
وهي تتهيّأ للرحيل تناهى إلى مسمعها صوت ضعيف كأنّه يصدر من قرار لا نهاية له ...التفتت ، رأت تحت كومة من الرّكام أوراقا مبعثرة وبعض الأغصان الجافّة أو تكاد ...اقتربت ، نفخت بقوة ...هو ...هو...ارتفعت الشّظايا معلنة بقية حياة ...من تحت الرّكام أطلّ برعم صغير...قال: مرحبا ، من هنا؟ لِمَ أتيت ؟ هل أنتِ الصَّبا العليلة التي كانت تداعب أغصان أمّي وتلاعب أوراقها وأزهارها فتفرح وتضخّ عبيرا يفعم النّفوس....أم أنتِ العاصفة التي يرتجف لها الجميع وتلتصق النّباتات الصّغيرة خوفا من الفناء...اليوم كما ترين ... لا كبير يرتعب لصولتك ولا صغير يخشى أن تزفّه دوّاماتك إلى المجهول .
قالت: نعم كنت ذلك أفعل لكنّني ما تجرّأت يوما أن أجعل هذه الأرض محروقة ...رغم كلّ شيء هي فضائي المحبّب وأنا اليوم أشعر بالأسى الشّديد لحالها.
هل تعلم من فعل بها هذا أيّها البرعم الصّغير ؟ قال نعم أعلم و يا ليتني ما علمت...بعينيّ رأيت العقوق يتجبّر...بأذنيّ سمعت فلذات الأكباد تتنمّر...هل سمعت بحياتك عن ابن يقتل أمّه ...عن أخ يهتك حرمة أخته... عن ابن يقطع رأس أبيه.
هم كانوا في مجملهم كذلك ...تمنيت لو أنّ الرّكام قضى عليّ كما فعل مع غيري حتّى لا أكون شاهدا على هكذا مأساة لكن ماذا أفعل والصّبيّة التي كانت تمسكني زرعت في وريدي من روحها ...لقد ضمّخت عروقي بدمها وحمّلتني رسالة إلى الكون ، إلى الإنسان... إليك،
أن تحابّوا واقتلوا الضّغينة في أعماقكم ...أن تذكّروا أنّ الحكمة أرسلتكم للتّعمير والسّعادة.
همست الرّيح للشّمس ،للنهر ، للقمر والنّجوم ...أحبّائي ...تعالوا معا نردّ اعتبار الرّبيع ...تعالوا نرمّم الأرض ومن حياضها نرتشف عبق الياسمين ...هيّا تعالوا ...نضخّه في الكون ..نقول للشّر خسئت ...لن يموت الياسمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق