أبحث عن موضوع

السبت، 15 يناير 2022

مرافئ الغربة ............ بقلم : محمد موفق العبيدي// العراق




الغربة هي شعور بعدم الانتماء لما حولك...
يجسده... الإحساس بالكآبة والوحدة...يشعل نارها الحنين لما كنت تنتمي اليه...
وهكذا وجدتني وحيداً... يحيط بي صقيع البلاد الغريبة...
اشاهد وجوه بلا ملامح وأجساد كأنها دمى تتحرك بخيوط وهمية متصلة باللاوجود...
اشاهد أبنية قد تكون رائعة المعمار ولكنها بالنسبة لي كأقفاص البلابل الجميلة التي تخفي تحت جمالها سجوناً لأجساد هذه الطيور..
التسكع في بلدان الغربة... هو نوع غريب من الحياة...
تضغط على أعصاب المغتربين... تشعرهم بالضياع الوجداني... والتبلد في أحاسيس التواصل الإنساني مع ما يحيطهم من بهجة يشعرون بحكم غربتهم
انهم لا ينتمون اليها ويشعرون برفضها لهم حتى تدفع بهم الى هاوية الضياع...
تجدنا نتجمع في غرفنا المنعزلة لنشعر بوحدتنا وكآبتنا بشكل جماعي... لأن الوحدة اذا انفردت بأحدنا افترسته... وتركت أشلاءه علامات على طريق السفر الطويل..
نتداول مختلف الحكايات... ونطلق الكلمات العشوائية المعبرة عن الآم الروح...التي يجلدها مارد الغربة رغم كل صور الحياة المحيطة بنا...
كلما كانت الجلدة أقوى... تساقطت من الروح قطعاً ممزقة من المشاعر... التي تنبت أزاهير سود في حقول الغربة...مشاعرنا في الغربة... هي مشاعر لحظات احتضار الروح مع اختلاف في النهايات...
فاحتضار الروح في الغربة يطول ويطول... بقدر عمر المعاناة... التي تجعل الغربة تسحب الروح من الجسد ببطء يمزق اشتباكات الاحاسيس المتلهفة الى وطن الحنين والانتماء...
امد يدي في جيبي...لا اجد الا مبلغ زهيد قد يمكنني من شراء لقيمات قليلة لا أستطيع أن أُكثر منها لقلة ما في اليد...
أصعب شيء أن تكون قيمتكَ بمقدار ما يحتويه جيبكَ... وحتى هذه اللقيمات تشعرك بمرارتها وكأنها طبخت في قدر الغربة المر.. ولا يزيل مرارتها كل أملاح وسكريات الأرض.
في كل مرة أعود فيها الى غرفتي...
بعد تسكع يوم كامل...
ابدأ بمسح كل محتويات غرفتي بأطراف أصابعي... قطعة... قطعة...
كأنني اريد أن اتأكد من غربتي في هذه الاصقاع البعيدة عن الوطن الأم
كأنني احب أن اتواصل معها وكأنها الوحيدة التي تعرفني في هذا العالم...
كذلك افرغ كل حقائبي في كل عودة الى الغرفة... وكأنني وصلت للتو من سفري ولا اعرف لماذا...؟
خلالها اجد الدموع قد وجدت طريقها الى حدقات العيون...
لتُمطِرَ كل اشيائي وصوري ودفاتر ذكرياتي بدموع الفراق والوجد...
ليسيل حبر اوراقها على الوسائد البيضاء التي احتضنها عندما ادفن نفسي في فراشي...
ترى لماذا يستيقظ الطفل في داخلنا عندما تعصرنا الغربة وتطحن مشاعرنا بمطحنة الافتقاد والحيرة..؟
نحلم ان نجد صدر امنا لنرضع منه كل حنان الأرض... ولنغفو لحظات تطمئن فيها نفوسنا...
ننسى ما حولنا من هموم.. ولكننا على العكس نصحوا فنجد انفسنا وقد شاخت منا الروح...
وبدأت عقارب الشعر الأبيض تغزوا مفارق الرأس...في غمرة كل هذا الألم التقيتكِ.. واشرقتْ في أرض غربتي شمس الأمل...
كأنني حين وجدتكِ... تصاعدت جذور اشجار الأمل من اعماق الأرض المتثلجة...
تعلن عن ولادة جديدة لسيرة عشق بعيدة عن بلادها...
ابطالها عاشقان الهبت سياط الغربة ظهورهما ....قررا أن يكون كل منهما وطناً للأخر....
ذاب كل منا في الاخر...مضت كثيراً من اللقاءات صامتة بدون كلمات...
كان الصمت هو الكلام...ترجمته العيون وارتعاشات الشفاه وتكاسل الاجفان وبرودة الكفوف وتعرّق الجباه... وعبيركِ الذي صار بصمة غربتي الطاغي الذي اتنفسه ليدخل اعماقي المتثلجة...
كنت استسلم عند قلاعكِ في كل لقاء يضمنا في غربتنا...
لا اكذب اذا قلت...نعم...لقد ولدتك امكِ ولكنك صيرت نفسكِ كما شئت أن تكوني...فاكتملت خصلات جمالكِ بما طابت نفسك به...ونصّبكِ الحب ملكة ابدية على عرشه واخذتِ تنثرين من شذاكِ على كل القلوب المتعبة والمثقلة بهموم الاغتراب...
اخيراً اقول...
منذ اللحظة... اصبحت لا اخشاكِ يا غربتي ولا اخشى وحدتي... فقد أرسل القدر الإنسانة التي أصبحت لي وطناً...
صورة عن وطني...صدراً اميناً... أغفو عليه ناسياً همومي...مرتحلاً مع حبها الى عجائب جزر العشق...اغفوا بين عينيها... وتصحو بين عيني...




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق