أبحث عن موضوع

الأربعاء، 17 أبريل 2019

صرخة صخرة .......................... بقلم : الصديق الأيسري - المغرب




على حافة كوة منفتحة من جدار بيت عتيق وقف غراب أسود يغطي أشعة النور ، وعلى سرير خشبي بال يرقد بدر رجل شاحب الوجه كسته تجاعيد الشقاء و جسد واهن و بصر مضمحل و ظهر مقوس بفعل الأثقال و حمل المعادن من مناجم الفحم بالشرق، رجل مريض منهك القوى رغم عقده الرابع يبدو عجوزا شاخ قبل الأوان، محيط بأبنائه وزوجته حائرين منهمكين يتجرعون الحيرة و ينتظرون الفرج و شروق شمس الشفاء و نور الخلاص.

بالكد و بمجهود كبير فتح بدر عينيه الشبه غامضة مشيرا بسبابة يده إلى ألبوم الصور الذي يحتفظ بالذكريات و عن صور عمله في مناجم الفحم.

ناولته الزوجة ألبوم الصور و الدموع تنهمر على خديها و هي تتحسر لما وقع لزوجها بعد سنين من العمل المضني بدون أدنى شروط التأمين الصحي، و هاهو يصارع الموت و هو مازال شابا.

فتحت الزوجة ألبوم الصور و تتصفح مكوناته بين فترات زمنية مختلفة قضاها الزوج بين براثن الظلام و فتك الغبار والموت البطيء بين دهاليز المنجم، استوقفها الزوج عند صورة قائلا:

" زوجتي العزيزة أبنائي الأعزاء هذه الصورة عندها وقع في قلبي و ذكرى عزيزة في وجداني لن أنساها أبدا ما دمت في الحياة فهي تمثل بالنسبة لي ميلادي الثاني، فهذه الصخرة العملاقة قد هوت إلى الأسفل كادت أن تقتلنا جميعا لولا لطف ربنا الكريم"

تحدثت الزوجة مذكرة الكارثة:" نعم زوجي العزيز كانت ذكرى أليمة و كنت حينها حاملة و ابننا الأول في عمره ست سنوات، حملوك العمال على أكتافهم و أنت مجروح و مكسور الساق مفعم بالغبار و ملطخ بالدماء مخلوع و تصرخ من شدة الألم و قساوة النازلة،استقبلت أصدقاءك في بيتنا الصفيحي مفترشين حصيرا كنا في حالة مزرية "

هوت دمعة على خد الزوج متأثرا بأحداث الصورة فحدث بصوت متقطع بنحيب: " لقد هوت الصخرة أرضا فأغلقت بوابة المغارة فأحدثت صوتا مدويا زعزع جدران المغارة فوقعت أحجار من مختلف الأحجام فتكاثر الغبار في الهواء، كانت لحظة أليمة اختلطت الأصوات و الغبار و ساد الظلام داخل المغارة، كنا ستة عمال أنا مع إثنين منهما انحصرنا في الداخل بينما الثلاثة الباقون كانوا وراء الصخرة في الجانب الخارجي للمغارة "

قاطعته الزوجة قائلة: " نعم كانت ذكرى أليمة و أنت شبه فاقد الوعي ووجهك يكسوه مزيج من الدماء و الأتربة السوداء و ساقك منتفخ و ملفوف بإتقان بواسطة شريط من ثوب قميص ذكرى زواجنا الذي تحب أن تلبسه و أنت تعمل مرددا مقولتك الشهيرة و المتكررة " إني أعمل و أكد من أجل أسرتي بعرق جبيني و جهد أكتافي فإن مت بسبب كفاحي فإن قميصي هدية زوجتي سيصير كفني لعلي أشم عبير شريكة عمري و أنا في اللحد" بكت الزوجة متأثرة بلحظات مر عليها سنوات طويلة.

تدخل الإبن بهدوء :" إنها حكاية أليمة كنت صغيرا لا أتذكر سوى لحظات من البكاء و الصراخ و الأنين و مزيج من الأصوات و الكلمات لم أستوعبها لصغر سني ولكن المثير و الجميل و الرائع هي اللحظات التي عشتها متخيلا أن الرجال الذين أمامي هم بهلوانيون و مهرجون لأن وجوههم مطلية بالسواد و البني و الأحمر فكنت أضحك بكل براءة لأن المنظر أبهرني كثيرا و أعجبني جيدا لأننا كنا فقراء فلا مال عندنا لدخول للسينما أو المسرح فالحالة الاجتماعية لا تسمح "

استرد الزوج أنفاسه فقال :" لقد سقطت علي حجرة متوسطة الحجم على ساقي و بعض الأحجار الصغيرة و الأتربة على جسدي و وجهي بينما الصديقان الآخران لم تصبهم الأحجار كثيرا لأني كنت في المقدمة و تعرضت لوابل من الحجارة وهم محميون من خلفي بجسدي ذو البنية القوية و المثينة لولا ذلك لكنت من الهالكين "

قاطعته الزوجة قائلة : " على سلامتك حبيبي لقد كنت في حالة مؤلمة فقد حكوا لي اصدقاؤك الذين رافقوك بتفاصيل الحادثة، فبعد أن أغلقت المغارة بالصخرة العملاقة فقد ساد الظلام بداخل المغارة ولم يستطيعوا سماع كلامكم وبعد ذلك جاؤوا العمال و بمجهود جماعي مع الإستعانة بعمود حديدي تمكنوا بزعزعة الصخرة قليلا تاركة فجوة صغيرة من خلالها تمكنتم من الخروج بصعوبة"

رفع الزوج عيناه للسماء و يداه قائلا :" إيماني القوي بربي و خلقي النبيل و طهارة نفسي بلطفك ياربي انقدتني من الموت فالشكر و الحمد لك ياربي" سكت لحظة فقال لزوجته لقد كان المنجم لا يتوفر على شروط الأمن و الصحة فقد كنا مثل العبيد أو بدرجة قليلة دون الحيوان فقد فقدنا حريتنا و شهامتنا و انسانيتنا بسبب المعاملات القاسية التي ننالها من طرف أباطرة المناجم بسبب طمعهم و جشعهم حيث يربحون مبالغ مالية رفيعة و يتركوا لنا فتاة من الدراهم لا تكفي لسد رمقنا و تربية أبناءنا و تعليمهم لمسايرة ركب التحضر، فقد خططوا لكي نكون عبيدا للأبد فأولادنا ينتظرون دورهم للدخول لتجربة خلع و نصل المروءة و والولوج لجحيم المعانات و العذاب و الذل، و تستمر الحكاية بدون حقوق و لا ترقيات و لا فوائد إن لم تتحسن الأمور فهذه هي الكارثة "

تكلم الإبن بشجاعة قائلا : " والدي العزيز لقد فكرنا نحن أبناء المنجميين فأسسنا جمعية تهتم بكل ماله علاقة بالمناجم من ثقافة و شعر و رواية و حقوق الإنسان و تنشط على الصعيد الوطني و الدولي و تضم بين لجنها محامين و أساتذة و صحافيين و فاعلين جمعويين و من كل المجالات لوضع أرضية قانونية تكون سببا في إنهاء المعانات و الآهات
لا يتوفر وصف للصورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق