أبحث عن موضوع

السبت، 18 سبتمبر 2021

قراءة في المجموعة الشعرية ( حزن لابث على جسد الغيمة ) للشاعر محمد موفق العبيدي......... بقلم الشاعر والناقد : احمد البياتي





تلوذ نصوصه بجملة من المكونات والسمات المخصوصة من اجل بناء محتملها التعبيري وفق تعاقد ضمني
حقق الشاعر الغاية من مجموعته حيث نجح في سكب صورة شعرية جميلة وأثار المتلقي وأوصله الى قمة الانفعال
حين قراءتي لحزن لابث على جسد الغيمة للشاعر محمد موفق العبيدي الصادرة عن دار المركز العراقي للطباعة والنشر والتوزيع توأمة مع دار الآراء عام 2021وجدت قصائده نثرية وفيها طعم خاص كانت مؤثراته صادقة وهو أمرٌ يحسب له حينما يكون الباعث هو صدق الوجدان كما كانت اللغة المستخدمة سلسة واضحة لا تحتاج عناء في الوقوف عليها ولكنها مصحوبة بصور شعرية مكثفة وللغاية أعطت مدلولاتها في أغلب النصوص.
احمد البياتي
تمثل قصائد هذه المجموعة تشكيلات جمالية تضج بالصور والأخيلة مصدرها الذات الشاعرة التي تمثل نقطة تلتقي عنده وتتقاطع مختلف اشكال الفعل الإبداعي الذي يتم تصريفه في فيض جمالي شفاف ، لذلك تلوذ نصوصه بجملة من المكونات والسمات المخصوصة من اجل بناء محتملها التعبيري وفق تعاقد ضمني يجعل القارىء يقبل على التعامل مع هذه النصوص بوصفها موضوعاً جمالياً .
في نصه ( العزلة ) ص 50 يقول :
اودعت حزني الأشجار
اثمرت اوراقا بعروق سوداء
وزهورا صلعاء
تساقطت الزهور واورثت الازهار
ضلوعا من اشواك
هلوسة اقلامي تأخذني
الى حدود جنوني
ابحث في اوراقي عن بطاقة عودة
صدى الذكريات يطرق رأسي
اردد لغة عقيمة
ارسم على الشوارع دوامات بشعة
لا ينقذني من جنوني الا العزلة
هي مدينتي الموهومة
حيث استخدم التوظيف بحيث فيه من الدقة وقوة الوصف الدال على سعة الخيال وبعد الرؤيا ودلالته وهنا تتجلى قوة المفردة ومدلولات الأفعال وتوظيفها بدقة متناهية..قصيدة النثر ليست سهلة كونها متحررة من قيود الشعر كالقافية والوزن الشعري ولأن فيها من المساحات الواسعة التي ومن خلالها يستطيع كاتبها التحرر، ولكننا نؤمن أن قصيدة النثر صعبة وللغاية لأنها تحتاج دقة متناهية في الوحدة الموضوعية وتحتاج ضربات شعرية قوية في أغلب مواضعها كما أنها تحتاج صور شعرية مكثفة وصور بلاغية لها تأثير على متلقيها ولا تخلو من رسالة أو مضمون يراد الوصول إليه، وقد يتخللها الضباب إذا مالت للرمزية والإيحاء والتأويل ويكثر فيها الجانب الدلالي لأن الصوت الشعري فيها غير منسق على نسق واحد كما في قصيدة الشطرين.
في نصه ( طابور) ص 25 يقول :
طابور طويل
لا أحد يعرف الآخر
الجميع يبحث عن فرصة
الحاجة شعار الطابور
لكل منا الف حكاية
خلفها بطون جوعى
أشعر أن الطابور يشبهني
فخنجر الفقر يطعن خاصرتي
انزف جوعا .. يطول الانتظار
يعبث بنا الشارع
ننتظر فرصة
لنشبع يوما واحداً
كثير هو الفشل في الطابور
صياغاته الشعرية رقيقة وعذبة وصوره عميقة ومعظم نصوصه في هذه المجموعة يتخطى فيها حدود المصير البشري عاكساً رؤيته على ذاتيته ليحقق التجسيد الحميم والإتصال الرمزي بحقيقة ما يبوح به ، في نصوصه يلجأ الى التحليل ورسم الأبعاد الدقيقة وعرض الجزئيات الصغيرة التي كثيراً ما تتكامل وتنمو لإعطاء الإنطباع النهائي لموضوعة النص اللوحة الشعرية هي بحد ذاتها ذكريات مكبوتة تلملم بعضها صارخة بايحاءآتها المنسية ، انها ذات تتكلم ، لأنها توحي بلغة مكثفة للصمت الذي يفجر المعاني المخفية بما يثير المتلقي ويحرّك لغة انفعالاته وطاقاته التعبيرية.
في نصه ( القطيع ) ص 18 يقول :
جريمة أن تفكر
وأنا احتاج أن افكر
ما يجري يؤلمني
أحتاج الى عمق أكبر
كي أتخطى الآلام
النظريات في علب الحمقى
تولد حرّة ، تتعفن في العلب الصدئة
أطارد الأفكار الى المدى
أبقى اتكلم كالمجنون
هي اسهل تهمة
لا يعنيهم حتى حرف من فكرة
عالمنا نعيشه مع الأصنام
الشعار : الغي عقلك لتعيش
كن أطوعهم في القطيع
اياك أن تنسى
في هذه المجموعة تجلت لنا ريشة فنان بارع رسم لنا صورا شعرية خلابة دلت على فن نتج عنه الإبداع كون الشاعر يملك خيالا واسعا.. فالصور الشعرية مكثفة للغاية ودلالاتها موظفة ببراعة مع الحفاظ والتركيز على وحدة الموضوع في القصيدة وهو أمر صعب في قصيدة النثر.
في نصه ( خيال ) ص 74 يقول :
في حارات القصص القديمة
ألملم قصاصات الورق من الطريق
أدق أبواب الحكواتي
أسأله عن ابطالي
كلهم رحلوا ، هكذا اخبرني
ضاقت بهم الأحوال
لم يعد هناك الكثير من الخيال
واقع البطولة مرير
أخبرني أن الأبطال
يسكنون بيوتاً بالايجار
يمارسون الحب بالايجار
يبيعون بطولاتهم ليدفعوا الايجار
هم يتجمعون كالغجر
ينتظرون عربات القصاصين
الخيال الشعري عنده خصب وبعيد وممتد . تبدو المجموعة(حزن لابث على جسد الغيمة )مسندة بروابط خلقت توازنا وتوأمة واضحة لدى أفكار المتلقي والقصيدة والشاعر أيضا فمستوى الايقاع رصّن من بناءه لقصائده دون خفوت لأن القصيدة إيقاع لفكرة تولد في لحظة بعيدا عن نمطية الافتراض أو التهيؤ ثم تأتي مرة واحدة على شكل تجليات أو توهجات أو حتى احتراقات أكثر شفافية من إسقاط مفترض أو إرهاصة. ويشكل الاستطراد لدى الشاعر في حواريته وأن كانت تبدو قصيرة ألا أنه مثل توضيحا إيحائيا لا بأس به ،لهذا نجح العبيدي في رسمه ولو بصورة تلميحية. فاذا أيقنا أن الشعر يولد من رغبة جائعة ومتهافتة لا تفضي عن شيء سوى تسكينها في قالب مثالي توثقه أحاسيس قوية فأننا يمكن أن نقول أن العبيدي نجح في كل قصائد المجموعة في تحقيق محاكاة عميقة مقابل فهم عميق ونفذ برسم الايحاء وأظهاره بنمط تعبيري عال. لقد حقق الشاعر الغاية من مجموعته حيث نجح في سكب صورة شعرية جميلة وأثار المتلقي وأوصله الى قمة الانفعال رغم بعد الاشارات أحيانا. لقد أستنطق العبيدي بواطنه عبر تكثيف حوارية الأنا ولم تنفصل هذه الأنا عن معظم قصائد المجموعة ..وقد أظهرت الأنا باستخدامها واضحة ومستترة من ايحاء بأن الذات تظل مركز القصيدة والمجموعة.
في نصه ( حفلة صاخبة ) ص 02 يقول :
أنا مظلوم
كلمة دوّت في غرفة التحقيق
لا أسمع الجلادون غيرها
ليس في اوراق التحقيق سواها
أنا الزبون الدائم
في حفلات التعذيب
سياطهم تترجم الكلام
أصبحت قرطاساً للغة الظالمين
أحتاج ان أفيق من كابوسهم
لا أستطيع ..! فهم يتناوبون
بعد ان ينام العالم
تبدأ حفلات المظلومين
أن نصوص المجموعة والمفتوحة على جميع النصوص دون إغلاق المعنى ضمن حدود النص الواحد يشعر المتلقي من خلالها كأن الشاعر قد كتبها في نفس الزمن المتراكم داخل ذاكرته المخزونة مع حوافز الزمن المتغير والمتوقف حسب امتداد العلاقات المؤثرة لكتابة النص , كما ان أدوات التعبير عند الشاعر هي اللغة كصوت لساني تعبيري صوري بلاغي , باعتبار مستويات اللغة المعبر عن الخطاب الشعري .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق