أبحث عن موضوع

الأربعاء، 29 مارس 2017

عن تكامل أجيال الشعر / حكاية جرحٍ أنثوي....... قراءة في قصيدتي :" لوقلتها " و"حبْلى " لميساء زيدان / نزار قبّاني .... بقلم : شاهين دوجي / تونس



لو قلتها ... وطعنتني...
ورأيتُ صوتكَ كاذباً إذ ما تقولُ وتدّعي
ورميتني في بحر شكٍ موجهُ لن ينثني..
لتقولَ أنكَ : متعبٌ شغلتْكَ عني ، وعن هواي فبعتني..
ودعتْكَ نحو خيانةٍ فرشتْ اليكَ : ثيابها.. وجنونَها.. وسريرَها..
وغواكَ صوتُ فحيحها فتبعتْها.. ورميتني..
ضحكتْ اليكَ ظننتها.. تعطيكَ شهداً.. بل سموماً في رضابٍ تجتني..
ورمتْ اليكَ حروفها فقرأتها.. وجهلتني..
ونسيتني.. في ظلمةٍ ومرارةٍ فشريتها، بمزادها قد بعتني..
للهِ صمتُكَ والسؤالُ يلوكني ويخيطُ حزناً في الظنون ويبتني..
كم مرةٍ قلتَ: أسكتي..؟ أوهامُ قولكِ، ليس حقاً ليسَ صدقاً فصرختَ بي .. ونهرتني..
يا صخرُ صمتكَ.. ما أجبتَ..؟ ولا أسفتَ..؟
وليتَ أنّكَ قلتَ لي... أخطأتَ.. أو سهواً.. غفوتَ بليلها ونسيتني..؟
أمعنتَ في كذبِ الجواب تصوغهُ فحرقتني..
وأنا أحسّكَ : خنتني..
وأنا يقيناً قد علمتُ.. وقد رأيتُ.. وقد سمعتُ.. بخافقي وبأعينِ..
لو قلتَها: ... لأرحتني..
لوضعتُ رأسكَ في الضلوع ولا أقولُ: كويتني..
لو قلتَها.. لو قلتَ: أنكَ خنتني..
سامحتُ كفركَ وارتضيتُكَ موطني..
وغفرتُ كل خطيئةٍ أفنيتَها.. وفنيتني..
يا كلّ صبري في هواكَ كما النسيم بسوسنِ..
لا.. لن.. أكونَ .. كما تكونُ بل أحتضنتكَ مسكني..
لا.. لم.. أدعْ تلكَ الخؤونةَ تستبيكَ لننحني..
فحملتُ جرحي والكرامةَ وانتشلتُكَ في فمي..
حباً.. وقلباً، باحتباس الأدمعِ
وحملتُ جرحكَ والدموع بما شربتَ سقيتني..
أني أحبكَ قلتُها سأصونُها.. لو صنتني..
وأظلّ عهداً للوفاء ولا أقولُ : طعنتني..
لو قلتها...؟؟؟ لو ... قلتَها.. وأرحتني 00
شعر / ميساء زيدان

- منذ أسبوع كتب أستاذنا الدكتور بوطاجين مقاله الماتع " قتل الأب : هذا البؤس " الذي أشار فيه إلى ظاهرة البناء من الصّفرعند اللّاحق ورفض البنيات الموروثة عن المتقدّم بدعوى الإستقلال الفكري ، فوضع – بهذا - يده على أخطر مرض يهدّد المنظومة الفكرية : أن يحس الكلّ نفسه نبيّا يهدم ما قبله من البدع ويروم التّجديد في الشمس والقمر والجبال الرّاسيّات وهو أمر لم يفعله حتى الأنبياء .
- إن تكامل منظومة الفكر قوة دفع ذاتي جبّارة لأنها تختصر المسافات الى الفكرة ذاتها ولاضير – بل المطلوب - أن ننظر الى نتاج المتقدّم على أنّه كسب بشريّ يكتنفه النّقص والعوار .
- بين يديّ قصيدة للشاعرةٍ ( ميساء زيدان ) شاعرة تعرف معنى الشّعر وتؤمن بالتّواصل بين الأجيال الشّعرية ، ولعلّه سرّ تميّزها وتنوّع الدهشة عندها ، فهي تكتب العموديّ الموزون وقصيدة النثر والومضة وغيرها من أساليب الشّعرية المعاصرة .
- قلت : أقلّب قصيدة : لوقلتها جيئة وذهابًا فأحسّ هذا التكامل الذي تكلّم عنه الدّكتور بوطاجين فالقصيدة مسكونة بروحٍ نزاريّة في العديد من زوايا ها وهو الأمر الذي سأتحدّث عنه قليلًا .
- قصيدة " لوقلتها " لميساء زيدان تقرأ - باِمتياز - قصيدة "حبْلى " للراحل نزار قبّاني من عدّة أوجه و في الوقت ذاته تحاول خلق فضائها الخاص وهو الأمر النّادر في الشّعرية المعاصرة . فمن جهة الموضوع ،تحكي قصيدة " لو قلتها " جرح الأنثى التي تعرضت للخيانة فديست كرامتها حين فضّل الحبيب حضن أخرى وباعها :
*شغلتْكَ عني ، وعن هواي فبعتني..
*ودعتْكَ نحو خيانةٍ فرشتْ اليكَ : ثيابها.. وجنونَها.. وسريرَها..
- بينما تحكي "حبلى " - النّابعة عن حادثة واقعية - جرح الأنثى المغتصبة التي لا تملك غير العذريّة في مجتمع شرقي يقدّس العذرية :
*يا مَنْ زَرَعتَ العارَ في صُلبي
*وكسرتَ لي قلبي
- كلاهما يحكي عذابات الأنثى حين تحاول ممارسة الأنوثة في هذا الوجود الذي تراه بلون الورد فيستحيل أحيانا شوكا وعلقما تدوم مرارته طويلا .
- أمّا طريقة التّناول في هذين التشكيلين فشيء آخر فلانكاد نلمس التشابه إلّا في المدخل وهو أمر مقصود من الشاعرة لتحيل على نزار وهالة نزار .
- تقول أنثى " ميساء " مكذّبة متّهمة الحبيب الخائن المصرّ على إمكاره جرم الخيانة :
*ورأيتُ صوتكَ كاذباً
* إذ ما تقولُ وتدّعي
- وتقول أنثى نزار للمغتصب الذي أنكر جرم الإغتصاب :
*لا تَمْتَقِعْ !
*هي كِلْمَةٌ عَجْلى
*إنّي لأَشعُرُ أنّني حُبلى
- من هذه النقطة تبدأ الشاعرة في تشكيل " الطّينة النّزاريّة " وفق وعيها لتحمّلها بصمة ونفسا لا يشي إلّا بها :
- فأنثى نزار هي أنثى وصلت مرحلة المقت لمن كان حبيبًا واستحال مغتصبًا ، فلم تعد أنوثتها ضمن الحسابات بعد جرم الأغتصاب غاية ماهنالك اعتراف بالعار المزروع في بطنها لتتمكّن من السّر في الشارع المكتظّ المتّهم لها قبل حتّى أن تخطئ :
*وبعثتَ بالخَدَّامِ يدفعُني
*ليقولَ لي : ` مولايَ ليسَ هُنا
- وتواصل :
*ماذا ؟ أتبصِقُني
*والقيءُ في حَلقي يدمِّرُني
*وأصابعُ الغَثَيانِ تخنقُني ..
*ووريثُكَ المشؤومُ في بَدَني
* والعارُ يسحقُني ..
*وحقيقةٌ سوداءُ .. تملؤني
*هي أنّني حُبلى
- هو استجداء الضّعيف إذن؟
- أمّا أنثى " ميساء " فتستجدي الحبيب "الخائن " غير أنّ استجداءها موسوم بالحب الجارف فلازالت تحبه على جرمه المرتكب :
*وليتَ أنّكَ قلتَ لي... أخطأتَ.. أو سهواً..
*غفوتَ بليلها ونسيتني..؟
*لو قلتَها.. لو قلتَ: أنكَ خنتني..
*سامحتُ كفركَ وارتضيتُكَ موطني..
- كلاهما تطلب تستجدي كلاهما تطلب الإعتراف لكن أحداهن وصلت لمرحلة المقت ، والأخرى لا زالت عاشقة .
- ممّا يلفت النّظر في القصيدتين موقف مرتكب الجرم فلئن كان الإنكار يجمع بين الخائن والمغتصب فإن جانب العنف واستمراء الخطيئة يفرقهما :
- يصوّر نزار المغتصب ممعنا في الخطيئة يسعى الى التنصل من جرمه حتى أنّه يعرض مالا هو تكاليف عمليّة الإجهاض الذي دلّ سياق القصيدة أن الضّحيّة" الفقيرة المستضعفة" قبلته بدليل نهاية القصيدة حين اختارت حل الإجهاض :
*ليراتُكَ الخمسون .. تُضحكُني ..
*لمَن النقودُ .. لِمَنْ ؟
*لتُجهِضَني ؟
*لتخيطَ لي كَفَني ؟
*هذا إذَنْ ثمَني ؟
*ثمنُ الوَفا يا بُؤرَةَ العَفَنِ؟
- أما الشاعرة ميساء زيدان فتصوّر الخائن محتفظا ببقيّة صالحة بدليل بعيد عن النّذالة التي وسمت المغتصب عند نزار نحسّ هذا في بعض اهتزازات النص حين تواجهه الأنثى بالحقيقة :
*ودعتْكَ نحو خيانةٍ فرشتْ اليكَ : ثيابها.. وجنونَها.. وسريرَها..
*وغواكَ صوتُ فحيحها فتبعتْها.. ورميتني..
*ضحكتْ اليكَ ظننتها.. تعطيكَ شهداً.. بل سموماً في رضابٍ تجتني..
*ورمتْ اليكَ حروفها فقرأتها.. وجهلتني
- بطريقة أو بأخرى تحاول أنثى ميساء تحت قهر العشق - أن تجد مبرّرا للخيانة حين تمعن في تصوير جرعة الإغواء التي تعرّض لها هذا الخائن والتي لم يحتملها ضعفه البشريّ.

- نقطة أخرى تبرز اختلاف زاوية النظر بين الشّاعرة ميساء والعظيم نزار ومحلّها نهاية القصّتين ، بعد أن يئست أنثى نزار من اعتراف مغتصبها بـ :"العار" اتجهت نحوحلّ الإجهاض لتكتب جرما آخر في صحيفتها وهذا حدث ويحدث :
`* شكراً .. `
*سأُسقِطُ ذلكَ الحَمْلا
*أنا لا أريدُ لهُ أباً نَذْلا
- بينما تسعى أنثى ميساء الى المحافظة على الخائن تحت قهر العشق وربما هي تشير من طرف خفيّ الى ارفاع مستوى السّقف العقلي مقارنة بالخمسينات المرحلة التي كابت فيها " حبلى " وما انجر عنه من تحرّر للمرأة حيث خفّت وطأة المجتمع عن كاهلها بعض الشّيء :
*فحملتُ جرحي والكرامةَ وانتشلتُكَ في فمي..
*حباً.. وقلباً، باحتباس الأدمعِ
*وحملتُ جرحكَ والدموع بما شربتَ سقيتني..
*أني أحبكَ قلتُها سأصونُها.. لو صنتني..
*وأظلّ عهداً للوفاء ولا أقولُ : طعنتني..
- بقي أن أقول أن التشكيلين - علاوة على شعريّتهما الطّافحة – فهما انسانيان بامتياز أشبّههما بفستان خيط ليكون على مقاس كلّ أنثى تعرضت للكسر عبر مراحل الحياة .
- قد يكون أمرا في غير محلّه أن أشير إلى البنية النّسقيّة لكلا القصيدتين بعد هذه العجالة حول السّيّاق لأن المراد كتبته تبيان التكامل والتواصل الأمثلين لأجيال الشّعر دونما تأليه أو انتقاص بل بناء على أساس وتجديد في الرؤى وهو عصارة مقال أستاذنا الدكتور بوطاجين وإن كان يقصد مجالا آخر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق