أبحث عن موضوع

الخميس، 28 ديسمبر 2017

أميرات العواصف _ قصة قصيرة ...................... بقلم : وسام السقا // العراق



منذ قديم الزمان، كان هناك ملك للريح وزوجته عاصفة يعيشان في السماء البعيدة المظلمة، بعيدا عن النور والجمال، ولاح في الأفق كوكب الأرض مكتسباً حلة الجمال كعروس في ليلة العرس بفستانها الأبيض، والوجه كالبدر منير، وانبهر ملك الريح بما على الأرض من محيطات وانهار، وأراضي شاسعة، وجبال شاهقة ووديان خضراء، وبشر وحيوانات ونباتات وزهور جميلة، فقال ملك الريح لزوجته هذه ملاذنا وموطننا الجديد، لأننا تعبنا من الدوران بين الكواكب في السماء، فقررا النزول والتمتع بما وهبه الله من خيرات طبيعية على هذه الأرض، وبعد نزولهم أحسا بالسعادة والأمان، فرزقا بخمسة فتيات، الكبرى سميت عاصفة مائية، والثانية عاصفة ترابية، والثالثة عاصفة ثلجية، والتي بعدها سميت عاصفة نارية، وأما الصغرى فأروعهن جمالاً سميت عاصفة النسمات الهوائية، وكانت العائلة كثيرة التنقل بين الجبال والصحراء والمدن والأنهار، ولم يكن في ذلك الوقت يملكون مسكناً يأوون إليه، حتى كبرن الفتيات وأصبحن في مرحلة الشباب والنضوج، وخلال تلك الفترة تعلمن كل شيء عن الأرض التي ولدن عليها. وفي احد الأيام قرر والدهن الملك إعطاء مهام لكل واحدة منهن العاصفة المائية توجت أميرة على المحيطات والأنهار، والعاصفة الترابية توجت أميرة على الصحاري، والعاصفة الثلجية توجت أميرة على المناطق الثلجية شمال وجنوب الكرة الأرضية، بينما العاصفة النارية عينت أميرة على المناطق البركانية والتحكم بأشعة الشمس، وأخيرًا عاصفة النسمات الهوائية عينت أميرة على الشواطئ والغابات والمدن السكانية. وبدأت كل واحدة منهن بممارسة مهامها كأميرة مستقلة فالعاصفة المائية بسطت رياحها فوق المحيطات والأنهار تُسير بواسطتها البواخر الشراعية وتحرك المياه فتصبح أمواجًا كي لا يصيبها الركود، بينما العاصفة الترابية جعلت من الصحارى منزل لها، وبدأت تتحكم بعواصفها الرملية والترابية في تغيير معالم الصحراء من الناحية الجمالية والتجديد، ففي كل يوم تجعل للصحراء تصميم مغاير عن اليوم الذي قبله، بينما العاصفة الثلجية كان لها دارين احدهما في القطب الشمالي والأخر في القطب الجنوبي فهي كثيرة الحركة بين المنطقتين الثلجيتين، فكثرت الثلوج جعلتها قاسية وشديدة الحذر من أن تصيب حرارة الشمس العالية الثلوج فتتحول إلى ماء، والماء ينحدر إلى المحيطات وتختفي أمارتها، بينما العاصفة النارية كان عملها مساعدة الأرض بإخراج الحمم البركانية والسائل البركاني الثائر والحارق من جوفها وطرحه على سطح الأرض ليبرد وينتهي أمره، وفي أحيان أخرى تساعد الشمس على إيصال أشعتها الدافئة إلى الغابات والحدائق، ولم يكن لأميرة النسمات الهوائية دار معينة فهي تتنقل بين المدن السكانية المقامة على الكرة الأرضية، وهي فَرِحةٌ لان نسماتها تلطف أجواء المدن والشواطئ، وكانت تستمتع برضا الناس عنها في الصيف والشتاء، واشترط الملك عل الأميرات أن يصبحن يدا واحدة في السراء والضراء، وكل واحدة تساعد الأخرى إن تطلب الأمر، وكان الملك قد خصص يوم من كل أسبوع، يجمع العائلة في احتفال خاص بهم، يتناولون الطعام ويتحدثون عن إنجازاتهم، والمشاكل التي قد تعيق مسيرتهم، وإيجاد الحلول لها. واستمرت لقاءاتهم لعدة سنوات في ظل الأجواء العائلية الجميلة المتماسكة، إلى يوم هبت فيها رياح كونية غريبة، محملة بأتربة سوداء، وصخور، مندفعة نحو الأرض بشدة، قاصدة تدمير الجمال والحياة السعيدة، وتخص بذلك الملك وبناته، فقال الملك من الذي أرسل هذه الرياح المغرضة، ذلك ما اتعب تفكير، ولم يتمكن ملك الريح وبناته من صد الهجوم، فاستطاعت الرياح السوداء بحزم السيطرة على أجواء الأرض، وأدخلتها في عتمة من الغبار الأسود، وأي شخص يعارض مسيرتها وقراراتها كان يرجم هو وعائلته الصخور، بعد أن يردم دارهم، كذا كان يفعل الأشرار والقساة، يسرحون ويمرحون كيفما شاءوا، فضاق الخناق ومرت الأيام سقم ومرارة على الناس، حتى جاءت فكرة يستطيع من خلالها ملك الريح القضاء على مثل هكذا عدو، فأتصل بأصدقاء خارج أجواء الكرة الأرضية، طالبا المساعدة منهم، وإحضار بعض من الثقوب السوداء السماوية، كونها تعمل على شفط أي شيء أمامها، وقرر الأصدقاء التباحث بالأضرار التي سوف تصيب البشر من جراء هذا العمل، لكن الملك كان له أتباع في جميع أنحاء الكرة الأرضية من البشر، فأرسل لهم تعليمات وحدد لهم اليوم والساعة للهجوم، مع تحذير لكل الناس بعدم الخروج من منازلهم، كي لا يصيبهم مكروه، وبسرعة النار في الهشيم انتشر الخبر سرًا، والكل أصبح يعرف ما علية فعله، وعندما دقت ساعة الهجوم، دخل الملك والأميرات مع الناس مساكنهم، فكانت مباغتة حينما بدأت الثقوب السوداء عملها بأقصى طاقة وسرعة ممكنة، مما أربك صفوف الرياح المعادية وشل تفكيرها، بينما البشر في منازلهم ينظرون من نوافذهم عن ما يدور في الخارج، وشيءً فشيء بدأت تلوح في الأفق أشعة من خيوط الشمس، وعمة الفرحة في قلوب الناس وعلت الزغاريد في كل دار، ودقت الكناس أجراسها وعلى التكبير في المساجد، فتوافد الناس إلى دور العبادة لشكر الله وحمده، وارسل الملك تحياته وشكر الناس إلى الثقوب السوداء العجيبة لما قامت به من عمل بطولي في إزاحة الرياح الشريرة وصخورها الظالمة، التي ملأت سماء الأرض ليعود النور وضوء الشمس الجميل، فكان هذا تحديا وتحذيرًا لكل من يفكر في إيذاء الأرض والبشر، وخرج الجميع إلى الشوارع والحدائق للاحتفال بهذا النصر العظيم والتعاون الجميل، وعادت الأميرات إلى مزاولة مهامهن من جديد وتوجه الناس إلى أعمالهم يحملون في قلوبهم الحب والفرح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق