أبحث عن موضوع

السبت، 21 مايو 2016

ذاكرة ...................... بقلم : ياسين آل عبد العظيم // العراق


اشتعل بخور العود* عن بعد وفاح بنفحات من الذاكرة .. تزاحم الحنين الى الشناشيل وكاد يحبو على عتبة الدار القديم ..
يا حسرة على الماضي البعيد ! من يعيده بلونه البهيج و ما يحمله من محبة مزمنه ؟ وتلك المرحومة جدتي وكأنها لم تمت عندما تحمل بيديها السراج ..
يطرد الخوف من خلوة الظلام و تتهالك لضيائه المنبعث من المدى اشباح الطوارق و الليالي الموحشة..
ما زلت اصغي الى أصوات الذكريات تدندن في رأسي الموغل بالضجة العارمة ..
من تهويدة امي الى صوت معلمي الحميم .. و صمت الصفوف و ما تخالجه من همسات مفعمة بنشوة الهروب .. من درس أخير .. منذ كنا و نظراتنا شاخصة صوب منفذ مخلوع الباب ..نترقب منه جرس الرحيل برغبة غامرة ..
كنا نخرج كأسراب الجراد .. او الطوفان قد اجتاح السدود و الى البيوت ننهمر ..
بل كمثل قصة الشتات من سفر الخروج ..
وعلى الطريق قارعة حصان كان يأتينا هزيل .. يجر عربة و أخبار أثقلتها الدرابين .. وكأنه يروي ما جرى خلف متنه من مواويل وحكايات .. دارت بين عشق و غزل ..
على سبيل الايجاز مثلا فعندما كان العاشقان يتماديان يالغرام : يندفع السايس* الجلاد بغيرته الحمقاء على لذع الحصان بالسياط .. كم مسكين هو الاخير ..
كان يكابر و يمضي مسرعا بالجراح .. فيضبح بكل عليائه متراقصا على إيقاع حدواته و صرير الربل * ..
و من التنور القديم .. لم يتبقى سوى طين و طعم رغيف اسمر من النار ..
يحكى بأن رغيفنا كان بسم الله يتلابس عجينه فجرا و بقليل من ملح الجبين يختمر .. كم تهافتت اليه افواه الصغار كما الورد سال منه الرحيق ..
كانت المرحومة جدتي تعطينا كفافنا و تعزل كسرة من خبره و تذروها مهشمة فوق السياج .. سألتها بفضول كأي طفل يلج بالسؤال .. لمن هذا الفتات قالت هو رزق الطيور ...
سبحاناك الرزاق رب الخبز و رب هذا الجرح و رب الجوع :
أخاف ان ابتهل اليك لتخرج لنا مائدة من الأرض فتكون من نصيب السراق ..
و باسمك بعدها نجوع
.
.
العود *: نوع من اجود أنواع البخور يستخدم في جلب المحبة ..كما يزعم القدماء
الربل *: اطار العجلة و المفردة إنكليزية و تستخدم في اللهجة الدارجة
السايس *: مربي الخيول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق