أبحث عن موضوع

الأحد، 28 ديسمبر 2014

قصة/ مشتاق إليك.............. بقلم محمود قباجا /// فلسطين


يجلس على مقعده ومن أمامه المارة يسرقُ السمعَ أحيانا ، ويلقي النظرات على الأفواج من عرب ومن عجم ، بعضهم يلبسُ زيّه الطويل ويلقي بملايته على الكتف والإشارب على الرأس وبعضهم يرتدي زيّه الأوروبي المكشوف الساقين وبعض أجزاء العنق والصدر ، وهناك من يرتدي البنطال الطويل وهناك من يرتدي القصير فلكل زيٌّ خاص .
السيجارُ لم يفارق شفتيه ، تارة يلقي رمادهُ على البنطلون وتارة يزفر الدخان على شاربه الشاحب اللون ، يمسك بجريدته ليقرأ بعضَ الإعلانات فقد يجد اعلان عن كأس من الشراب البارد يخفف وطأة الحرارة التي في جوفه .
يُخرج أوراقه التي كتب فيها بعض تمتماته قبل شهر ليعيد قراءتها وصياغتها حتى تلائم ما تشاهِده عينُه من ألوان بعضها فاقع وبعضها باهت ، فكلّ ألوان الربيع حاضرة لتهيم بها الأعين.
يرفع عكازه ويُلقي بها على الأرض ويهمّ بالقيام ليتجه شرقا ليستجدي بعض الهدوء ليتصل ببعض أصدقائه فهو يبحث عن منْ يثبط الوهجَ الذي يرتسم على مقلة العينين ، ويطفئ نار القلب . يتذكر صديقته مريم التي رنّ هاتفها في الصباح فلم يتمكن من الرد عليها ، يقوم بالاتصال ..لم يتم الرد . أها .. أها : قد تكون منهمكة الأخرى في تعداد واجبات البيت كما هو منهمك في إحصاء المارة وتصنيفهم حسب الأعمار والجنسيات ، هذا قريب للنفس وهذا شخصه منفرة ، هذا نفسه طيبة وهادئة وهذا متعجرف وعصبي .
يُعاود الاتصال بها بدون كلل أو ملل فهناك شيء في داخله يحثه على الاتصال . يسأل نفسه هل ترد على الاتصال هذه المرّة أم تتغاضى بالرد بسبب نشاطها ومسؤوليتها ؟ .
يكرّر الاتصال ثانٍ فلم تتم الاستجابة . تعود الزفرات والتنهدات على أنفاسه التي تتضارب وتتعامد مع شعرات الشارب . يحاول تغيير مكان الجلوس النحس الذي فيه لم يتمكن من التواصل مع من تسكن شذراتها في أعماقه.
يتجه إلى أبواب الكنيسة حيث الإزدحام وتراص الزائرين من مواطنين محليين ومن سياح توافدوا لتطهير نفوسهم من آثامها والتبريك بمهد (عيسى عليه السلام ) ، وكان له فسحة ليدخل الأبواب ويلقي نظره نحو الجدران والرسومات المرصعة بالفسيفساء ومشاهدة الصلبان المنتشرة هنا وهناك ، وتعانق أجساد المعتمرين للمكان . فجأة يرنُّ الهاتف وهو في غمرة التفاعل مع المشاهدات والجمال الروحي الذي يغمرُ المكان فلم يستطع الرد وماذا يقول ؟.
تنحى جانبا ليقوم بالاتصال للمرة الثالثة فعساه يتمكن من سماع هذا الصوت الذي يلاحقه طيف صاحبه في الأحلام .
يدعس على الأرقام واحدا تلو آخر ليسمع الصوت في الجهة المقابلة قائلا: مشتاق إليك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق