أبحث عن موضوع

الجمعة، 8 أبريل 2016

سونيتات ميساء زيدان أسلوبيةٌ خارج المألوف ................ بقلم : د. وليد جاسم الزبيدي // العراق

صورة ‏‎Maysaa Zidan‎‏.
المقدمة: لقد كان ومازال التجريب لدى المبدعين في كل صنوف الأدب (الشعر- النثر- الرواية-القصية..) والموسيقى والمسرح، والفنون التشكيلية، كي يكتشف المبدع لوناً يستظهره من فنون جاءت من تراث الأمم لينحت منه وفيه لوناً جديداً أو ليفتح فتحاً مبيناً يسبق الآخرين ، بشرط الجمالية والتقانة والذوق السليم ضمن اطار الإبداع وليس خروجا بلا معنى ولا هدف.. فالبعض يأتي بشاذ عقيم أو جديد مشوّه،..
اليوم نقف مرةً أخرى مع نص جديد للشاعرة السورية (ميساء زيدان) التي أصدرت ديوانها (لا شريك لك في القلب) سنة 2015 عن المركز ال بعنوان (سونيتات) ، لماذا سوقافي بابل- دمشق- القاهرة، بإدارة الشاعر ولاء الصوّاف، نقف اليوم مع نص (سونيتات) ؟؟ ولماذا هذا اللون؟؟ وهل من جدّةٍ وتفرّد ؟؟
الموشح العربي:
يعتبرُ الموشح الأندلسي انقلاباً خطيراً في الأدب العربي، فهو ابتكار واختراع جديد في عصره، يتحرّرُ معهُ الفكرُ والخيالُ العربيان من قيود القوافي والأوزان القديمة، التي كان ينبغي تحطيمها لولادة نصٍ جديدٍ يتماشى مع حضارة العصر الأندلسي وطبيعة وجغرافية البلاد، وروحية ومزاج أهل بلاد الأندلس. ولا أريد الأطالة في هذا الموضوع فبالأمكان الرجوع الى بعض المؤلفات التي كتبت في الموشح قديمة وحديثة منها: (العقد الفريد) ابن عبد ربه الأندلسي، وكتاب(بلاغة العرب في ألأندلس) للدكتور شوقي ضيف، وكتاب (نظرات في تاريخ الأدب الأندلسي) للأستاذ كامل الكيلاني.. وكتاب ( الموشح في الأندلس وفي المشرق) للدكتور محمد مهدي البصير.. وغيرها الكثير.
وللموشّحِ صورٌ مختلفةٌ وأشكالٌ متعددةٌ، استخدمها الأندلسيون أولاً في أواخر القرن الثالث الهجري وحتى أوائل القرن السابع الهجري. وللموشحِ مواضيع وأعاريض جديدة، وتنويع في القوافي، ومن أنواعه: المخمس، والمسبع، والمعشر.. ويُراعى في الموشّح: خفّةُ الوزن، ورنّةُ القافية، وبهرجةُ اللفظ.
السونيتا:
لماذا ابتدأنا الحديث والدراسة بالموشّح؟ لأننا نعتقد أن (السونيتا) هي ولادة شرعية من الموشّح العربي، حيث يعتقد بعض المؤرخين ومن كتبَ في موضوعة السونيتات أو من يسميها (الغنائيات) أنها انتقلت عن طريق التجارة بين بلاد الأندلس وإيطاليا وفرنسا، حيث انتقل هذا اللون من الشعر ليكون فتحاً جديداً في الأدب الأيطالي في قصائد (التوربادو) وغنائيات الشعراء الجوّالين، ثم انتقل هذا الفن وتطوّر في أوربا (فرنسا) ثمّ (إنكلترا).
حيث طوّر الشاعر الإنكليزي الكبير(شكسبير) هذا اللون ليكون على شكل (سونيتا) وغيّرَ من نمطية نظام الغنائية الإيطالية القائم 14 بيتاً، تنقسمُ على ثُمانيّةٍ، وسُداسيّة، وصولاً الى ثلاثيّة، فرباعيات، ومزدوجة.
والمتتبع في الأدب المقارن وتاريخية الأدب الأيطالي سيلمس بكل يقين ارتباط الغنائية الإيطالية في الشعر بقمة جذوتها ، بالموشّح الأندلسي وقرينه الزجل (الشعر العامّي- الشعبي)، وممن كتب في موضوعة السونيتات من الأدباء والمترجمين العرب وأهمهم (د. عبد الواحد لؤلؤة) و(جبرا إبراهيم جبرا) من العراق، والناقد السوري (كمال أبو ديب)، ويمكن مراجعة كتاب الغنائيات الى عبد الواحد لؤلؤة، (وليم شكسبير – السونيتات) جبرا إبراهيم جبرا، الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الإنجليزي الشهير شكسبير بترجمة الناقد السوري الدكتور كمال أبو ديب الصادرة كملحق لمجلة دبي الثقافية في شهر يناير 2010 . وغيرها الكثير...
ما هي السونيتا:
السونيت: (Sonnet) مشتقة من الكلمة الإيطالية "sonetto" ومعناها "الأغنية الصغيرة", وهي نوع من أنواع الشعر الغربي . وفي القرن الثالث عشر، أصبحت الكلمة تشير إلى قصيدة مشهورة من أربعة عشر سطرًا, وتتبع قافية معينة وتركيبًا محددًا.وللسونيت أنواع عديدة, وأشهرها السونيت الإنجليزية, والإيطالية.
السونيتاالإنجليزية:
تسمى أيضًا الشكسبيرية (Shakeaspearian sonnet), وتتكون من ثلاث رباعيات, وثنائي. تبدأ بسؤالٍ, وتفصل إجابته في الرباعيات الأول ومن ثم تُلخص الفكرة كلها في آخر ثنائي, وقافيتها التالي:
تنتظم القوافي فى المقاطع الثلاثة الأولى لتكون قافية السطر الأول هي قافية السطر الثالث، وقافية السطر الثاني هي قافيه السطر الرابع، في كل مقطع على حدة، بحيث لاتتكرر فى المقطعين التاليين، اما المقطع الأخير المكون من سطرين فينتهى بقافية ثنائية، بذلك يكون نظام القوافي في السونيتات على هذا النحو (أ ب أب – ج د ج د – ه وه و – ز ز).
لم تقتصر كتابة السونيتات على شكسبير فقط، فقد كتبها أيضا معاصروه من الشعراء، ولكن شكسبير مثلما كان اغزرهم وأبرزهم فى كتابة السونيتات التي بلغ عددها 154، والتى دفعت النقاد بسبب قيمتها الأدبية والإنسانية الى حد القول لو لم يكتب شكسبير شيئا سواها لكانت كافية لوضعه فى مكان الصدارةبين شعراء العالم.
وقد كتب شكسبير 154 سونيت ومن أشهر هذه السونيتات 18, 116, 73.
سونيتات الشاعرة السورية (ميساء زيدان) في النص:
1- أسلوبية العنوان:
لقد وضعت لكل مقطع(سونيتا) عنواناً لذاته، قائم بنفسه، لكن هذا التشظي في العناوين لم يجعل الـ(سونيتا) وحدة موضوعية لذاتها بل هي ترتبط بما قبلها وبعدها ربطاً جدلياً. هذه الفرادة بالنسبة للموضوع، كما توّجتْ الشاعرةُ العنوان برموز لسنوات وأرقام لها دلالاتها عربياً وكونياً وما ترمزُ اليه في لغة الأرقام والأبراج ويشكل مفتاحاً من مفاتيح النّص حسب مفهوم وقراءة كل متلقي.
2- أسلوبية الشكل:
هندسةُ بناءِ الشكل ومعماره، تهتم به الشاعرة، ويشتمل على اختيار نوع النّص (عمودي- تفعيلة- نثر) في ملائمته مع الموضوع وحركة النص والبناء الدرامي داخل اللغة ،بل وتتحكم في بناء الجملة وكيفية معالجة إشكالية الموضوع بين (جملة اسمية) و(جملة فعلية)، بل وتتحكم في اسلوبية التقديم والتأخير.
وتمثلت السونيتات بشكلها في النّص كما يلي:
آ/ سونيتا 1: عمودي –سداسي.
(لهفي على وطني../يغتالهُ السرّاقْ../يستلّ من كفنِ../خريفهُ الأوراقْ../لهفي على شجنِ../ما قيمةُ الأشواقْ..؟)
ب/ سونيتا 2: عمودي- خماسي. (قُبّعتي أوراق الحبْ../منديلي أوراقُ الدّربْ../بينَ القيدِ وبينَ اليدْ../بيني وبينك هذا الحدْ../غصنٌ يورقُ بينَ التُربْ..)
3/ سونيتا 3: عمودي –سداسي.( ألمي جرحٌ ومواويلْ../منذُ انبلجَ سوادُ الليلْ../آهٍ لم أعرفْ أبداً/كيفَ أغازلُ؟ /حُلمَ الويلْ../أهدرُ روحي/وخبتْ نفسي../في القنديلْ..)
4/ سونيتا 4: نص تفعيلة(حر).( جَعَلتْكَ المسارحُ كومبارساً/في الطرق الخلفية/ طرحَكَ (هاملت) على /بساط الريح،/فتبنّاكَ (عُطيل)/أنتَ أيها القدّيسُ المُدنّسُ/بجرائم العرش/ تاجُكَ جماجمُ ضحاياك..).
5- سونيتا 5: نص تفعيلة(حر).( الشرقُ بكفّي اليمنى/والغربُ بشفاهي كاسْ../من معطف (جوليت) انبثقت/شمسٌ.. آسْ../آتٍ.. صبحُ بلادي آتْ../رغمَ نشاز الأصواتْ..).
6/ سونيتا6: عمودي- رباعي. (خذني تاجا../خذني درعا../خذني ورداً../ خذني جوعا../الدربُ سنطويهِ سويّا/وسنفديه فُرادى .. وجموعا..).
7/ سونيتا 7: عمودي ثلاثي.( ياليلُ متى يأتي غدُ..؟/الصبرُ سجينٌ يرتعدُ../وأنا والشعرُ سنتّقدُ..).
8/ سونيتا8: عمودي- رباعي.( يا ليتَ.. يا ليتَ.. كنتَ أمانيا../يا ليتَ تأتي بعد كلّ لياليا../وهل أنت إلا كلمةٌ وعبارةٌ/قد قلتها صوتاً يُردّدُ عاليا..).
وهكذا نلحظُ أن بنية النّص كان بين البناء الثلاثي والسداسي. وهذا يدل على تمكن الشاعرة في بناء النص والسونيتا الواحدة في الثلاثي والرباعي والخماسي والسداسي، بل وأفردت نصين للتفعيلة كي تبين مقدرتها على التنويع في التجنيس الشعري بما يخدم النّص والمضمون.
3- أسلوبية الموضوع:
انمازّ الموضوع في (النصوص)- حيث أنها مجموعة نصوص في نص واحد- بوحدة الموضوع مع التنوّع في تشظي الفكرة ثم تلتقي في مصب أو بوتقة واحدة في النتيجة.
4- أسلوبية المضمون:
تتعدّدُ الرؤى في قراءة النّص ويختلفُ التأويل، والتفكيك على مستويات القراءة للمتلقي الواحد ولمجموع المتلقين.
أنها قراءة متواضعة يحتمل أكثر من دراسة لجدته وفرادته وغرابته ومستوى تقنية البناء شكلاً وموضوعاً. مع تمنياتي بالتوفيق للشاعرة المبدعة وآمل من القرّاء الكرام والنقاد التنقيب في هذا النّص الذي يحتمل أكثر من قراءة وتأويل وتحليل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق