أبحث عن موضوع

الأربعاء، 15 فبراير 2017

صوت الخوف ( قصة قصيرة ) ................. بقلم : مزهر جبر // العراق


أهتزت السيارة مرة، مرتين ومن ثم توقفت. تعطلت على الطريق، حذاء غابة النخيل والاشجار. الشمس توشك على المغادرة. حاولت جاهداً، أصلاح العطب. أخفقت، تحسرت كثيراً. لم يبق من الطريق الى المدينة الصغيرة التى أروم الوصول إليها سوى عشر كليومترات أو أقل قليلاً. –: " أحضر حالا، لأمرمهم، أنا بحاجة لك.....". يرتجف الصوت، يختنق، ينقطع الأتصال. -: من المتصل؟. سألتني زوجتي -:أبي، أرد. أهاتفه، أنتظر، تتابع الرنات...صوت أنثوي ناعم.. يُوقف الرنات. أتلفن لأخي. أسمع صوت المجيب الآلي: الرقم الذي طلبته خارج التغطية. دقائق، ربع ساعة، ساعة، والمجيب يجيب بذات اللازمة. -: الساعة الآن الثالثة بعد الزوال. خارج المدينة، كانت أعمدة الكهرباء تركض بسرعة. يداي على المقود. عيوني على الطريق. عقلي هناك..-: أبي، أراد أن يبلغني بأمر ما. -: "ما الذي جرى؟!". سؤال وراء سؤال لم أصل بهما الى أجابة. قلق وتفكيريسيطران عليَ. أتألم لهذا العطل المفاجىء. -: "لا سيارة تمر، توقف المرور، يتوقف في هذا الوقت من اليوم. طريق منقطع، مدينة منسية، مدينة تنام على مقربة من حافة رمال البادية. يوجعني عرق النسا. عشر كليو مترات، مسافة بعيدة". أسترخي على المقعد. -:" هنا ولدت وهنا أموت". كلمات أبي في لوح خيالي، كان متوتراً، يتطاير الزبد من شدقيه. تركت عرضي عليه ولم أعد إليه مرة أخرى. كان في رد الأب إصرار وعناد وغضب.. كنت أحاول غوايته في العيش معي، هو وأخي. كان يستفزني في الرد حين أطلب منه الأنتقال وترك البيت والأرض. يصدمني. فكرت بفتح ثغرة في جدار المعاندة، بالألتفاف عليه وذلك بالتاثير على أخي في الوقوف الى جانبي ومساعدتي في أقناعه. أذهلني، كان أكثر صلابة من أبي.-:" اللعنة على العطل والسيارة والطريق ومن شق مساراته في هذا المكان المنقطع.". نزلت. الوقت في بدابات الخريف. الهواء هادىء. تحمل الرياح الرقيقة على أجنحتها موسيقى كونية بأنسام فارطة النعومة. الليل حط على المكان. أقفلت جَدَر الظلام، منافذ الرؤية. أقدامي تعثرت، كدت، أسقط. توقفت أقدامي بين نخلتين نابتتين جوار حافة الطريق. تتجول جحافل الظلام في الأنحاء. كثافة العتمة منعت عيوني من أن تبصربوضوح ممرات بطن غابة النخيل والاشجار خلفي. دست على زر الوقيد؛ أشعلت سيكارة، دفعت حزمة الدخان الى الظلمة. تنهدت بقوة. عواء ذئاب. خشخشة ناتجة من دبيب الحشرات بين الحشائش. لساني سجن في حلقي بقضبان الشك والتوجس والخوف مما تخفيه أكمة الحلفاء وشجيرات العوسج. خشيت من غدر تلك المخلوقات. فحيح أفاعِ، أصوات جنادب، أصوات آخرى غير واضحة تختلط بأصوات الجنادب. في الأنحاء، صوت الخوف. قرقرة في بطني، لم أتناول الغداء، جئت مسرعاً وقلقاً. أشعر بالتعب والأنهاك في جسدي. يثقل النعاس أجفان عيني. يدور رأسي. أعاند أغماض عيني. أنتظر مجىء الفجر ليفتح للناس الطريق. التساؤلات تدور في تلافيف دماغي:-" متى ينقضي هذا الليل". ضوءان قادمان. أقتربا. عندما توقفت السيارة ونزلا؛ أدهشتني المفاجأة؛ جاءا أخي وآخر لا أعرفه. قبلني أخي وعانقني. عرفني بالآخر-" ياسر الميكانيك". أخذني طيف سعادة وفرح. من زمن لم ألتق بأخي. ابتهجت حين علمت منه أن أبي في صحة جيدة وكذا العائلة. على ضوء مصباح أنارة يدوي كبير بدأَ ياسر برفع غطاء المحرك. انهمك في تصلح العطب. أنا وأخي في أشتياق ولهفة للكلام. أزداد فحيح الأفعى. خشخشات بين النخلتين ا. سحبت أخي مبتعداً به عن المكان. -: العطل بسيط. قال ياسر. شغل المحرك. ثم أطفأه. لغط غريب ورطانة. أنتشلني مما أنا فيه –" هل نمت أم لم أنم، لست أدري". نزلوا من السيارة. أصواتهم غريبة وغير مآلوفة، تهز قوة التماسك في النفس. ظلام الغابة، بث الترقب على أمتداد الرؤية. لم أبصر أي شىء مما فيها. كانت العتمة تغطي جميع أركان وزوايا سشع المكان بأمتداد لانهائي. لم أر ما يحملون. ركزت-: "يحملون البنادق على الأكتاف". ولجت الى الأكمة بين النخلتين. في أستار العتمة. أحتميت بالصمت من رعب المكان. –:" الحذر والأنتباه". خفق طير فوقي وحلق في الظلام مبتعداً.-:" غابة". صرير ريح ودبيب في العشب. عواء ونباح وأزيز، يخترق السكون. مر ذئبان.– " هناك ذئاب أخرى أو حيونات مفترسة يحجبها الظلام عن رؤيتي، أعرف. أن في هذا المكان، تكثر في الليل الذئاب". أرعبتني الظلمة، لغابة كثة من الاشجار والنخيل. أسمع أصوات حشرات الليل وكائنات الغاب الاخرى. حدقت -: " السيارة من نوع؛ بيك آب بقمارتين وراء سيارتي بمسافة قليلة، لصق حافة البستان الكث. أجساد لبضعة أشخاص. ذئبان قعدا على عجيزتيهما.االذئبان لم يعويا. الاشخاص، لم ينتبهوا لهما.". أسمع صوت الخوف. هناك من يتكلم في الصمت. يحمل أكثر المفاجأت رعباً. أشحن مسمعيَ وباصرتيَ بقوة. يجىء كلام الليل على متن الريح. أجساد تتحرك. أياد ترتفع وتنخفض في الهواء. تنهدات وزفير وشهيق مرتفع بالرعب على غير العادة. -: " أقرأ بصوت جهوري قرار الأمير".. أصبح الصوت القادم من قريب أكثر وضوحاً.-: " شىءٌ مريب يجري ". أصوات الغابة زرعت التوجس في نفسي. قرار الأمير يتلوه رجل ذي خنة حادة في نبره كدوي ماكنة على وشك العطب. كلام لا يتواصل، ينقطع بين كلمة وأخرى. تحمل الريح عواء الذئاب البعيدة. والذي أخذ يتصادى في الاشجار والنخيل. -: "أرهاب". ريح تنبح، لمعان سيف أو مدية كبيرة. ضوء لمصباح أنارة يدوي. كان الضوء مسلط على الورقة التى أنتهى الرجل في التو من القراءة فيها. سقط الضوء على الرجل الجاثم على ركبتيه. الرقبة منحنية. العيون تحدق في العشب. شهيق وزفير الرجل الجاثم، أسمعه كما الشخير. للسكوت والسكون رعب في ثانية. حدث أضطراب. تداخلت الأصوات مع بعضها البعض..-: لم أقم بما يسيء. أتركوني أعيش لوجه الله. أستحلفكم بالرسول. -: " الصوت ليس غريب عن مسمعي.". أنتقل مصباح الأنارة من يد الى يد. تركت الأكمة وزحفت الى جذع النخلة الثانية. أحتميت بالجذع . المسافة أقل من متر. -:"كافر يحل عليك القصاص.". صوت بكاء يأتيني. خفق أجنحة الطيور في سعف النخلتين. غادرت الطيور. -: " الله أكبر". سقط الرأس. تدفق الدم. عوى الذئبان في ليل الغابة. عواء غريب لم أسمع بمثله في حياتي. عواء كما البكاء. ركضا وهما يهربان الى جوف الغابة. أخذوا يضحكون ومن ثم غادروا. ظللت وحيداً. نظرت الى النخلتين المتعانقتان في صمت العتمة وأصوات ليل دامس الظلام. كثر العواء. نباح أم عواء بت لا أعرف ولا أميز. يرهبني صوت الصمت في مكان لا بشر فيه. اقتربت. فتحت الوقيد. الدم لم يزل يشخب من عروق الرقبة. شعر الرأس مخضب بالدماء وكذا الوجه. شرد دماغي مني. ترك رأسي بلا عقل. تصادى في الأنحاء صوت الليل. ارتجف وارتجف؛ مسحت الوجه..خويه، خوووووووووووويييييييهههههههه....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق