أبحث عن موضوع

الاثنين، 13 سبتمبر 2021

الجمال جوهر لا مظهر / مقالة ...............بقلم : علي ناصر حسين الاسدي // العراق






الجوهر اصطلاحا: يُعرِّف الجرجانى الجوهر بأنه ماهيّة إذا وجدت في الأعيان كانت في الموضوع، وهو منحصر في خمسة: هيولى وصورة ونفس وعقل، لأنه إما أن يكون مجردا أو غير مجرد. وأما الجوهر الفرد: فهو عبارة عن جوهر لا يقبل التجزئة لا بالفعل ولا بالقوة. ما يعنيني في هذا المقال المظهر, نرى كثير من الناس يهتمون في مظاهرهم الخارجية, «قاسم» الشيطان أبوينا: آدم وحواء ليغويهما: «وقاسمها إني لكما لمن الناصحين. عرف بعبادته الطويلة له. (الأعراف / 21).. ونصيحة من «خبير».. ونقول خبيرا لأن آدم وحواء عليهما السلام كانا حديثي عهد بالتجربة. ينقاد عادة لمن يظنه أكثر خبرة واطلاعاً منه.. غرهما (المظهر) فانساقا مغررین بـ (الفخ) الذي ينصب للطيـور لاصطيادها: حب وماء وظل ظليل من الشمس.. أين يجد الطير أهنا من هذا العيش الرغيد؟! ولكن.. رب أكلة منعت أكلات.. ورب باحث عن الأمن تجره قدماه إلى الهلاك الإنخـداع بالمظاهر. فما زال المجتمع منساق وراء المظاهر. المخادعون عادة يخاطبون البصر لأنهم يعرفون أن كثير من الناس لا يفكرون بعقولهم بل ينظرون بأعينهم ويسمعون بآذانهم. فالصورة البراقة تخلب لبهم والكلمات المعسولة تسقطهم كما يتساقط الذباب على طبق فيه بقايا عسل, أما من قال؟ وماذا قال؟ ولماذا قال؟ وكيف قال واين قال ومتى قال؟. دخل شخص على أحد القضاة وهو يجهش بالبكاء، فـقال أحد الجالسين للقاضي، وقد رق قلبه للباكي: يبدو أنه صاحب حق وظليمة! فأجابه القاضي: لا تتعجل الحكـم له، فإن إخـوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون! الذين يؤخذون بالمظهر ولا ينظرون إلى ما وراء الأكمة, ينطلي عليهم التمثيل المتقن فلا يميزون بين دموع اليتامى وبين دموع التماسيح. وليت الخداع توقف عند الملبس الحسن والوجه الحسن فقط، فكم خدع الناس متزيون بـزي الديـن ومـظهر الورع والعـفاف ليشتروا به ثمناً قليلاً، وصدمة المكتشف لأحد هؤلاء أشد إيلاماً من صدمة المكتشف لأولئك. أدعياء الدين والنزاهة كثيرون.. والمتمظهرون بمظهر الزهـد والتقشف والعفاف كذلك، لحية كثة، ومسبحة طـويلة، وجـبهة مكوية، ورأس مائلة نحو الصدر أو على أحد الكتفين، وطنطنة بالاستغفار الصوري.. كل ذلك ليرفع شعار الصـالحين فيغري الذين ينخدعون بالمظهر فيقعون في حبائله، وكان الشاعر (أحمد شوقي) قد وصف في إحدى قصائده التي تحاكي الحيوانات ثعلباً ادعى النسك والزهد والصلاح، بقوله: «خرج الثعلب يوماً في ثياب الصالحينا.. » وينتهي إلى القول: «مخطئ من ظن أن للثعلب دينا»!
وكما في عالم الحيوان ثعالب، في عالم الإنسان ثعالب وذئاب ونعاج وأفاعي وعقارب.
في الحديث عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام: «الناس في زماننا على ست طبقات: أسد، وذئب، وثعلب، وكلب، وخنزير وشاة, وأما التعلب فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم، وقد لا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم»! أليس هذا هو الواقع؟ أم ترانا نشوه الصورة، أو نرسم له صورة مغايرة لما هو عليه؟!
هل هذه هي كل القصة.. قصة الإنخداع بالمظاهر والأشكال والألوان؟
لا.. بل هذا وجه منها.. أحد وجهيها. أما الوجه الآخر:
فهو قصة الانخداع بالمظهر البسيط وتقييم شخصية الإنسان على ضوئه بحيث يظلم الذين يقيمون على لباسهم الخشن، أو خـلق قسماتهم من الملاحة والجمال والوسامه
دخل موسى وهارون على فرعون بعدما أمـرهما الله تعالى أن يأتياه ويدعواه لعبادة الله الواحد الأحـد.. كـان عـلى موسى وأخيه مـدرعة مـن صـوف (لبـاس خـال مـن التـرف) فازدراهما فرعون لمظهريهما حـتى ظـن، وهـو يـنظر بعين الإستعلاء والتعالي، إن موسى لا يكاد يرى لضالته: «أم أنا خير هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين. النظرات الاسقاطية
النظرة الإسقاطية ـ حسب المفهوم النفسي - هي عكس ما أنت عليه من شعور ومزاج وحالة على الآخر، في محاولة لتبرئة نفسك منها، وإلقاء الشبهة أو التهمة أو التبعة عليه، وهو البـري منها حقاً
علماء النفس يعتبرون هذا الأسلوب من التعامل مع الآخرين هو وسيلة دفاعية، أو حيلة من الحيل النفسية التي يتهرب بها الإنسان من واقعه المسيء أو الضاغط أو الشائن أو السلبي برمي الكرة في ملعب الآخر، ويعبر عن ذلك بالأمثال بقولهم: «رمتني بدائها وانسلت».. وبالنتيجة فهي نظرة فيها تجاوز وغدر وتجن وعدوان، وليست علمية ولا واقعية بالمرة.
هنا، نحاول أن نستعير الوجه أو البعد الآخر لهذا المفهوم في بحث الظاهرة التي نحن بصدد معالجتها. فالإسقاطية في المظاهر الخادعة تتأتى من أنك ترى الناس ـ في أحيان كثيرة ـ من خلال رؤيتك لنفسك.. فإذا كنت طيباً تراهم طيبين، وإذا كـنـت خـبيثاً تراهم خبيثين, مع الأسف نحن الآن نعيش المظاهر في كل الميادين, على مستوى شيخ العشيرة والسياسي ورجل الدين مما يؤسف أننا من خلال الحكم على المظاهر بدأنا نخسر الكثير, وبدأت عجلة التقدم تتراجع شيئا فشيئا. وبدأت مظاهر التخلف والانغماس بالرذيلة دون رادع, وهذا ماجنيناه على أنفسنا من الأخذ بالمظهر لا بالجوهر.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق