أبحث عن موضوع

الجمعة، 17 أكتوبر 2014

كالرقعة في الثوب الصديق للصديق .................. بقلم الكاتب فراس الفهداوي الدليمي /// العراق



كالرقعة في الثوب الصديق للصديق

بين الصداقة والحب خيط رفيع ، بل تبدو الصداقة أكثر ثباتاُ وقوة مع الأيام ، خصوصاً الصداقة التي تتجاوز المصالح ، ولكن لا بأس أيضاً أن تكون الصداقة تبادلاً للمنافع
فالأصدقاء على السراء والضراء ، ومن غير الصديق من يدعم صديقه ؟
وأنا شخصياً أعتز اعتزاراً كبيراً بأصدقائي خصوصاً منهم الكتاب والشعراء ..

وقد أوص النبي ( ص ) بالجار ، وهو بمثابة الصديق أيضاً ، وقد حفل التراث العربي بالكثير الكثير عن حسن المعاشرة والصداقة والإلفة بين الجيران .
والمودة ، والتآلف سبب القوة ، وقد من الله تعالى على قوم وذكرهم نعمته عليهم بأن حمع قلوبهم على الصفاء ، وإلى الإلفة والإخاء ، فقال تعال :
واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً
سورة آل عمران
وقد سن رسول الله
الإخاء ، وندب إليه ، وآخى بين الصحابة أجمعين .
وقد ذكر الله تعالى أهل جهنم وما يلقون فيها من الألم ، إذ يقولون
{ فما لنا من شافعين }
ولا صديق حميم .
وقال الإمام علي :
{ الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين }
وأنشد الشاعر :
وما المرء إلا بإخوانه
كما يقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف المقطوعة
ولا خير في الساعد الأجذم
و قال زياد :
خير ما اكتسب المرء الاخوان ، فإنهم معونة على الزمان ، ونوائب الحدثان ، وعون في السراء والضراء .
وقال الأوزاعي :
الصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب ، إن لم تكون مثله شانته ، وقال عبد الله بن طاهر :
المال غاد ورائح ، والسلطان ظل زائل ، والاخوان كنوز وافره .
وقال المأمون لحسن بن سهل :
نظرت في اللذات فوجدتها كلها مملولة سوى سبع .
قال :
وما السبع يا أمير المؤمنين .
قال :
خبر الحنطة ، والحم الغنم ، الماء البارد ، الثوب الناعم ، الرائحة الطيبة ، والفراش الوطئ ، والنظر إلى الحسن من كل شيء .
فقال :
فأين أنت يا أمير المؤمنين من محادثة الرجال ؟!
قال :
صدقت وهي أولاهن .
وقال سليمان بن عبد الملك :
أكلت الطيب ، ولبست اللين ، وركبت الغارة ، وافتضضت العذراء ، فلم يبق لي من لذاتي إلا صديق أطرح معه مؤنة التحفظ .
وكذلك قال معاوية :
أكلت الطعام حتى لا أجد من استمرؤه ، وشربت الأشربة حتى رجعت إلى الماء ، وركبت المطايا ، حتى اخترت نعلي ، ولبست الثياب حتى اخترت البياض ، فما بقى من اللذات ما تتوق إليه نفسي إلا محادثة صديق كريم .
وأنشد الشاعر في هذا المعنى :
وما بقيت من اللذات إلا
محادثة الرجال ذوي العقول
وقد كنا نعدهم قليلاً
فقد صاروا أملاً من القليل
و قال لبيد :
ما عاتب المرء اللبيب كنفسه
والمرء يصلحه الجليس الصالح
وقال آخر :
إذا ما أتت من صاحب لك زلة
فكن أنت محتالاً لزلته عذراً
وقيل لابن السماك :
أي الأصدقاء أحق ببقاء المودة .
قال :
الوافر الدنيه ، والوفي لعقله ، الذي لا يملك على القرب ، ولا ينساك على البعد ، وإن دنوت منه داناك ، وإن بعدت عنه راعاك ، وإن استعنت به عضدك ، وإن احتجت إيه رفدك ، وتكون مودة أكثر من مودة قوله :
وأنشد بهذا المعنى :
إن أخاك الصديق من يسعى معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك
شتت فيك شمله ليجمعك
وقال غيره :
وليس أخى من ودني وهو غائب
ومن ماله مالي إذا كنت معدماً
ومالي له إن أعوزته النوائب
وقال الشاعر أبو تمام :
من لي بإنسان إذا أغضبته
وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من
أخلاقه وسكرت من آدابه
وبقلبه ولعله أدرى به
وقيل لخالد بن صفوان :
أي اخوانك أحب إليك ؟
قال :
الذي يسد خلتي ، ويغفر زلتي ، ويقبل عثرتي .
وقيل :
من لا يؤاخي إلا من لا عيب فيه قل صديقه ، ومن لم يرض من صديقه إلا بإيثاره على نفسه دام سخطه ، ومن عاتب على كل ذنب ، ضاع عتبه وكثر تعبه .
قال الشاعر :
ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض مافيه يمت وهو عاتب
وقال آخر :
إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي تعاتبه
وإن أنت لم تشرب مراراً على الذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
وقالوا :
إذا رأيت من صديقك أمراً تكرهه ، أو خصلة لا تحبها ، فلا تقطع حبله ، ولا تصرم وده ، ولكن داو كلمته ، واستر عورته وابقه وابرأ من عمله .
قال تعالى :
{ فإن عصوك فقل إني بريء مما يعملون } – سورة الشعراء
فلم يأمره بقطعهم وإنما أمره بالراءة من عملهم السيئ .
وقال :
{ الأرواح أجناد مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف } .
وقال محمد عليه الصلاة والسلام أيضاً :
{ إن روحي المؤمنين ليلتقيان من مسيرة يوم ما رأى أحدهما صاحبه } .
وفي ذلك قال بعضهم :
هويتكم بالسمع قبل لقائكم
وسمع الفتى يهوى لعمري كطرفة
وخبرت عنكم كل جود ورفعه
فلما إلتقينا كنتم فوق وصفه
وهكذا ..
ماتحاب اثنان في الله إلا كان أفضلهما عند الله أشدهما حباً لصاحبه ، وما زار أخ أخاً في الله شوقاً إليه ، ورغبة في لقائه ، وإلا نادته ملائكة من ورائه طبت وطابت له الجنة
وقالو :
ليس سرور يعدل لقاء الأصدقاء ، ولا غم يعدل فراقهم .
وقالوا :
إن من الوفاء أن تكون لصديق صديقك صديقاً ، ولعدو صديقك عدواً .
ومن آداب الصداقة والمعاشرة :
البشاشة ، والبشر ، وحسن الخلق ، والأدب .
وقال :
جابر بن عبد الله عن النبي ( ص ) قال :
{ من أخلاق النبيين والصديقين البشاشة إذا تراءوا ، والمصافحة إذا تلاقوا } .
وكان القعقاع بن شور الهذلي إذا جالسه رجل جعل له نصيباً من ماله ، ويعينه على حوائجه ، ودخل يوماً على معاوية فأمر له بألف دينار ، وكان هناك رجل قد فسح له في المجلس فدفعها للذي فسح له ، فقال :
وكنت جليس قعقعاع بن شور
وما يشقى بقعقاع جليس
ضحوك السن إن نطقوا بخير
وعند الشر مطراق عبوس
وقال وهب بن منبه :
صحبت الناس خمسين سنة فما وجدت رجلاً غفر لي زلة ، ولا أقال لي عثرة ، ولا ستر لي عورة .
وقال الإمام علي بن أبي طالب :
{ إذا كان الغدر طبعاً ، فالثقة بكل أحد عجز .
وقيل لبعضهم من الصديق الولاة كم لك من صديق فقال :
أما في حال الولاية فكثير .
وأنشد :
الناس اخوان من دامت له نعم
والويل للمرء إن زلت به القدم
هكذا الأصدقاء بين مدبر ومقبل ..
والوفاء هو الأبقى ، و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .

د. فراس الفهداوي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق