أبحث عن موضوع

الخميس، 11 مايو 2017

قراءة في قصيدة ( يوحي للموج ) للشاعرة بتول حسن ........... بقلم : اوس غريب / سوريا



أولاً : نصُّ القصيدة :
يوحي للموج
أن يعلو ويهبط
تنقلب موجة على ذراعي
خفر من الملائكة يحرسون الليل
لغة تمسي لحافا"بأطراف مطرزة
وكلمتي تلبس جسد الصباح...
غارقة في آبار المعنى
أتبخر وأتكثف....
أهطل بإحتراف بلا منطاد
على أوراقك..
ينقلب الوقت كما يشاء
ويتلف أعصاب الفضاء
بطائرة ورقية
لا تسرج أخيلة الليل
اتركها حرة على عتبة الوصايا
واعثر على حلم
خاضع للتقوى في سفر السماء
لا توقظ يمامات الكنائس
اكتف بتمشيط الفكرة
كي لا تتلبد الغيوم...
بتول حسن***
5/5/2017
ثانياً : القراءة النقدية :
قبل البدءِ بالنص وقراءته ومن باب الاستطرادِ والحديثِ النافل .
لا أعرف لماذا تذكرت حديث الرسول الكريم " لا نبي بعدي " ولماذا انطبع في ذهني وأنا أرى عمق الرسالة الفنية هنا أن الانقطاع النبوي مقصور على سلالة الذكور
بمعنى ان النبوءات القادمة ممكنة للنساء فقط.
بكل الاحوال نحن امام نصٍ مشغولٍ بإتقان وروية
تتعهده صاحبته وتبنيه لبنةً لبنة ، من خلال بصيرة ملهمة تفيض وعياً ، ومسؤولية ، وحدساً كاشفاً.
تفتتح الشاعرة قصيدتها بقولها :
""يوحي للموج
أن يعلو ويهبط
تنقلب موجة على ذراعي ""
من المفيد أن نذكر هنا : ان الوحي يكون :
غريزيا ويكون إراديا .
إذا أرجعنا حركة الموج إلى هذين النوعين من الوحي
نكون قد ميزنا في الموج بين
نوعٍ يتحرك عفواً واعتباطاً من دون اختيار ، من دون خطة أوهدف ، لا يملك من امر نفسه شيئا لا في وجهته وغايته ولا في طاقته ومقدرته .
والنوع الثاني : هو الموج المختار الذي يسير على هديٍ من إرادته وفق اختياراته ومراده يستطيع ان يسلك الجهة التي يريد ، متحكماً بطاقته
يعرف كيف يتوسلها إلى غاياته ومراميه
والشاعرة تشير إلى النوعين جميعا ، فتجعل نفسها في صعيد الموج المختار متجنبة الموج الذي لا خيار لديه
كما يوحي قولها :
تنقلب موجة على ذراعي
فالفعل انقلب مطاوع قلب فعل متصل بتغيير الوجهة بحيث يصير الخلف اماماً والبطن ظهراً والاسفل اعلى .
تقول الشاعرة :
"" خفر من الملائكة يحرسون الليل
لغة تمسي لحافا"بأطراف مطرزة
وكلمتي تلبس جسد الصباح...
غارقة في آبار المعنى ""
الملائكة هي المخلوقات التي أنشأها الله من نور
والتي تأتمر بأمره فلا تعصيه
أي ليس للملائكة ان تخالف امر الله فلا تقدر أن تتجه وجهة اخرى
فهي مخلوقات محكومة بالضرورة والجبرية
فاقدة للارادة والاختيار
أي إنها من قبيل الموج الغريزي
ذات وجهة محددة لا تقدر ولا تستطيع ان تنقلب او تتحول عنها .
والملائكة هنا حراس وحماة لليل .
لا نقدر ان نمنع أنفسن من السؤال عن ذلك .
لماذا تحرس مخلوقات النور الليل ؟؟؟
لماذا يرجع مجد الليل وعزه وأمانه إلى النور ، إلى الكائنات النورية ؟؟
لِنُعَلِّقَ هذا السؤال الآن ونتابع الشاعرة في مرادها ورسالتها
تقول :
"" لغة تمسي لحافا بأطراف مطرزة
وكلمتي تلبس جسد الصباح
غارقة في آبار المعنى ""
لدينا في هذا المقطع لباسان : اللغة اللحاف ، والكلمة الصباح
اللغة جاءت نكرة واقترنت بجملة نكرات أخرى : لحاف ، اطراف ، مطرزة وهي من قبيل الجمعي
والكلمة جاءت معرفة واقترنت بجملة معارف اخرى
: ياء المتكلم ، الصباح ، المعنى وهي من قبيل الفردي
عرفنا اللابس والملبوس في طرف وبقي ان نعرفهما في الطرف الآخر ، وإذا كان الشيء يظهر بضده
فإن الطرفين هما :
- ما يرتبط بالمعرفة والصباح والمعنى
- وما مرتبط بالنكرة والليل واللامعنى
- قرين الظلمة والنوم (لحاف بأطراف مطرزة ) المشغول بالتزويق والتزيين ، بالوشي والزخرفة
والذي يشكل غطاءٌ لكل الاغطية كما يفيد المعجم في تفسير كلمة لحاف :
" اللحاف والملحف والملحفة : اللباس الذي فوق سائر اللباس
وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به "
هذا هو الطرف الأول .
والطرف الثاني قرين الصباح واليقظة
(كلمتي ترتدي جسد الصباح غارقة في آبار المعنى )
المشغول لا بالتغطية والتزويق والبهرج
وإنما بالحفر والتنقيب والجهد
بالكد والتعب والمثابرة .
هما طرفان إذن
احدهما يراكم الاغطية فينتقل من خفاء إلى خفاء حتى يبلغ اللامعنى ويحوطه بالنوم : ليل الجبرية بالمتخفي خلف حراس النور وزخارف البهرج
وطرف يراكم الكشف فينتقل من جلاء إلى جلاء حتى يصيب المعنى ويحيطه بالانتباه : نهار الاختيار المتكشف بالبحث والعمل والحفر والجهاد .
طرفٌ تحمله العفوية ، والغريزة ، والضرورة ، والتلقائية ، فلا يملك إلا الجبرية والوجهة المقدرة المحددة
وطرف تحمله الارادة ، والعقل ، والاختيار ، والخطة ، فيملك ان يتجه حيث اراد
طرفُ الزخرفة ، والوشي ، والكذب ، والنوم .
وطرف الحفر ، والتنقيب ، والصدق ، والصحو .
تقول الشاعرة :
"" أتبخر وأتكثف....
أهطل بإحتراف بلا منطاد
على أوراقك ..
ما نزال نتحرك في سياقات الطرفين ونتنقل في أطوارهما
هنا تدلنا الشاعرة على منطق تحولاتها الذي لن نفهمه إذا لم نتذكر الموج الاعمى ، و الموجة البصيرة
الموجة التي غادرت مع ذراع الشاعرة عفوية الضرورة وحركتها العمياء ذات الوجهة الأحادية
الموجة التي اختارت الرحلة المبصرة والحركة التعددية ذات الخيارات والإمكانات
وحتى نفهم هذه التحولات أكثر لنتذكر الآبار التي تركت الشاعرة لاجل احتفارها النوم بكل ما يرتبط به من بهرج وزينة تركت اللغة ومنطق الجماعة الملفع بالاغطية والخفاء وانواع الأقنعة عرفت أنها بالليل والنوم لن تصحو على غير اللامعنى والضياع
فاختارت اليقظة والجلاء ، اختارت جسد الصباح المشغول بإبرة البحث والكد والجهود المضنية لكي تنتهي إلى المعنى وإلى الهدى والأمان
الآن و بعد هذه الرحلة المضنية بكل تقلباتها وتحولاتها من تبخر وتكثف ، من علو وهبوط من غوص وغرق في آبار المعنى الآن يمكنها أن تنزل بل تهبط بأي شكل تريد مطراً أو ثلجاً أو بَرَداً
أي يمكن أن تكون بشكل ماء سائل أو ماء مجمد
فهي قرينة التنوع وربيبة الاحتمالات
الإختيار ديدنها منه بدأت ومعها سارت وإليه تنتهي
هكذا بالاختيار ورحلة التحولات التي انبثقت منه
ملكت الشاعرة المهارة والبراعة
ملكت الاحتراف الذي يجعلها تهبط لا كالمنطاد
لأن المنطاد يفقد حين الهبوط القوة التي بها ارتفع
فالغاز الذي رفعه عليه حتى ينزل ان يفرغه
والمنطاد من جهة أخرى شديد التأثر بالعوامل الجوية كاتجاهات الرياح والأمطار والعواصف
تشكل هذه العوامل خطرا جسيما عليه يمكن ان يتلف بها بسهولة
المنطاد لا يملك ان يحمي رحلته في الصعود والهبوط ليس له حرفية المكابدة وتجربتها الثرى.
تقول الشاعرة :
""ينقلب الوقت كما يشاء
ويتلف أعصاب الفضاء
بطائرة ورقية ""
الوقت هو المرجع الاكثر اهمية على الإطلاق في حياة الجميع الوقت هو امر فاصل في حياتنا
هو اداتنا في ترتيب ومعرفة الاحداث التي جرت وتجري وستجري
به ومن خلاله نقوم بربطها وتنظيمها واستثمارها بل وخلقها
فما هي الأحداث التي صارت تحت يدها
أخرجت الشاعرة من آبار المعنى درة الباحثين ومن التنبه واليقظة جسد الصباح
احرزت الشاعرة طاقة التحول ، فعل الانقلاب
فصار بإمكانها أن تتعامل مع الوقت وتتكيف مع شروطه وصار فضاء الليل الذي يحرسه النور الجبري
نور الضرورة والانقياد الأعمى أن يسقط ويتداعى ويهوي بطائرة من ورق
لعبة اطفال تستطيع أن تجعل هذا الفضاء والأعصاب التي تغذيه أتلوفة
تريد الشاعرة ان تقول لكي تملك فضاءك كن مختارا واخرج من نوم الطاعة والانقياد الأعمى
وإلا لن تكون سوى ألعوبة بيد الهلاك والعبث والضياع
وحتى تفصل بصورة اجلى هذه الرؤية اختتمت نصها بالقول :
" لا تسرج أخيلة الليل
اتركها حرة على عتبة الوصايا
واعثر على حلم
خاضع للتقوى في سفر السماء
لا توقظ يمامات الكنائس
اكتف بتمشيط الفكرة
كي لا تتلبد الغيوم ""
تبين الشاعرة بعد رحلتها المضنية مع الاختيار المسؤول وحهاد الخلاص طريقة النجاة
لا ينتهي الشر بالإلغاء والقتل ينتهي بتمكين الخير وإطلاق يده
لتكون الحرية وتفريغ المجال أمام النفوس الممتلئة ولتكن الوصايا أمام الجميع
أخيلة الليل
أخيلة التقوى
مراد الناس ومصالحهم الضيقة في الطغيان والنهب
ومراد الله ومصالحه العليا في حفظ الحياة والنسل والعقل والدين والمال
هذه الحرية التي لا تسمح لشعر الفكرة ان يجمد ويتلبد ويلتبس ، لأنه يتمشط ويتفكك ويتحلل ويسرح تتخلله أصابع الوقت فيظل جديدا
الجدة التي تحاصر التأويل الأحادي الاحتكاري
تأويل الليل وملائكته والنوم ومزينه
تأويل الجبرية الذي يلبد الحياة فتنكمش وتجمد وتستعصي على جسد الصباح وأشعته
عندها ما من خطر محدق ولا نهاية مفجعة
فلكل خيارته وسبيله في التحقق
موهبته مصانة وطريقه سالك
لا تهدده العبثية ولا يغلقه الاعتباط ولا تطيح به بهارج النوم والغفلة
يماماته آمنة وشمسه منتشرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق