أبحث عن موضوع

السبت، 20 مارس 2021

الأعمى / ق.ق .............. بقلم : مصباح عبدالله _ مصر




كانت زوجته تقود العربة ببطء.....كأنها تحاول أن تفرمل الزمن هربا من لحظة النهاية...

لم يساورها القلق بهذه الحدة يوما...في مثل هذه اللحظات من حياتها كان االأولى بها أن تكون مبتهجة و ممتلئة بالأمل...عشرون سنة مع زوجها الروائي الأعمى ذائع الصيت وهي تنتظرهذه اللحظة الفارقة.تأمل بمعجزة وتتشبت ببصيص الأمل الذي شرع يلوح في الأفق...

كان جنبها غارقا في الصمت والتأمل...لم يكن مهتما بسرعة العربة و لا مدركا لها....نظرته إلى الطريق شبه حالمة...و قدرته على بسط أجنحة الخيال خارقة....

في كل رواياته كانت نظرته للأشياء وللحياة تبعث فيها الجمال والبهجة....أما خياله الخلاق الساحر فكان يحول الأشياء المظلمة في عينيه إلى نور  روحي وهاج يطهره من الألم و اللذات العابرة....

أحبته حنان قبل أن يلتقيا....

كانت في العشرين  عندما أصيبت باكتئاب حاد هدد حياتها

وأجبرها سنتين على معاناة لا مست حد الجنون....

كان قد نشر روايته الأولى....وكان قدر حنان أن تقرأها في

أشد لحظات حياتها حرجا...ليعيدها خيال الأعمى وروحه

المبتهجة الى الحياة مفعمة بالأمل ...تاركة نفقها البائس المعتم للابد....

لم تهتم يوما أنه أعمى...أو لعلها لم تؤمن بذالك...سوى هذه اللحظة...

عندما نظرت إليه...كان يبتسم و ينظر إليها بكل جمال مشاعره وروحه...

كيف لها أن تتردد...أن تقلق في لحظة أصبح الأمل في

استعادة بصره كبيرا جدا...كيف لأفكارها أن تذهب هذا المذهب الغريب....وهو الذي أعاد إلى ذات البصر بهجة الحياة

ربما تخشى أن يخرج من عالمه المثالي إلى بؤس الواقع..

من غنى  الخيال إلى  فقر الحقيقة...

ربما تخشى أن تفقده للأبد... أن تخرجه من جنته للأبد..

لأ أحد يوسوس لها سوى عقلها المرتعب و قلبها المرتعش...

أوقفت العربة قرب المستوصف...و حدقت في وجهه طويلا

كأنها تود أن تحتفظ به في عينيها للأبد...كأنها تودع الروائي

الذي نسج خيوط حياتها بجمال لغته و خياله وسحر إبداعه..

لم يقل شيئا ...واكتفى أن ابتسم...

ماذا يصنع الإنسان عندما يساق الى قدره المحتوم....

ربما لا شيء...لا تفيد الصرخات ولا النحيب...و لا الشكوى ولا الأمتعاض...

 ظل يتمسك بإيمانه وسكينته ويبتسم...

دخلا المستوصف ...وهي تستند عليه....ويدها ترتعش في يده....وتتساءل هل تظل  هذه اليد بهذا الدفء والسخاء.

هل يظل القلم شعلة لهب في يديه...هل تظل هذه العيون

بهذا الوميض والإشعاع الباطني...

هل تقتل الرؤية صوفية القلب....

هل أحبت الروائي...الفنان...هل عشقت الخيال والفن ...أم أحبت الإنسان الأعمى....كان صعبا أن تفكر في ذلك....

فقد بصره صبيا...لكنه أمسى شعاعا...ماذا يا ترى  جوهر الإنسان...ماهي هويته....ماهي كينونته...

عندما وضعوه على السرير...بدا لها جثة هامدة...جسدا بلا روح

أغلق باب الغرفة...

فصرخت صرخة هيستيرية وسط حالة من الذهول والدهشة للأطباء و الممرضين....لا تفقأوا عيون الفنان...لا تنزعوا قلب الجمال...لا تقتلوا روح الخيال.....

وصله صدى صرختها فاكتفى أن ابتسم....

استعاد بصره...و فقد موهبته...

خرج من جمال عالمه الداخلي ..ونعيم خياله...و أجبر ان يختبر بؤس الواقع...أن يكافح ويناضل لينجو بنفسه من

عالم  أفقدته عيون التماثيل جاذبيته...و عيون الأشباح براءته....


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق