أبحث عن موضوع

السبت، 11 أبريل 2020

اليوم الخامس عشر من الحجر الصحي...................... بقلم : حميدة جامع _ المغرب




شفشاون 3 أبريل 2020.




يوم مشمس وبارد، وأنا في كامل لياقتي البدنية ومعنوياتي مرتفعة جدا نكاية في كورونا.

رائحة البنفسج والأقحوان والقرنفل تنتشر هنا وهناك وأنا في انتشاء وصفاء ذهن .

الحياة جميلة في المنزل، لا بل رائعة.

النوافذ تشرع على مصراعيها وباب المنزل يفتح، وأفراد الأسرة في سعادة وحبور وعلامات الزهو بادية على محياي.

كيف لا وقد صمدت خمسة عشر يوما في الحجر الصحي وأنا أتنقل بين السطح والشرفة والنافذة وحجرات المنزل .

استطعت أن أهزم وباء كورونا اللعين. الذي يتخيلني الآن مهزومة مدحورة ...بئس الفيروس وخياله.




انغمست في طفولتي حتى النخاع و تصفحت ذاكرتي على مهل وتسللت إلى نفسي سرا وجهرا وانفلت مني إلي . فاجأتني نفسي كثيرا ظننت أنني متمكنة منها وأعرفها حق المعرفة لكن وباء كورونا اللعين وفر لي أدوات اكتشافها من جديد ...ضحكاتي المجلجة... أوف كيف استطعت أن أتعايش معها طول هذه المدة ؟ إنها مزعجة بالفعل وتأتي في غير محلها عادة.

نظراتي التي تهوي في فراغ ..أوف ..تبا . كيف تقبلت هذا الوضع طيلة سنوات عمري ..أبدو كالبلهاء.




الحجر الصحي مكنني من التعرف على أفراد أسرتي من جديد لا بل تخصصت في دراستهم عن قرب.

لم أكن أعرف مثلا أن هناك من يرفض منهم فتح عينيه وهو في طريقه إلى المرحاض حتى لا يفر النوم من جفنيه ويرفض الإنارة ويفضل أن يمر حائطا حائطا إلى أن يصل إلى مسعاه والويل لمن يجرؤ على التكلم معه .

لم أكن أعلم أن هناك من أفراد أسرتي... نعم أفراد أسرتي من يخفي الفواكه الجافة في ملابسه ويأكلها في غفلة عن الباقين ويحلف بأغلظ الأيمان أنه يحرك فمه فقط.




لم أكن لأدرك لا هذا ولاذاك وكيف لي أن أفعل لولا هذا الحجر الذي أتاح لي فرصة تناول الطعام مع جميع أفراد الأسرة والجلوس إلى المائدة في وقت محدد وكأننا نتحلق حول مائدة إفطار رمضان .




كما جعلني أتذكر رواية زوربا اليوناني وأرقص في الهواء رقصة فرح و سعادة صنعتها لنفسي مثل قنطرة خالدة للتحليق فوق النفق.




أذناي اعتادتا على سماع صافرات الإنذار وهي تعلن عن بداية حظر التجول بمدينتي لتعفيني من السؤال عن الساعة وأدرك تلقائيا أنها السادسة مساء بالتمام والكمال.

العشية بدأت حصتها للتو وأنا أرفل في فرح طفولي جعلني أدرك أنني سأظل منطقة مجهولة لنفسي ولو استمرت مدة حجري الصحي شهورا.




هرول الليل سريعا، وعجل بطرد الشفق وأنا مازلت أرقص رقصة زوربا الشهيرة وأرفض متابعة عدد الإصابات بفيروس كورونا اللعين بوطني.




وأميل أكثر لاستطلاع أخبار اللعين بمدينتي لتزداد سعادتي باستماتة شفشاون في جعل سكانها في مأمن من الفيروس.

لكنني ولشدة فضولي أبيت إلا أن ألقي نظرة خاطفة على الموقع لأتحسر على عدد الإصابات التي وصلت 791 حالة مؤكدة بالمغرب.




كلما انقضت سويعات من الليل أدرك أن الحياة مزيج معتق من السعادة والحزن والألم واللذة والرغبة والرهبة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏زهرة‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق