أبحث عن موضوع

الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

شهيدُ الجمالِ .................. بقلم : مرام عطية / سوريا


كان منهمكاً في عملهِ ، لا يجد وقتا للراحة أو السكينة ، فاستوقفه في رحلته المتعبة شخصان أولهما : أغمدَ سيفهُ في صدرهِ ،ومرَّغَ وجههُ بالطين ، و ثانيهما: لفَّهُ بشالهِ ، وداواه مسعفاً إياه مكفكفاً دمعهَ المنسكِبَ
كان الأول يلبس ثيابا فخمة ً ويضعُ ياقةً ورديةً ويحملِ بيدٍ أضابيرَ الموتِ الحمراء ، و باليد الأخرى زنار متفجرات ، وحقيبة قذائفَ يطوي حقده الدفين خلف قناعٍ سوسني ، ويرسلُ أخطبوطهِ في كل اتجاهٍ ، يقتل أعلامَ الفكرِ القلم وعلماء الذرةِ والكيمياءِ ، و يعدد أسماء الذين لم يأتِ دورهم بعد ، ويحذر من يجرؤ على النظر إليه ، أو من يقترب منه ، و حين مرّ بالشاعر هدده قبل أن ينطق ببنت شفةٍ .
والشخص الثَّاني كان قد رآه قبلاً : أحسَّ بخوفهِ على أطفالهِ من لصوصِ الخبزِ والحليبِ ، فاحتضنه و ضمه إلى صدرهِ و رافقهُ الى مكتبه ، ومنحه دفقَة أملٍ ، مشجعاً إياه على العملِ ، معززا قدراته منمياً مهاراته ، رآه يسير بين الفقراء فيغدق عليهم العطاء ، ويجلس بين المحزونين والأسرى والثكالى فيقويهم ، ويسكبُ رحيقَ السعادة ِ في نفوسهم ، ويدهنُ بلسمَ الصبرِ على جراحهم
وهذا ما دعاهُ إلى أن ينطقَ بالحقِّ ، ويجاهرَ
برأيهِ .
ومذ وصفَ هذا الرجلُ الجمالَ ،وراحَ يزرعُ الفضيلةَ ، أحبَّهُ و دعاه لاستضافته و الإقامةِ في ربوعه، و بنى له قصراً، و سوره بحدائق الياسمين الشآمي، والفل الأبيض ، فصار الجمال و الشاعر صديقين حميمين ، وتماهى أحدهما في الآخر ، وصارا كيانا واحدا في محاربة الجهلِ وجنود الظُّلمة .
فما كانَ مِنَ الظُّلمَ إلاَّ أنْ تتبعَ الجمالَ في كلِّ اتجاهٍ ، وراحَ يراقب الشاعر في تعابيره وصوره ، و الشاعر يحتال عليه في المجاز و البيان ِ ، يحاول تارةً أن يحرره من سجنِ الخرافاتِ ، ويأخذه إلى خمائلِ الجمال دون جدوى ، و لازال الصراعِ و العداء أبديا، بين الظلمِ و أذنابه و جراده و أفاعيه ، و بين الشَّاعِرِ .
وكم مرَّةٍ رأيتُ الشَّاعرَ يخاتلهُ ليبتعدَ عن شروره و يحلِّقُ بعيدا يقطفُ سدرةً من كرومهُ ، فيتتبعهُ الظلمُ و يلاحقهُ بين السطورِ وخلفَ مدنِ الكلامِ ، و يدخلُ قصورَ المعاني ، ويشنقُ أصحابها !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق