أبحث عن موضوع

السبت، 3 أبريل 2021

الجسد باعتباره قيمة جمالية وفنية تأملات في تأملات الفنان والمبدع المتميز: يوسف سعدون ... بقلم : العلمي الدريوش _ المغرب

 .....          

  

          

 




 استمعتُ لبرنامج تأملات بإذاعة طنجة الجهوية.. كان ضيف التأملات فنان ومبدع له وقع خاص في ذاكرتي ووجداني هو صديقي يوسف سعدون. كنت أعرف الفنان منذ مراحل الشباب الأولى، وتلمست فيه مبكرا ملامح مبدع كبير بعمق ثقافي وإنساني متميز.. كان يهتم بنصوصي الشعرية وكانت بيننا جلسات، ولا زالت لدي بعض لوحاته على الورق كانت نتاج تفاعله الجميل مع بعض كتاباتي.. ثم باعدت بيننا ظروف العمل ومعارك الحياة، لكني بقيت متتبعا ما أمكن لبعض مساراته الإبداعية عن بعد . وما أن استمعتُ لتأملاته بإذاعة طنجة واستمتعت بها حتى أيقنت أن تحربة الفنان والمثقف قد اختمرت واكتملت فعلا ، وأن تجربة الرجل الفنية جديرة بالاهتمام والدرس للكشف عن بعض سماتها وملامحها الجمالية والفكرية لوضعها في المكان المناسب لها ضمن تطور الفن التشكيلي المغربي المعاصر.

  كان موضوع تاملات هذا المبدع طريفا وعلى غاية من الأهمية، وهو حضور الجسد في الإبداع الشعري والأدبي والفن التشكيلي. وتتطلب مقاربة هذا الموضوع عمقا فكريا وفلسفيا وثقافيا وجماليا قلما يمتلكه كثير من الأدباء والفنانين.

  انطلق المبدع  يوسف من تحديد تصوره للجسدالذي لا يقدره الكثيرون حق قدره،  في حين أنه قيمة مادية بأبعاد روحية فكرية وجمالية. وأريد أن أوضح هنا وأغني تأملاته المكثفة والموجزة والتي تشبه ومضات مشرقة وخاطفة.

   إن طبيعة علاقاتنا بجسدنا خاصة وبالجسد عموما طبيعة معقدة ومتشابكة يتداخل فيها عمقنا الفكري وتكويننا النفسي والاجتماعي والديني.فالأحمق يهمل غالبا جسده حيث تكون هناك شبه علاقة انقطاع بين العقل والجسد وفي أحسن الأحوال علاقة مختلة.. ورجل الدين الراقي روحيا يحرص كل الحرص على نقاء جسده .. والمرأة عامة باعتبار تكوينها النفسي الممتلئ بالأحاسيس تولي عناية خاصة لجسدها .. والرياضي المهووس نفسيا والمحفز اجتماعيا بتحقيق الألقاب يهمه بالدرجة الاولى صلابة جسده وقوته.. وهكذا يتعدد ويتنوع ويتمايز إحساسنا بأهمية الجسد..لكن هذه العلاقة الخاصة لا يتم الكشف عنها بوضوح عندما تخرج إلى مجال التواصل عبر قنوات الإبداع والفكر والفن.. فبانتقالنا بالنظرة إلى الجسد من مستواها الطبيعي إلى مستواها الثقافي تتبدل الأمور.. فقد يضاف إليها كثير من السحر والبهاء ، وقد تتعرض إلى الهجوم والانتقاص لتغدو من أشد أنواع الطابوهات.. فالجسد الذي قد نتحسسه في خلوتنا ونرتعش أمامه لهفة وإعجابا عندما نريد أن نتحدث عنه أمام الآخرين نخجل ونتلعثم وقد ندخل في تناقض مع طبيعتنا فنهاجمه أو نحتمي بشعار القدسية والعفة ونتنكر له.. ولهذا كان لا بد للجسد أن يحضر في الإبداع والفن بحالات وأشكال مختلفة.. ويؤسفني أن أقول إن كثيرا من الأعمال الإبداعية والفنية قد استلهمت ووظفت الجسد بشكل تلقائي وسطحي دون الصدور عن رؤية وموقف واضحين يعكسان وعيا فكريا وجماليا فبالأحرى عمقا فلسفيا. وفي المقابل نقف أمام إشراقات راقية تظهر لنا أن صاحب العمل لم يوظف الجسد كمادة دون أن يفكر في قيمتها وزاوية نظره إليها.

   لقد لامس الفنان يوسف طبيعة حضور الجسد في الشعر وفي الفن أيضا انطلاقا مما يوفره كل واحد منهما من أدوات جمالية وفنية.. فاللغة تميل بنا نحو التامل وتوفر إمكانية للتحليق بالجسد في عوالم روحية ونفسية قد تحطم قيود الزمن والمكان ومنطق الواقع.. وأما الفن التشكيلي فله طبيعة مادية وتجسيدية يظهر فيها الجسد بأبعاده المادية مهما حاولنا إدخال تغييرات عليها. إن إكراهات كل فن وقيوده - عندما تصبح عملية واعية - قد تمكننا من الإبداع في حدود الممكن وتجعلنا نهدف إلى البحث عن بدائل وتوليفات جديدة تخرجنا من الرتابة والاجترار إلى أفق التميز والابتكار. ولهذا قدم لما الصديق الفنان لمحات عن رؤيته الخاصة انطلاقا من تجربتيه الشعرية والتشكيلية.

  أحيانا ينصت الشاعر إلى جسده بصدق ويرى ما تحمَّلَه جسدُه من أجله، فيحن إليه ويصرخ  في وجه كل أشكال العدوان عليه . وقد عبرتُ عن هذه التجربة في إحدى قصائدي بصرخة عميقة:

جسدي أيها القتيل

يا هودج التشظي 

واندحار الفراشات في حقولي

ما الذي للشهداء عني وعن بلادي أقول.

                                     .......

من رماد ضلوعي 

والروح خارجي تشتعل

أستعير البهاء من الحرف 

أشاكس بالحرف عريي وجوعي 

ينمو بأغوار القلب دلال

لامرأة تطير بين فجاج الجمر

لتبني بأغصان جراحي 

أوكارا للألم.

    ترى كيف كان سيتعامل الفنان مع مثل هذا الإحساس والنظرة إلى الجسد؟ 

شكرا صديقي يوسف وقد فتَحَت تأملاتُك شرفة لتأملات أخرى. فكم كنت أصيلا وانت تنظر إلى الجسد كقيمة فكرية وجسدية جديرة بالاحتفاء والتصدي لكل الطابوهات التي تقف بنا عند عتباته وتكبل خيالنا وروحنا عن الغوص في أعماقه بحثا عن الأبدع والأعمق فينا لاقتناص لحظات نادرة.. وشكرا أيضا لدعوتنا إلى الحرص على سلامة وجمال ابداننا لأن جمال الروح من جمال البدن.


  


القنيطرة: 15 مارس 2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق