أبحث عن موضوع

السبت، 15 يناير 2022

التحليل النقدي لقصة " ألنمور في اليوم العاشر" لزكريا تامر............ بقلم : علي البدر // العراق




وبذكاء استعمل القاص النمر كسيمياء symbol تكسوها هالة من الكبرياء والشموخ واستطاع باستدراج حواري dialogue، قُطِعَ أحيانا بحوار داخلي مع النفس monologue ، بعيد عن تعقيدات السرد القصصي، أن يوصلنا الى الترويض التام للنمر. ولاضير من إكسابه الصفة البشرية ضمن عملية أنسنة personification رائعة. ولكي لا تحدث ردة الفعل إثناء عملية التجويع، يباشر اصحاب القرار بخلق حاجز نفسي يساهم في التعجيل في زرع مشاعر الذل والمهانة والخنوع ويصبح الحاكم " ربكم الأعلى". وفي الماضي كان الحاكم هو الإله أو نائب الإله ليتمتع بالقوة المادية والنفسية وها إن التأريخ يعيد نفسه ولكن بأسلوب أكثر شراسة وقسوة. وبدايته هي عزل الشعب وخلق سجن كبير بلا أسوار. وضمن غريزة البقاء ، تكون لقمة الخبز هي العامل الحاسم في بقاء الإنسان،
وبالتأكيد إن المروض يعرف أن نمره جائعٌ" أحضر لي ما آكله. فقد حان وقت طعامي.”. ويأتي الرد من المروض " أتأمرني وأنت سجيني؟ يالك من نمر مضحك!". ثم يستمر بترسيخ قوته وجبروته لإضعاف ردة فعل النمر وكسر شوكته ..." " لا أحد يأمر النمور. لن أكون عبداً لأحد." إن الخصم وهو ابن الشعب المحاط بجو إرهابي يجعله بمرور الوقت خائفاً. والخوفfear هو تهديد البيئه للفرد، وإن استمر المحيط بسحب الأمان من الفرد فأنه يتحول إلى قلق worry ، وهو خوف مستمر أي تهديد البيئة المستمر. والقلق يؤدي الى استنفاذ الطاقة العصبية التي تُضْعِفُ بِدَورها مقاومة الفرد وتسحب منه ثقته بالنفس ليصبح بالتالي سلبي خانع وسهل الإنقياد، في وطن عبارة عن سجن كبير.
والزهو الذي يشعر به النمر، ما هو إلا نتاج لتلك الدائرة من الحيوانات الأضعف منه التي تحيطه وبنفس الوقت تفر هاربة منه حيث يتعاظم زهوه وجبروته، ولهذا السبب تم عزله عن بيئته من أجل إشعاره بالضعف والوحدة والغربة حيث يعمقها الجوع وصعوبة الحصول على لقمة العيش ومبدأ: "الرأس المرفوع لا يشبع معدة فارغة"، مبدأ غاية في الخطورة حيث يتوجب الخضوع وتنكيس الرأس وانحناء الظهر، من أجل الحصول على لقمة العيش. والمجتمعات ذات الحكم الشمولي ينطبق عليها قانون البقاء للأقوى وللأصلح، وهذا المبدأ الداروني Charles Darwin يطبق على بيئة الغابة أي على الحيوانات، وقد تمَّ توظيفه لتطبيقه على المجتمع الإنساني.
. وجملة "أنا جائع"، عندما يكررها الإنسان، تكون مرتبطةً بلغةٍ أخرى رديفة هي لغة الحركة Language of gestures أو ما تسمى body language حيث التعبير عن الجوع يصاحبه قسمات وجهٍ ذليلةٍ وحركةِ جسدٍ توحي بالضعف . وهنا تكمن الكارثة، عندما يعتاد على هذه الجملة الملايين من البشر، وتتجه عملية الترويض نحو السهولة حيث تكون صِفَتا الذلِّ humiliation والمسكنة wretchedness جزءاً من صفات الشخصية. وعندما يفقد الإنسان ماء وجهه، فإن الكثير من الأمور تهون عليه: " وحين أقول لك: قف، فعليك أن تقف. ، ”. وهنا يقترن الوقوف بالشبع، حيث يبادر النمر " أنا جائع فاطلب مني أن أقف." . وما الوقوف إلا استجابة لمنبه وهو الطعام. وبالتكرار، يتحد المُنبِّه بالإستجابة لينتج عادة. والعادة هي تكرار لاشعوري يمارسه الفرد لتعطيه نوعاً من الأطمئنان والأستقرار. وتستمر سهولة الإنقياد وتنفيذ الأوامر لدرجة استعداد النمر لتقليد مواء القط، حيث يَكْظُمُ غَيْظَهُ ويقول لنفسه " سأتسلى إذا قلدت مواءَ القط.". ولكن خطة الترويض أبعد من ذلك فالمُرَوِّضُ يرفض تقليد النمر لمواء القط لعدم إجادته ذلك، ويعطيه مهلة للتدريب حيث يتركه يوما كاملا بدون طعام، ليعود ويسمع مواءه ويتظاهر بالاقتناع حيث يرمي " إليه قطعة كبيرة من اللحم" ، موجهاً أقسى كلام إليه " عظيم.. تموء كقطة في شباط." . ثم يتحول الأمر إلى تقليد نهيق الحمار حيث يفشل النمر لكن المروض هذه المرة يرمي إليه قطعة أخرى من اللحم مدعيا أنه يشفق عليه وهذا بالحقيقة بعد أن أيقن أن الترويض قد نجح تماما حيث الخطوة اللاحقة الحاسمة، وهي أنْ يصفق النمر عند أي خطاب يلقيه المروض حتى إذا لم يكن مفهوماً إلى الآخرين،
إن القاص زكريا تامر ما هو إلا ناقل لحوار ثنائي dialogue بصيغة الشخص الثالث third person مبتعداً عن السرد مركزاً على الأخذ والرد بين الطرفين، حيث يملي وبذكاء واستدراج، مفاصل ثيمة النص ليوصلنا إلى الهدف في آخر سطر من قصته " وفي اليوم العاشر، إختفى المروِّضُ وتلاميذُه والنمرُ والقفصُ، فصار النمرُ مواطناً والقفصُ مدينةً." ورغم أن هذه الخاتمة لا تعتبر صدمة يتفاجأ بها المتلقي لأن السارد، مبتعداً عن تشابكات ميكانزم السرد القصصي، شدنا وبسلاسة متدرجة جعلتنا نكتشف أو نتوقع خاتمتها. أي إنه جعلنا وسط مفاصل النص، لنشعر أن القفص هو الأرض التي نعيش وسطها والنمر هو تلك الملايين التي تسكن في بقعة مترامية الأطراف نسميها الوطن العربي. وقد أعطتنا القصة بعداً زمكانياً ربط بين الواقع والماضي الممتد لقرون عديدة، حيث احتدم الصراع من أجل السيطرة واستغلال الإنسان لأخيه الأنسان. وقد نتساءل: هل أن القاص زكريا تامر جعل المواطن سلبياً جباناً يميل للخنوع والذل؟ وللإجابة على هذا التساؤل لابد أن نركز على أن ثيمةَ القصةِ تَتَمَحْورُ حَول استغلالِ الإنسانِ لأخيه الإنسان وكيفية ترويضه عن طريق لقمة العيش، فهي إذن صعقة لابد أن تتلاشى في يوم من الأيام. وصراع المتناقضات لابد أن يُحْسَم في يوم ما، وقد حَسَمتْهُ الكثير من الشعوب لصالحها حيث يشعر الفرد بالأمان وهو وسط مجتمع خالٍ من التسلط والإستغلال، لا أن يشعر بالإغتراب alienation نتيجة جوعه ولهاثه من أجل البحث عن لقمة العيش له ولعائلته. وقد علمتنا دروس التأريخ أن الحسم لابد أن يكون لصالح الطبقة الجائعة... فيرجع النمر طليقاً وسط غابته، وبالتأكيد لابد أن يولد صراع جديد ، وهذا برأيي قد يكون سبباَ لجعل الأسدِ طليقاً.. أجل . ذلك الجبروت الذي سيوضع مروضي الشعوب في القفص وهذه هي قوانين الحياة...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق