أبحث عن موضوع

الأربعاء، 29 مارس 2017

المنهـج النقـدي فـي فلسفـة النـص قراءة في كتاب (عبد الجبار الفياض حكيم من أوروك)...... بقلم: حسين الساعدي// العراق

المنهـج النقـدي فـي فلسفـة النـص
قراءة في كتاب
(عبد الجبار الفياض حكيم من أوروك)
للباحث والناقد/محمد شنيشل الربيعي

بقلم/حسـين السـاعـدي
الجــزء الأول

بطـاقـة تعـريفـيـة :
كتاب "عبد الجبار الفياض حكيم من أوروك" للباحث والناقد محمد شنيشل فرع الربيعي ، والصادر في بغداد عن "المتن للطباعة" يقع في (410) صفحة من القطع الكبير . تناول فيه المؤلف حقيقة الحكمة السومرية وأثرها على الفلسفة اليونانية القديمة من خلال إستقراء نصوص الشاعر العراقي"عبد الجبار الفياض" .
قُسم الكتاب الى فصلين هما :
الفصل الأول ، وجودي يتناول فيه "أنطولوجيا النص" وتضمن خمس مباحث بدأ بمبحث "الأثبات قبل النقش" وأنتهى بالمبحث الخامس "حكمة النكوص" .
أما الفصل الثاني ، فهو معرفي نقدي ، يتناول "إبستيمولوجيا النص" ، الذي تضمن ثلاث مباحث بتفرعاتها ، فبدأ بـ(المدخل المعرفي) ، وأنتهى عند مبحث موسوم بـ(العائدة اليه ، ليس كالذاهب اليها) .
قدم للكتاب "د.حيدر ماجد الهاشمي" ، رئيس المؤسسة الأكاديمية للدراسات والتنمية البشرية . أضافة الى قراءة أولى بقلم "د.نوري خزعل صبري" ، رئيس مركز الحرف للدراسات العربية في جامعة ستراتفورد الأمريكية/ رئيس البيت الثقافي العربي في الهند ، وقد أعتمد الكتاب لدى جامعة ستراتفورد الأمريكية .
يمثل العنوان عتبة الكتاب فهو يقوم على ثلاث مباني شكلت مكوناته .
المبنى الأول/ (أسم الشاعر) "عبد الجبار الفياض" ، الشاعر الذي ولد وعاش ويعيش على أرض سومر بقرب ماءها يداعب قصبها وبرديها ويشم رائحة طينها السومري الممزوج بعبق التاريخ .
المبنى الثاني/ (الحكمة) أول من نطقها اللسان العراقي فهي عند السومريين "مصدر كل حظٍ سعيد في الحياة" .
المبنى الثالث/ (المكان) أوروك ، المدينة السومرية التي تغفو على ضفاف الفرات ، من أوائل المراكز الحضارية في العالم ، ظهرت في بداية العصر البرونزي قبل حوالي (4000 ق.م) ، أول مدينة أستطاعت أن توحد دويلات الملك "لوكال زاكيزي" الذي نجح في توحيد الممالك المتناحرة وأسس دولة كبرى حدودها من البحر السفلي "الخليج العربي" إلى البحر الأعلى "البحر المتوسط" . وفيها تم أختراع الكتابة وظهر الحرف الأول في العالم وذلك في حدود (3100 ق.م) . كان خامس ملوكها الملك "كلكامش" الذي حكم في حدود (2700ق.م) ، خُلدت مآثره البطولية في ملحمة عُرفت بأسمه "ملحمة كلكامش" .
يحيط بهذه المباني الثلاثة ، مبنى رابع يمثل البعد الرابع في معادلة العتبة ألا وهو بعد (سيرورة الحركة) الذي يمثل وحدة التاريخ والجغرافية عبر أجيال من الزمن .

مقــدمــــة
كتاب "عبد الجبار الفياض حكيم من أوروك" هو كتاب جامع في مباحثه مبان فلسفية وتاريخية ونقدية وشعرية ، فالكاتب قد أحاط قدر ما تيسر له من
أعمال الشاعر العراقي "عبد الجبار الفياض" مسلطاً الضوء عليها بطريقة البحث والتنقيب والعمل الأكاديمي . فهو لم يترك شاردة أو واردة في أعمال الشاعر "عبد الجبار الفياض" إلا وغاص في بحثها ونقب عنها بمعول عامل متمرّس يعرف صنعته جيدا ً.
قيمة الكتاب أنه مشروع قائم على قراءة متأملة حاول فيها الكاتب تقديم قراءة غير تقليدية للحضارة السومرية من خلال معطيات ومقارنات ومقاربات بين الماضي والحاضر .
في(ص32) يأمل الكاتب أن يحقق ما يصبو اليه (من تجديدية في قراءة النص المعاصر والأنفتاح على سلطة النص بعيداً عن تليف الذاكرة والأحتكام الى اللغة) . ويشير في (ص106) الى هذه التجديدية بقوله:(أن كينونة النص تكمن في التأمل الفلسفي الذي يشكل المدخل الى عالمية النص) .
الكتاب في تأليفه يمثل مخاض حقيقي يحسب بالشهور الطوال ، كتبت فصوله مرة بمنهجية الباحث المدقق ومرة أخرى على سبيل التبسيط والإيضاح لكي يستمتع في قراءته محبو الحكمة ، وفق منهج بحثي تحليلي مقارن وصولاً بالقارئ الى نمط أخر في قراءته لتاريخ الفكر الفلسفي الإنساني .
في الكتاب ، ناقش الكاتب عدداً من الأفكار التي تبلور نهجاً نقدياً من خلال دراسة متعمقة وموسوعية . فهو في حقيقته - الكتاب - أطروحة منهجية أريد بها ترسيخ تقاليد نقدية جديدة ، فهو يمثل قراءة نقدية لبلورت نهج فلسفي ، في قراءة النص الأدبي .
نحن نعلم جيداً إن الساحة الأدبية العربية تجتاحها اليوم الفوضى في ميدان النقد الأدبي ، نتيجة سوء أستخدام المناهج النقدية في إبراز قيمة الأدب العربي . والناتجة عن عدم متابعة النتاج الأدبي من قبل المعنيين بالعملية النقدية العربية وتعريف القارئ بها ، وتمييز الأعمال الجيدة من الرديئة .
ولو تتبعنا العملية النقدية منذ أكثر من ربع قرن ، لوجدنا أن المنهج البنيوي هو المسيطر على الساحة النقدية .
ويمكن أن نحكم على هذا المنهج
بالقصور في أحتواء النص الأدبي والنهوض بمهمة النقد المتكامل له . وسوء ترجمة مفاهيم هذا المنهج وتعريبها بالصورة الواضحة ، وأستخدامها والأفادة منها ، من خلال أستخدام مقولات رولان بارت (1980 - 1915) ، وميشيل فوكو (1984- 1926) ، سوسير (1913- 1857) .
إن هناك أعمال أدبية قد نظلمها حين نجردها من محتواها الفلسفى ، والأقتصار في تحليلها على أسلوبها ، والنظر إلى تراكيبها اللغوية وعناصرها الفنية ، وصورها الشعرية وأستخدام التشبيهات من الأستعارات والأنفعالات الذي تكون في نفس الشاعر ...
وإذا سأل سائل : ما الجديد فى هذا المنهج الفلسفي الذي جاء به الأستاذ محمد شنيشل الربيعي ؟
الجواب هو التركيز على الجوانب الفلسفية فى العمل الأدبى لإنه يمس جوهر ما فى الإنسان من قيم وتقاليد . ويخرج الأدب المحلي إلى نطاق العالمية . إن الأعتبارات التي يقوم عليها المنهج الفلسفي هي إن المنهج ليس مذهباً نقدياً متكاملاً للأدب ، وإنما هو محاولة تساعد على إضفاء طابع فلسفى ذات بعد إنساني على العمل الأدبي ، وإبراز الأفكار الفلسفية الموجودة فيه .
كذلك هناك سؤال يذكر وهو هل قُرأٙ النص أي نص قراءة فلسفية من قبل ؟ الجواب ، نعم مثلاً نصوص أبي العلاء المعري ونصوص المتنبي وجبران خليل جبران وغيرهم ، كذلك فلاسفة ما بعد الحداثة أمثال هيدجر ونيتشة وباسكال وغيرهم ، وجدوا الفلسفة هي نظاماً شعرياً وهذه وقفة تأمل جديدة نضطلع بها على كنه الشعر وأعادة أستقرائه من جديد .
أن جميع النقاد الذين كتبوا عن هؤلاء كانوا يكتبون وفق المنهج النصي ، أي قراءة النص فلسفياً دون أن يتعرضوا على أن النص يبحث في عمق الإنسان الفلسفي وهذا ما أكد عليه الأستاذ محمد شنيشل الربيعي في كتابه .
فالعمق الفلسفي عند الإنسان هو اللأمرئي والمحتجب الذاتي وهو الحقيقة التي تشكل العناصر المتعالية عند الإنسان . ومن خلال هذا الفهم ، تتضح لدينا صورتان ، دلالة النص الفلسفي ودلالة النص الذي يكشف عمق الإنسان الفلسفي .
كتاب "عبد الجبار الفياض حكيم من أوروك" ، نظراً لكثرة موضوعاته التي ناقشها المؤلف ، سوف نقتصر بإلقاء الضوء على القضايا الرئيسية التي تضمنها .
الكتاب ذات صبغة ولغة فلسفية عميقة ورؤية تاريخية أضافة الى نزعتة النقدية ، وبما إنه يتسم بهذه المعاني ، فإني في عرضي له ، لن ألتزم في قراءتي بما ألزم الكاتب به نفسه من ألفاظ ومفاهيم ، وإنما سأعمد إلى تقريب المعاني قدر المستطاع ، وملء الفراغات التي تركها الكاتب للأخرين من أجل ملئها .
يتبـــــــع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق