أبحث عن موضوع

الخميس، 9 فبراير 2017

رضيع الرماد ( قصة قصيرة ) ............... بقلم : حميدة جامع / المغرب




يزحف متنقِّلا بين الجثث ....يشرئبُّ ثمّ يتقاصر ....ينظر يمنة ويسرة ...تعتصِم الدموع في مقلتيه وتتجمَّد ....يصرخ بصوت متقطِّع ....يتوقَّف عند جثَّة هامدة ....يتلمَّس وجهها بحنوٍّ ، ثمَّ يطفق يقبِّلها ويلثَم وجنتيها وأنفها وشفتيها وجيدها ، إلى أن يصل إلى صدرها ..تتسلَّل يداه إلى ثديها ، فيخرجه ويمتصُّه برَويَّة وطمأنينة ، ثمَّ يُعيد الكرَّة مرَّات ....يضرب الأرض برجليه وهو مضطجع على بطنه ...يتسلَّقها مرة ثانية ، ثمَّ يعيد المحاولات لعلَّه يحصل على رشفة تروي ظمأه وتهدِّئ روعه ....جوعه ...يصرخ من جديد ...ويزداد التصاقا بالجثَّة .
في هذه الأثناء تصل فرقة الإنقاذ وتبدأ بالبحث عن أحياء بين الجثث والأشلاء .
فجأة ، يُسْمَع دويُّ انفجار على مرمى حجر ....يفِرُّ الجميع إلاَّ سيِّدة تطوَّعت وانتسبت مؤخَّرا إلى فريق الإنقاذ .
يُصاب بالرُّعب الشَّديد ويزداد التصاقا بالجثَّة ويعاوِدُ مصَّ الثَّدي بقوَّة وانفعال ...يصرخ ثمَّ يستكين إلى جانبها في استسلام تامٍّ .
تُواصل السَّيِّدة البحثَ بشجاعة وتحدٍّ ، وكأنَّها لم تعُد تهتمُّ لشيء في هذه الدنيا ، أو ليس لديها ما تخسره ....والحقيقة أن هذه السيِّدة فقدت رضيعها قبل ثلاثة أيَّام فقط ، أثناء غارة جوِّيَّة على حيِّها ، وحليبه مازال يسري في ثديها وينزل قطرات ساخنة ليُبَلِّلَ صدريَّتها وقميصها .
تنهَّدت السيِّدة بضيق وامتلأت عيناها دمعا وهي تُرَدِّد : الأوغاد ....المجرمون ....القتلة ...مصَّاصو الدِّماء ...كفانا ...كفانا ...خذوا السُّلطة ....خذوا الثَّروة ...انهبوا ما شئتم ...اُتركوا رضيعي فقط ....كان هادئا ...كان جميلا ...كان يشبهني ...ماذا فعلت لكم ...لا أعرفكم حتَّى ..... ما ذنب رضيعي ...ما ذا فعل لكم ؟
تنخرط في موجة من البكاء والنُّواح ...
بعد برهة ، تكمل البحث عن أحياء ، فتصل إليه وقد تكوَّم فوق صدر أمِّه ..طفل لا يتجاوز السّنة من عمره ، وقد أطبق فمه على ثدي الجثة ، وأسلم روحه قبل الأوان .
تنتزعه بصعوبة كبيرة ...تضمُّه إلى صدرها بحنان ..تجلس القرفصاء ، وقد أطبقت عليه تماما ، وقطرات الحليب تتساقط ساخنة من ثديها فوق رأس الرَّضيع ، لتنحدر ببطء شديد على هامته ثمَّ أنفه وتسيل على شفتيه .

  5 / 1 / 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق