أبحث عن موضوع

السبت، 18 سبتمبر 2021

"عشاق الحروب" قصة قصيرة ................. بقلم : علي البدر // العراق



ولم تعد تلك الضربات والرفسات المجنونة التي تهز باب الدار مثيرةً للأستغراب، رغم حالة الوجوم والصمت التي تسيطر على العائلة عند كل زيارة. وكنت أعلم بأنني المقصود ، لكن نبرات التهديد هذه المرة تبدو حازمة. كان يتحدث معها بعصبية وهو ينظر الى الأعلى.
- أخشى أنه رأى شيئاً.
- لاتقلقي يا أمي. سأذهب غداً وأسلم نفسي. ولكن ولكن أبي يا أمي. من يساعده ويحمله الى الحمام. وماذا تعملين اذا تعثر فجأة أو سقط من سريره فجراً أو ربما في منتصف الليل كما يحدث أحيانا؟
- يحاول الأعتماد على نفسه ولكن..
- أجل يا أمي.. لقد بات يشعر بالاحراج كلما نحمله، وقد قال لي يوماً متى يا ولدي يأخذ الله أمانته؟ قبلت يديه ووضعت خدي على صدره وتذكرت كيف كان يحملني وأنا أحس بأنفاسه تدفيني، أو يضعني أجلس على كتفيه.
- مستحيل.
- مستحيل! عن أي شيء؟
- أن أدعك تذهب من أجل حرب مجنونة مرت بالأمس سنتها السادسة وهم يتصنعون انتصارات وهمية. وقد طرقت كل الأبواب علني أعثر على أخيك الذي غير غيابه المفاجيء حياتنا. لقد كان يزهو بنوره وسطنا واليد اليمنى لأبيك في دكانه، ولم يبق لي الا أنت ياولدي.. لقد ترجيتهم أن يتركوكَ لحالك لأنك معيلنا الوحيد وأخبرتهم أننا بحاجة اليك في مساعدة والدك، لكنهم أصروا على مشاركتك بالحرب. أنا خائفة هذه المرة، وكانت نظراتهم مرعبة ياولدي.. لننزل الان واهيء لك العشاء.
وكانت أجمل لحظاتي هي جلوسي قرب سرير أبي أستمع اليه يحدثني عن أيام زمان وحرص الجار على جاره. وكان يتحدث بألم هذه المره لأنه يعلم جيدا أن ابن الجيران هو الذي يترأس هؤلاء الذين يتصيدون الشباب والرجال وزجهم الى جبهة الموت من أجل أحلام مريضة يراد لها أن تتحقق مهما كانت النتائج. حاولت النهوض بعد أن غطيت أبي بغطاء خفيف حيث راحت أنفاسه هادئة فأيقنت أنه في نوم عميق، وكانت المفاجأة مذهلة عندما توزعت الأقدام وشق الصياح حجب الصمت ورُكلت الباب لتدخل مجموعةٌ من الرجال، يترأسهم إبن الجيران. أسمر الوجه وشعرٌ مجعدٌ وعيونٌ حادةٌ تثير عدم الارتياح والكره.
- عملتَها يا "صباح". أما تخجل أنت وجماعتك، تٌداهمون آلبيت وتتجاهلون حرمته وتعلم أن أبي مُقعد وأمي مريضة وأنا المعيل الوحيد للعائلة؟
- أنت متخاذل وعليك الدفاع عن حرائر العراق وتراب الوطن. قال ذلك وهو يسحبني بعنف وحوله رفاقه.
عمّت الفوضى أرجاء البيت وقد بدت علامات الزهو والأنتصار بادية عليهم بينما إتّكأت أمي على الجدار وقد آخرسّت من هول الصدمة محاولةّ مَسكي من يدي وسحبي نحوها مصدرة صيحات بصوت مبحوح وشفتين مرتجفتين.
- أما تخافون الله؟ انه وحيدي وسنموت بدونه ، وشرعت تبكي بحرقة وكأنها ستفقدني الى الأبد، لكن الرفيق "صباح" صرخ بوجهها فصمتت مرعوبة وبدت وكأنها هيكل بشري مسلوب الأرادة. أحد الرفاق حاول تبرير ما حدث بوجود نقص في الفرقة الحزبية واذا لم يأخذوني فان واحداً منهم لابد أن يذهب مكاني. وهكذا حُشرت بالسيارة وأنا أستمع لأنشاد حماسي صاخب "إحنه مشينة مشينه للحرب.. عاشك ويحب محبوبته"، يمتزج مع حوارهم، فهمت منه بأنهم سيسلموني الى الفرقة الحزبية في بغداد الجديدة وليست في منطقتنا، يحتجزوني هناك. وعندما فُتح الباب في الصباح، كان أحد الرفاق أمامي حيث اقتادني لغرفة واسعة فهمت أنها لمسؤول الفرقة الحزبية. ناولني قلماً وطلب مني التوقيع في أسفل ورقة مطبوعة. "إني المواطن.... أرجو تلبية رغبتي الملحة في التطوع للدفاع عن وطني ألعراق ضد العدو الفارسي المجوسي.." وعندما حشروني وسط اُناس لا أعرفهم، كانت صورة أمي في مخيلتي، وأبي الذي لم يحرك ساكناً..جسداً هامداً على فراشه بلا حراك...ويبدو أن وجودي في الحجابات الأمامية راصدًا ومرصودًا مع رائحة الدم والموت اليومي، معرض للموت في أية لحظة، بحاجة لقصة أخرى...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق