أبحث عن موضوع

الخميس، 14 أبريل 2016

معاناة في كلمات دامعات بأليأس ......................... بقلم : رائد مهدي // العراق




هكذا أرتأيت أن عنون هذه الدراسة المبسطة لقصيدة ـ هو بعض من الغباء ـ والتي سطرتها أنامل الشاعرة الاديبة السورية / لينا قنجراوي / بقوة أثر الدهشة والاستغراب واللوم للحال الشخصي المتوجع بظرف مزمن أجتماعي فتبدأ عبارات اللوم أبتداء من مطلع القصيدة :
هو بعض من الغباء
أن تعيش في وطن
بلا وطن
وهنا قمة التأنيب للنفس حين يجد المرء نفسه أسيرآ في شباك الغباء التي نصبتها له يد الظروف التي تتوجه به الى حيث لا يريد لترميه في ذلك المكان الموصوف بأنه وطن كمسمى لكنه سجن ومنفى حتى لا يشعر المرء برغبة الانتماء لذلك المكان الذي يعج بأﻷلم والفشل والوطن المستباح أقل ما يوصف به لا وطن. ومن ثم تنطلق بنا لينا كنجراوي لترينا تلك الصفحات المكتوبة بحبر دموي والمؤطرة بسواد الخوف ومن أعلى عناوين البؤس قائلة :
هي قمة الشقاء
أن ترسم الخوف
في الليل غطاء
لنكتشف أن أول مراتب تلك المعاناة لدى الاديبة هو أﻷضطرار الذي يجعل الانسان يتغطى بشيئ لايكاد يطيقه بل يتغطى بما هو سبب رئيسي لسلب سكينته وبألتالي يكون ذلك الغطاء بلاء على صاحبه سواء كان غطاء فكريآ أو عقائديآ وبكل الاحوال هي معاناة منشأها الأضطرار.
من عمامة بيضاء
أو راية سوداء
من لحية رقطاء
من خطبة حمقاء
صور متعددة لمصدر ألم واحد متسبب بذلك الاضطرار وقد يكون جزء لا يتجزء من ذلك الأضطرار المأساوي القاتم المعالم والمتناقض الأعمال والاقوال بدلالة مفردات الأديبة (بيضاء سوداء) والصورة الاخرى لذلك المصدر المأساوي هو تشوه الحال حينما وصفته بمفردة (رقطاء) والتي كثيرآ ماتطلق على الأفعى التي ملمسها ناعم وفي انيابها السم الزعاف فكذلك تصف ذلك المصدر المأساوي وتشبهه كأفعى جميل ماتدعو اليه لكن تلك الافعى تضمر الموت والألم وتخفيه ولاتظهره إلا غدرآ ومكرآ لتوصلنا الأديبة الى صورة شديدة الوضوح عندما تكشف لنا أن هناك خطبة حمقاء في أشارة لما تتسبب به أمثال تلك الخطب من كوارث ومآسي متصلة بمعاناة صاحبة الكلمات التي تقفز بنا الى ذلك الضحك العبثي الذي مكانه بألتحديد :
من ضحكات نساء
تكللها نار رمضاء
من باب موصد
بألف دعاء ودعاء
فكما قيل شر البلية م ايضحك تتشكل الضحكات العبثية حين يجد المرء نفسه مدفونآ بالحياة أو مسجون بلا استحقاق أو مضطر دون اختيار فلأن المرأة كانت لها حصة الاسد في تلك المعاناة فلا عجب ان تكون اعلى الضحكات من أشد القلوب المبتلاة وﻷن مكان المرأة في تلك المعاناة بل ومكانتها مغيبة خلف الأبواب لذا وصف ذلك الباب بأنه موصد لكونه موصد بوجه المرأة خصوصآ ومعظم النساء عمومآ فلا تجد تلك النسوة المغيبات عن أدوارهن سوى اطلاق الامنيات من رحم المعاناة فكانت بالوصف التالي :
أن يمر الليل بلا ضوضاء
بدون انتظار لسكاكين الجهلة
فالضوضاء المعنية هي مصدر الازعاج في أسوء مكان ﻷن ضوضاء الليل لا تحتمل وهي تنهك النفس اكثر من الجسد وأما السكاكين فهي تشبيه لتلك الأمور التي أنشأت وتأسست لنفع الناس ومساعدتهم على تدبير شؤون حياتهم لكنها وقعت بيد الجهلاء الذين بدلوا وظيفة السكين من خدمة الانسان الى ذبح الانسان لتضاف تلك السكاكين الى مشهد المأساة بل وتطغى عليه بكل وحشية ورعب ليهرب المرء من أولئك الجهلاء فيفر الى ذاته التي تواجهه بتأنيب إضافي قائلة :
هو شيء من الغباء
أن تعانق الوحدة
في خضم الرفقاء
أن تبحث بنهم عن صدر
تبث فيه كل المواجع بسخاء
تأمن اليه في رحى انتحار
ألباء والحاء
تتمرد الذات على نفسها حينما تعجز عن الاندماج أو تقبل الآخرين ومع سعيها الحيث للأنغراز بين باقات ملونة من الرفقاء لكنها تشعر أنها جسمآ غريبآ وكيانآ غريبآ نتيجة اختلاف الطبائع فيدور المرء حول نفسه ولا يجد إلا نفسه ﻷنه لايطيق التركيز إلا على ماهو مهيئ للتطلع اليه وحسب وذلك المنتفي وجوده في باقات الرفقاء المتعددة وعندما يكون المرء في هرم المعاناة فلامعنى ان يبثها الى آخرين ﻷنهم لم يبلغوا مابلغ من جراح وأسى ولن يستطيعوا مشاركته مايشعر به مما يزيد وحدته ووحشته أن لايجد من يشاطره ذلك الشعور ويحمل عنه شيئ ويخفف عنه وقد تكون تلك الصدور ضائقة بحالها وليس بها شاغرآ يسع الآخرين ﻷن القلوب تنفتح ابوابها على مصراعيها أوان الحب بينما بتلك المعاناة ينزوي الحب بعيدآ عن القلوب وينأى حبيسآ في سجون المحرمات والممنوعات ويتجلى ذلك بتعبير الاديبة عن الحب بصيغة (الباء والحاء) وكان بأمكانها تقديم الحاء على الباء لكننا نفهم منها بأنها إشارة لذلك الحب المتشظي ذلك الحب المنفصل والمنقسم والمنتحر كما بتعبيرها وﻷن صورة الحب مشوهة في رحم المعاناة وﻷن المفاهيم الإنسانية مقلوبة في تلك البيئة لذا فألحب يكون شكله باء ثم حاء (زواج ثم حب) (شبع ثم طلب ) (موت ثم حياة) هكذا المفاهيم مقلوبة الشكل في تلك المعاناة وعلى هكذا تثقفوا فينصدم المرء بتلك الطبائع النشاز ويلوم نفسه أنه جزء من ذلك المشهد الفوضوي ومن قمة العقل يرتأى حال و مناديآ نفسه بكل أسى :
هو يا سيدي كل الغباء
أن تنتظر في زمن أللقطاء
لحظة سعادة أو حلم بهناء
على وسادة فرغت
من كل شيئ
إلا من فتات أوهام
بحلم لقاء
أو بطاقة أنتماء.
شروحات متواردة من قمة المعاناة عندما يكتشف المرء أنه محاط بمن هم لقطاء أنسانيآ وثقافيآ وليس لهم ادنى ارتباط بألحضارة الانسانية التي منشأها وأصلها الثقافة الصحيحة والأفكار السوية فيكونوا مثلما هم موصوفين باللقطاء حضاريآ وليس لهم أي انتساب حضاري او انساني فمن المؤكد أستحالة الحصول على لحظة سعادة بين أولئك اللا متحضرين واللا إنسانيين بل حتى الحلم بالهناء معهم مستبعد ﻷن العقل اللا واعي والذي يصنع الحلم فهو يدركههم على حقيقتهم كما هو العقل الظاهر ولا يؤمن بالسعادة معهم في إشارة لقناعة تامة ظاهريآ وباطنيآ بأنه لا سعادة ولا هناء بين أولئك الاوغاد وما تلك الوسادة الفارغة سوى التي تحمل رؤوس أولئك الموهومين على فراش الجهل وسرير الحمق فلا شيء يتكئ عليها سوى الوهم الموصوف بالفتات لكون رؤوس السابقين كانت تمتلئ به ولكثر الرؤوس التي مر من خلالها لذا فهو اليوم عبارة عن فتات من تلك الأوهام الحقيرة والتي حتى بعد تهشمها لازال فتاتها يعكر صفو الحياة عبر رؤوس أولئك الموهومين الجناة الذين يقتلون الحلم قبل ان يولد بمعاول الجهل ولم يبقى من الاحلام سوى حلم اللقاء بالحل حلم اللقاء بما يؤدي ﻷنتصار الحضارة ونيل شرف بطاقة الانتماء لحال افضل وعالم افضل وأجمل. كانت المفردات بسيطة لا تعقيد فيها وكان سياق القصيدة وبنائها مرتب ببناء واقعي قريب الفكرة ومع عتامة الصورة لكنها كانت تحمل هدفآ تعريفيآ يكشف المعاناة ويدينها ويرفضها ويتمرد عليها بكل جرأة وقوة رغمآ من قساوة المناخ الاجتماعي التي صورت الاديبة لنا بعض الصور الشعرية من معاناتها فيه. نشهد لها ابداعها وجرأتها وشجاعتها في الطرح وحسن اختيار الموضوع بهذا النص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق