أبحث عن موضوع

الأحد، 23 نوفمبر 2014

إيناس رواية " لعلي جاسب " ............... بقلم الناقد : قاسم ماضي /// ديترويت


ستقول أن على البصرة السلام .. قالها الأنبياء والرسل وابن بطوطة
قبل الدخول في عالم الرواية ، الذي هو إمتداد لعالم المؤلف ، والذي يُفصح من خلال جمله الأولى ، ما يريد قوله " على جاسب "الذي تغنى بالشاعر الكبير " السياب " والدليل إعتماده على ثيمة إحدى قصائده التي تقول " السماء الكئيب ، والمعبر المهجور " ليضعها في نهاية روايته لتكون له مصدرا ً مهماً لتحريك افكاره ليصب غضبه على الجلادين في وطنه الذي هجره من قسوتهم وعذاباته بفقدان أعز حبيباته الأم ، والحبيبة ،ولكي أعزز عرى صداقتي مع هذا المبدع الذي بحثتُ عنه كثيراً في المنفى الإجباري ، كي أتعرّف عليه ، لندخل في عالم الجمال ، وهو العالم الذي نحاول أن نقتنص منه الكثير ، طالما تنفسنا الهواء ، ولأن الغربة مرض كبير بين ما نشاهده الان من إنتكاسات لجميع العراقيين بسبب هذه الغربة الداخلية والخارجية ، التي يعاني منها الكاتب أيضاً ، المهم " علي جاسب " وهو الذي أهداني ثلاث روايات مهمة بالنسبة لي ، وإهديته كتابي الأول المعنون " في ثنايا القصائد " وعلى ما أعتقد أن لديه اربع روايات ، منها رواية " إيناس " الصادرة عن دار نشر نينوى ، للدراسات والنشر والتوزيع ،وهي من القطع المتوسط و تقع في 95 صفحة ،ورواية " منسي " ورواية " الخال ناكود " ونحن بصدد تعريف القارئ على نتاجه الادبي وهو مغترب ، هرب من سياط النظام السابق ، و حاصل على بكلوريوس اللغة العربية من جامعة البصرة ، ليدخلنا في راويته المهمة " إيناس " عبر نسيج سردي ، والتي يقول فيها بكل مكابرة وتفلسف ما الذي حصل لنا ! ومعاناتنا أخذتها المنافي والتشرد والسجون وظل يبني على ( إيناس ) بوصفها العلامة الرمز التي من شأنها فتح باب التأويل ، فهل هي إيناس امرأة من دم ولحم، بحيث يصر " الجاسب " أن يتباكى عليها ، واصفاً إياها بأنها الملاك الذي لا يستطيع التخلي عنه " منطلقاً من فلسفته الخاصة التي طورها وتفاعل معها عبر العديد من الفلاسفة ومنهم " هيرقليطس " كما هو موضح في الرواية " أنك لا تعبر النهر مرتين " وبالرغم من أن روايته هي سيرة ذاتية الإ أن رواية السيرة الذاتية تبقى إلى جانب ذلك عملاً أدبياً إي لابد للخيال من آن يكون له دور فيها وهذا ما حصل في هذه الرواية
أعارض حتى السماوات إذا وصل الأمر لإيناس " ص70
هااذا أنا أقول لكم ما يحدث لي من مأساة خلال رحلتي في عالم الجيش
أو العسكر ، الذي ابتلينا به من جراء الحروب الطويلة
التي سببت لنا خراب النفوس من تسلط على رقابنا ، وسرقة حبيباتنا ، من قبل أزلام السلطة
وهو يدخلنا في شخصيات واقعية بتركيبة نفسية مريضة ومتعسفة نموذجاً " ظافر " الشخصية السيئة التي تعمل لصالح النظام البائد ، والذي يعمل للمؤسسة الأمنية التابعة للسلطة ، والتي إراد بها " جاسب " الغوص في أعماق هذا " المجرم " ليوضح لنا قسوة النظام البعثي
" إنك لو غسلت الربع الخالي فسوف لن تغسل قلباً واحداً كقلب ظافر " ص78 ،


وهو بالتالي يحدث نفسه دائماً عبر منولوجات داخلية ، واسترجاع " فلاش باك " ليخيط لنا ثوب روايته ، وهو يفصح عن عوالمه التي أصبحت كابوساً ثقيلاً في حياته التي أصبحت أسيرة لهذه الفترة القاسية التي دمرت الحجر والبشر ،"
في البداية دعايات وحكومة وتحذيرات ومن ثم في خصوصياتي ؟ ص69
وكأنه ينقل الأفكار التي إنطلق منها بشكل سردي مستقل ، يتعارض مع الإستعمال الذي يمكن أن يستعمل به نقل الأفكار في سياق ما في داخل هذه الرواية ، وهو المتشظي واليائس مما يحدث حوله نتيجة الواقع المؤلم الذي يلفه ويلف مدينته القابعة تحت مرمى النيران والخوف ابان الحرب العراقية ، التي ألمت به وأخذته من مدينته كما أخذت حبيبته " إيناس " الشخوص التي حاصرته وأصبحت تسير معه مثل " إيناس ، ظافر " في فترة تواجده حينما كان طالباً في الكلية ومتابعته من قبل الجهات المعنية ، وهو يصورها في هذه الرواية عبر مخيلة حية ولغة مقتضبة فيها الكثير من الدلالات المهمة ، حتى لازمته فترة وجوده داخل الموضع أو الوحدة العسكرية التي أخدته من عالمه الجميل الذي كان يحلم به ، وهنا ظلت في رأسي الكثير من الأسئلة ؟ هل على الكاتب أن ينسلخ من وطنه بهذه السهولة من إجل امرأة ؟
إقرأ ماذا يقول في بداية الرواية ص3
إلى امرأة أحبها أكبر من بغداد
إلى إمرأة أعز من أمي
إلى امرأة كونتني ومضت
بإعتقادي أنه يشتغل على ثيمات متعددة أهمها " الوطن + المرأة + الإنسان العراقي المعذب " لعل أول اشارة غير مباشرة إلى مكنونات المدينة التي يقدسها من بارات ، وزوارق ، ونوارس ، واشجار كثيفة ، الكراجات ، وشخصيات مهملة مثل بائع الشاي " أبو صادق " في ساحة أم البروم ، وشخصية " محسن " الذي زج به إلى السجن دون ذنب ، وغيرها ، وها هو مثل السياب يهم ويتوجع بالعراق ، والدليل كما يقول عنه الكاتب" سلام إبراهيم " يلتفت " علي جاسب " إلى عالم المقاتل الداخلي المتشظي في منولوج داخلي طويل ، يتداخل مع الوصف غير المحايد ، من وجهة نظر السارد ، ومع العديد من القصص المبثوثة من وجهة نظر السارد أيضاً في جسد ذلك المنولوج الذي لا ينتهي بنهاية النص ، وها هو يقول " جاسب " عبر ذاكرته المهشمة نتيجة الصراع الداخلي الذي يحاصر روحه المعذبة ، أن هذا الوطن المصاب بالمعاقين والديون ، يموت كل يوم .
إذن يستكشف هذه النبؤءة منذ ُ هربّوه من العراق عام 1991 ،وأن بلاده تظل تدور بدوامة الحروب والموت وأدخلوه عالم رفحاء القاسي ، بحيث تستمر روايته بهذا النفس لعذابات اخوته العراقيين الذين لا زالوا يعانون من السلطات التي تتحكم بهم ،
" استرجع كل السويعات والدقائق ذاكرة ، ذاكرة وكأني أنخرها
وأنا أرمي حبالأ صامته بضع سنين رجوعاً
البشر والأفكار والتصورات
الشوارع والأكشاك والمطاعم
الابتسامات ،
والعطور
والقبل والمارة والوداعات القصيرة رجوعاً ذلك الذي يتطاير عندها وعندي ،ص23
والرواية كما هو معروف هي فن سرد الأحداث والقصص ، تضم الكثير من الشخصيات تختلف انفعالاتها وصفاتها ، وهي أفضل واجمل فنون الأدب النثري لان هامش التعبير يتسع عبر فضاءها السردي وتقنياته المعروفة ، ويقال عنها انها التعتبر الأكثر حداثة في الشكل والمضمون ، ولهذا شخوصه ظللت شاخصة في عقولنا ، لأننا مررنا بها مثل شخصية " ظافر " وهذا هو رمز للتلسط ، والجبروت ،
لم ألمس من الأيام سوى ذيولها ، كلهم يقولون ستصل بالصبر ، وأصبر وما يوصلني الصبر إلا إلى صفر أخر ، ص34
تبقى هناك بعض الهنات هنا وهناك لكنها لا تلغي قيمة الخطاب الحكائي ، هو الإنتباه إلى حالة من التخييل المركب ، سواء ا ً كان ظاهرا ً ومضمرا ً ، متحققا ً ومحتملا ً ، محايدا ً ومباشرا ً ، وكما يقال لولاها لظل أي تصور للتخييل الحكائي بعيداً عن إمتلاك قيم ثقافية نوعية ودآلة ، يبقى السؤال هنا على نادي السرد الإهتمام بكل العاملين في هذا الحقل الإبداعي والتواصل معهم عبر المتابعة لما يقدموه لنا
قاسم ماضي – ديترويت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق