أبحث عن موضوع

الاثنين، 1 ديسمبر 2014

الإستغفال.. بأيِّ معنى!........... بقلم الكاتب ابو الحسن مهدي /// العراق


الإستغفال.. بأيِّ معنى!
أنا لكَ فلا تُرجعني إليَّ... الرومي

الإنسانُ ذلك الكائنُ المُركبُ مِن عَقلٍ يُدرِكُ به نفسَهُ ومَا حولَهُ في العالمِ من أنواعِ وأصنافِ وأشكالِ الموجُوداتِ، ويتبادلُ مع الكونِ الأثرَ والتَّأثُّرَ، والإنسجامَ والتَّناسُبَ، الذي يُخفي من وراءه دقةً وذكاءاً في التَّصميمِ، ويُضِمرُ دهشةً لمَن بحث في أعماقه حيثُ عالمُ المَعلوماتِ التي تسيرُ وتعملُ بانسجامٍ وانتظامٍ وكأنها عاقلةٌ، كما وصفه مُستغرباً العالم العظيم آينشتين إذ قال: ليس العجيبُ ما في الكونِ بل العجيبُ أنهُ قابلٌ للفهمِ!
وأيضاً هو الإنسانُ في ذلك الشطر الآخر منه وجدانياً فيَّاضاً بالعاطفةِ والأحاسيس والمشاعر المُرهفةِ، وبتلك المُثُل المُمتزجةُ مع ذراته وأعصابه وأنسجته وعقله ووجدانه.. تلك الإنسانيَّةُ المُشرقةُ في أعماقه، التي تهتزُّ حُبَّاً ورحمةً كُلَّما شعر وتحرك الضَّميرُ بين جوانحهِ مُدللاً ومُذكراً صاحبه على أنكَ لازلت إنساناً لم تتشيَّأ بعدُ، ولم تُستغفل أو تُدجن وتُحشر مع القطيعِ الضال التائه عن نفسه وقلبه وعقلهِ.
مَن لم يؤمن ويعترف بذلك فاليُراجع نفسه لا بُدَّ من خللٍ في منظومته الفكرية أو فسادٍ وعمى يحُفُّ قلبه ويعتصرُ نفسه ووجدانه أو هو يُعاني من عُقدة الضمير التي يخشاها الناس ويهابها مَن أنكروا الحقَّ ولزموا الباطل.
بعد هذه الإلماحة الفقيرة والمُتواضعة لابُدَّ من التذكير بالمبدأين اللذين يحكُمان الظواهر الحسية والعقلية والنفسية والروحية بإمتيازٍ، وهما ظاهران واضحان لمن أراد أن يراهُما ويحس ويشعر بهما، فما مِن أحدٍ إلَّا ولحظهما في حياته مرة على الأقل وتساءل متعجبا عن كيف حصلت هذه الأُمور بذلك التسلسل والتعاقب ووصلا إليَّ؟
وهما بأوضح عبارة وأجلى كلمةٍ:
أوَّلاً: مبدأ (( أنَّ كلَّ شيءٍ في أثرٍ وتأثُّرٍ مُتبادل مُستمر )).
ثانياً: مبدأ (( أن كُلَّ شيءٍ مُرتبطٌ ببَعضهِ البعض )).
فتخيل معي، يوم قال سقراط (399ق م ): اعرف نفسك أو، ما أخبر به الأثينيين بأنَّه لا يعترف بالآله ويدعو للتوحيد أو، وقوفه بوجه الحركة السوفسطائية وقتئذٍ فإنَّه لا شكَ قد أحدث حدثاً وأوقع في المجتمع الأثيني الوثني وفي نفوس الكهنوت والحكومة الأرستقراطية أثراً؛ إذ أثار السخط والقلق واستفزَّ العقول على إعادة النظر في اعتقاداتهم وما هو مترسخ في نفوسهم. فكل هذه وغيرها هي آثار لذلك الأثر. وظل الأثر الذي بثَّه سقراط الحكيم بين الناس يُتابع مسيرته من جيلٍ إلى جيلٍ ومن قرنٍ إلى قرن إلى أن وصل هذا الأثر وتأثيره إلى كاتب هذه السطور التي تكتب عنه الآن وتُقرأ من قبلكَ!
وأيضاً، أعمل فكرك وأطلق خيالك وتصوَّر معي ما حدث في بداية الدعوة الإسلامية وما تلتها من أحداث ألا ترى أنَّا نُعاني أشدَّ العناء مما تركه الأسلاف من اختلافهم من أثرٍ حتى وصلتنا الآثار المُدمرة والمُعمرة!
كذلك في تلك الثورة الفرنسية على ظلم الكنيسة والقتل وما الى ذلك وغيرها ما افتعلته من أثر وما خلفته من آثار يتمتع بها العالم اليوم من علم ومعرفة وتكنولوجيا..
وهكذا كُلُّ ما حولك يجري ويعمل بنفس الطريقة لأنها سُنَّةُ الله في خلقهِ مُذ خلق وأبدع الكون وما يوازيه من أكوان! وغيرها مما الله به أعلم.
إذن نستنتج من ذلك أنَّه لابد للإنسان حين يُريد التعاطي مع أمرٍ ما أن يُلمَّ ويبحث ويربط الأمر بكل ما حوله أي بالأثر والآثار وبكلمة جليَّةٍ أن ينظر للموضوع من كل الزوايا والمناظير المُتاحة وحتى تلك التي يظن أنها لا صلة لها بالموضوع في الحقيقة هي جزء من الموضوع وربما يكون مُدخل عظيم الفائدة حتى يستطيع أن يُقارب الحقيقة ويصدر عن حكم مقبول ويستحق الإحترام وإلَّا غير ذلك مردود على صاحبه لا يُعتدُّ به أبداً، والأهمُّ أن يكون التواضع همَّتك لطلب الحقِّ لا التكبر والغرور والتبجح والجهل، فافهم.
أتعبتكَ ربما أيُّها القارئ الجميل في حلمه وصبره ولكن أعدك لن تذهب من هنا إلَّا وقد تعلمت وعلمت أمراً يهمك ويهم حياتك ومصيرك، فترفق بي ولا تصدر حكمك إلَّا بعد أن تنتهي من قراءتك يا أخي وحبيبي القارئ الفاضل والنبيل.
لابُدَّ وقد سمعنا أو قرأنا يوما ما عن مايبتغيه حُكام الدُّول العُظمى ومَن يرتبطون بهم ويُؤثرون فيهم من باقي الحكام، الكل تقريبا يعرف أنَّهم يُريدون السلطة المطلقة على الأرض بما فيها، ونهب واستغلال ثرواتها، والسيطرة على الإقتصاد العالمي للتحكم بمصائر العباد، وأن يجعلون العالم تحت رحمتهم وطوع أمرهم كالقطيع وبأساليب وطُرق معروفة نسبياً لكن هل تساءلنا يوما كيف يتم ذلك وما هي أكثر طريقة فعَّالة مستخدمة من يوم عرف الإنسان المجتمع وإلى الآن؟!
تريث قارئي العزيز، أعلم إنَّه الدين السياسي، والإعلام القديم والحديث هذه الآلة الملعونة، والقوة العسكرية والإستخبارية السرية والعلنية، وتلك الإدارات في الظلام للتخطيط الإستراتيجي، والمعامل النفسية الضخمة، وشتَّى الفنون والأساليب والأدوات التي أبدعها الإنسان وطورها لحكم ونهب وسلب وقتل أخيه الإنسان ولكن ما هي أنجع تلك الطرق والأساليب المتبعة في حكم الناس فالقديم والمعاصر؟!
بكلمة واحدة هو أسلوب (( الإستغفال )).
والإستغفال هو لون من الخداع، وأيضاً الإستغفال هو شدُّ الإنتباه قسراً إلى ما يُرادُ أن ينشغل به عقل ونفس الإنسان لتمرير ما يُراد تمريره من قبل الحكومات من مخططات تصب في منفعتها وحدها وتُدمِّرُ الآخر المُستغفل اللاهي والمنشغل باله وذهنه وعقله ونفسه بأشياء أُخرى لا تعدو كونها من أتفه ما يكون.
وبكلمة أوضح يُراد للأُمة أن تنظر وتركز حواسها وشعورها على جانب واحدٍ ضيق جدا من موضوعة الحياة في كل المجالات والسياقات؛ لخلق أجيالٍ بلا عقلٍ ولا وجدان أو ضمير أو بالأحرى بلا إنسانيَّةٍ، تظن أنها تملك إنسانية لكنها في الحقيقة مخدوعة مستغفلة مُضللة لا تعي نفسها وما حولها بل تتعاطى معه على حسب ما رُسم ووُضع لها من منظور وإطار تبصر من خلاله نفسها وما حولها ويالها من نظرة ظالمة إذ لا ترى إلَّا جانبا واحدا من الحقيقة ولا ترى للناس أفضل منه للتعاطي مع الحياة والآخر.
والإستغفال هو التدجين، والقطيع، والقصف العقلي، والضلال، والخداع وغيرها من هذه المصطلحات التي صدعوا بها رؤوسنا المثقفين النرجسيين وغيرهم.
والسؤال الآن ما هي آثار هذا الأثر على الفرد والمجتمع؟!
الآثار هي: العصبية الدينية والمذهبية والنزعويَّة والطائفية والعرقية والقومية والحزبية.
الجهل والتخلف والرجعية والاصولية والسطحية والغرور والتكبر والإستعلاء والتمركز حول الذات ( الأنانية ) رفض الآخر والتكفير والفساد والقتل المذابح والمجازر.
الغش الرشوة السب الشتم الغيبة النميمة هتك الأعراض الاغتصاب السرقة الكذب المكر الخداع الترف التبذير الفقر المجاعات الصراعات الأزمات.
عدم التسامح، الغضب، الحروب المجنونة، التصفيات العرقية والدينية والطائفية كبت الحريات، والفوران الجنسي وانعتاق الشهوات الغريزية...
حب الموت، وصناعة الموت، كره الحياة، والسأم والملل والروتين والتنميط موت كل مظاهر الحياة نسبياً، الإلحاد والكفر الاعتداء والبغي والاستعما، وأكمل أنت أيها القارئ ما تحب وترضا من هاته الآثار المُخزية واللاإنسانية الخبيثة والملعونة واربطها مع موضوعنا سترتبط وبكل سهولة، أي بكل سهولة يحول هذا الأثر وما يتفرع عنه ويتصل به المجتمع إلى قطيع حيوانات إلَّا مَن فطن وانتبه من غفلته وشروده المزمن وعاد إلى فطرته وطلب معرفة نفسه فما حوله مرهون معرفته بمعرفة النفس، ومَن عرف نفسه صار حكيماً، ولا تنفعه معرفته نفسه إذا لم يساهم في كشف وفضح وارشاد وتوعية الناس وتذكيرهم بمسؤوليتهم تجاه أنفسهم والمجتمع والآخر!
والحقُّ أقول، وربما سيستهزء نظيري الملحد وغيره أن أقصر طرق الحكمة الواضحة والجلية هو القرآن العظيم وما فيه من نظام أو نُظُمٍ تجعل من حياة الإنسان سعيدة في الدنيا والآخرة ولكن قبل أن أن تحكم تذكر ما قلناه في بداية هذه السطور الخجلى جيداً!
تواضع وأبحث عمَّا تريد وأنا أضمن لك الظفر بما تُريد وما أنت متحير بشأنه.
كُن حُرَّ التفكير.. تعاطى بموضوعية.. إملأ قلبك حباً ورحمةً وعشقاً للإنسانية وللعالم كله فبالحب كان الوجود وبالرقص والغناء الروحي عُرف الكون، أيها الناي لكلٍّ منَّا نايه ونغمته فاعزف وإذا لم تستطع حاول حتى تتعرف إلى نغمتك التي ستملأ بها العالم وتشرق بها روحك وتفيض بها نفسك رضا وقناعة وتواضع... لا سبيل للإنسانية في حاضرها ومستقبلها غير الحب والرحمة التي وسعت الكون فبعد ذلك حتما ستعرف هذه البشرية أنها ابتعدت كثيرا عن الله ربها ومالكها وخالقها لا إله إلا هو تبارك وتعالى.. ارجعوا إلى الله تعرفوا إليه من خلال كتابه وأنظروا كيف عرض نفسه وعرفها إلينا تواضعو للحقِّ انبذوا الكره والحقد والأنانية والاستكبار والغرور انزولو من أبراجكم العاجية الحياة جميلة وحده الحب والعشق والرحمة حقيق بهم أن يعاش فيها.
شكرا لكم أحبتي وهدانا الله وإياكم إلى سبيل الرشاد والحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على السراج المنير والنذير البشير والرحمة للعالمين محمد وآله الأطهار وصحبه الأخيار. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أبوالحسن مهدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق