أبحث عن موضوع

السبت، 27 مايو 2023

اجتياح / قصة قصيرة ........... بقلم : محمد كامل - مصر




خيم الحزن على المكان، وجه حديثه البائس إلى أخوته، أحاطوا به من كل جانب، يلتمسون فيه رائحة أبيهم، عبر عن معاناته وألمه لمرض والده المفاجئ، روى ذكرياته السعيدة معه، واحتضانه له في أوقات شدته، كان له أبًا وصديقًا حميمًا، أضاء أمامه ظلمات طريقه، وفرج عنه مأسي الحياة ووحشتها.
شاركوه الذكريات التي ومض بريقها في عيونهم، حملهم على كتفيه، منحهم السعادة بكل ألوانها، طاف بهم فوق سحب الخيال والمتعة، وهبهم ما يفوق طاقته، أجزل عطاياه التي استقطعها من دخله المحدود، كانوا دائمًا يفتخرون به بين زملائهم.
فاضت العيون بالدموع الحارقة، فتلك المرة الأولى التي يفارقهم فيها، تم عزله عنهم بين مصابي الوباء، غاب جسده لفترة من الزمن، ولكن روحه مازالت تحلق حولهم، تحوطهم بحنانها ودفئها، سيرته العطرة بين الناس تمنحهم المهابة والإجلال، يذكرونه بحنين جارف إلى الأيام الخوالي، تلتهب أفئدتهم وتتشتت عقولهم.
يذكرهم الأوسط بكلمات والده الأخيرة قبل مغادرته للبيت:
- سوف أشفى من مرضي سريعًا وأعود إليكم.
- ننتظر عودتك إلينا بفارغ الصبر.
- لا تنسوا دعواتكم لي دائمًا في صلواتكم.
- سندعو الله أن يزيح عنك الغمة وتعود إلينا سالمًا.
- انقل لأخوتك سلامي وحبي، لا أحتمل وداعهم. لا تدن مني..
انهالت دموعه في لحظات الوداع، ردد الابن كلماته وقلبه يعتصره الألم.
حاصرتهم الشجون منذ غيابه عنهم، ظلت صلتهم وثيقة بالمشفى الذى حجز به، يسألون عنه طاقم التمريض ويطمئنون على صحته، ساعده هذا في التغلب على الفيروس الفتاك.
ازداد انتشار المرض و تفاقم الوضع الصحي خلال الأيام الأخيرة، عجزت الوحدات ومقرات العزل عن استقبال حالات جديدة، وعن توفير الأدوية الوقائية.
شعروا بالخوف، تركوا أباهم وحيدًا، لا يسألون عنه إلى أن يلقى مصيره المحتوم. أغلقوا أبوابهم ولزموا بيوتهم، غاب عنهم والدهم جسدًا وروحًا.
تلقوا اتصالًا هاتفياً، تخبرهم أدارة المشفى بتماثل والدهم للشفاء، وعليهم الحضور لاستلامه واستكمال العناية به، نازعتهم مشاعر مشتتة بين الخوف والحنين، فاحتمال العدوى مؤكد، بدأت تتصاعد التحليلات والحسابات، ولكن النتيجة واحدة، أرغموا صوت ضمائرهم المعاتبة على الصمت.
صاح الأخ الأوسط وصرح بذهابه لإحضار والده، لاقى صياحه واستعطافه نفورهم، كالوا له السباب واللعنات، هددوه بعدم السماح له بالدخول ثانية، حاول أن يذكرهم بأفضاله عليهم ووقوفه بجانبهم في الأيام العصيبة، ولكنهم رفضوا الانصات له.
تكررت الاتصالات، ولكن دون جدوى، علم الأب بجفائهم وتنكرهم له، تدهورت حالته بشكل مفاجئ، توقف قلبه كمدًا، حاول الطبيب الاتصال بهم لإبلاغهم بوفاته، ولكن هواتفهم لا تعمل؛ فانقطعت سبل الوصول إليهم، ولم يكن معه إلا ذاك الابن البار..





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق