أبحث عن موضوع

الاثنين، 1 ديسمبر 2014

المسؤولية ............. بقلم الكاتبة : خديجة السعدي /// العراق




بدأت كوكب يومَها الجديد بنهوضٍ مبكِّر. لم تستطعْ النومَ ليلةَ أمس. جالت بنظرها أرجاءَ المكان، ثمَّ اتّجهتْ صوبَ النافذة المطلّة على حديقة الدار الخلفيّة. لم تمرّ سوى دقائق حتى بدأتْ تمورُ في داخلها انفعالاتٌ جعلتها تترك النافذة وتتّجه إلى صورةِ أخيها المعلّقةِ أمامها على الجدار.
ثمة حربٌ تدورُ والوضعُ مخيف. لم نسمع صوتَ ضحكةِ طفل منذُ شهور. ظلال الموت تخيّم على كلّ زوايا الوطن. انكسار تلو آخر. الخوف يعشعشُ في قلوب الناس. كلَّ يومٍ تزداد أعداد المُغيَّبِين والمُهاجرِين والمُهَجَّرِين، وتزداد معها قوافلُ الشهداء واليتامى والثكالى والأرامل.، وتتنوّع طرق الإذلال والخنوع. حالات الانتظار الطويلة والمُتعِبة أثقلتْ كاهل النّاس. في شوارع المدن، يخيّمُ صمتٌ ثقيل كأجنحة الظلام وحشةً. القلقُ يلفُّ الجميع. جرعات الألم لم تعدْ تُحتَمل.
رسمتْ كوكب أبعاد الوضع على خارطة جسد أخيها، الذي أُلقيَ بهِ عند عتبة باب الدار. مازالت تشعر بمرارة تلك اللحظة، وألم فراق حبيها الذي تركَ الوطن مُرغماً.
قبل أيّام تلطّخَ الترابُ بالدمِ وعبقَ المكانُ برائحةِ موتٍ غريبة. فاجعةُ القتلِ، وهجرةُ الطيور المرتابة لوحةٌ تتكرّر أمام ناظر الجميع. متى تنتهي الحرب؟ الأيّامُ تكتسي ثوباً قاتماً، والجميع يعيش في بؤس مدقع . سماءُ المدينة مكفهرّة وبغدادُ ترفضُ الاستسلام.
"لن أسكتَ، ولن أتوسدَ وجعي وخوفي بعد اليوم. سأمزقُ ستائرُ الظلامِ السميكة ليدخلَ النور إل كلّ مكان."
انتصبتْ كوكب كعمود نار ذي وهجٍ مُهيب. بدتْ جدران الدار في تلك اللحظات كصفحاتٍ مقروءةٍ لتاريخٍ حافلٍ بالأحداث، يروي قصصاً وحكايات مُرعبة. عبقتْ رائحةُ الموت في أنفها بقوّة. لم يبقَ على بزوغ الفجر إلا وقتٌ قصير.
خرجتْ إلى حديقة الدار واتّجهتْ صوبَ الكرسيّ الموضوع تحت شجرة التين. تكوّرت في جلستها على الكرسيّ واسترسلتْ في التفكير. لم تستحوذها، كالعادة فكرة الموت وتفسّخ الجسد وما بعده. إنّها الآن تسبر عالماً لم تكن تفكّر فيه من قبل. تعزّزت لديها قناعةٌ جديدة بضرورة التحرّك بعيداً عن أعين الرقيب.
نهضتْ من على كرسيّها وتقدّمت ببطء ماسكة ورقةً قطعتها من غصن الشجرة المتدلي فوق رأسها. تراقصتْ الورقة بين أناملها كطيرٍ مذبوح وبدأت تومض الأفكار في رأسها. التأقلم هو الخنوع.
تركتْ الحديقة. بخطواتٍ واثقة و اتّجهتْ إلى الغرفة. وقفتْ أمام صورة أخيها ثانيةً وأقسمتْ: " إنها مسؤوليتنا جميعاً..إنها مسؤوليتي." ابتسمتْ لنظرةِ أخيها وهي ترنو إلى أفقٍ جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق