أبحث عن موضوع

الأربعاء، 5 أبريل 2017

لمناسبة رحيل عراب النقد الادبي الحديث رولان بارت............ بقلم : جميل الغالبي // العراق



يمكن القول ان رولان بارت هو من اكثر النقاد جدلا لما له اثر كبير في التاثير على القراءات النقدية
عبقرية بارت حسب فهمي القاصر تكتسب اهميتها عبر الرؤية الكونية له اي الانزياح الكبير والتجرد الكبير رؤية كونية تنتمي الى الادب المجرد
بل القراءات الكبيرة
ولعل من اسباب هذا هو القراءة الواعية الى التراث العالمي
ومنها قراءته الواعي الى عبد القاهر الجرجاني وخصوصا نظرية النظم
وهذا الامر ينحسب على ناثر في القرطاجي
وكذا توقفه على المسرحي بريخت
ليس هناك شك بأن للقراءة لذة لا يوجد سبب يدعو لإنكارها أو تغييبها وعلى الرغم من أن الكثيرين يتذرعون بأن هذه اللذة حكر على النخبويين فلا يزال هناك وكما لمَّح أحد الأصدقاء في معرض نقاشنا اختلاف و تمايز بين اللذات مع استثناء لعنة ((الليبيدو ))الفرويدية - إذا صح التعبير- في هذا السياق.

عبر العصور احتلت قيم وكواليس الفن البرجوازي خيالاتنا و قسَّمت اللذة إلى كانتونات لا يمكن لنا التعبير عنها إلا ضمن حرم هذه الكانتونات وخصوصاً تلك التي تصف فن الحياة والاستعداد للموت بطرق ومفاهيم المجتمعات البشرية.‏
حسب كتاب (موت المؤلف) للناقد الفرنسي رولان بارت والذي يتحدث فيه عن أقانيم ثلاثة تشكل الطريق التي تقود إلى لذة النص وهي: مفهوم النص ومفهوم الكتابة و مفهوم القارئ أو القراءة. ربما يكون ما توصل إليه بارت ليس جديداً بكل معنى الكلمة إذا ما قرأنا بعناية ما ورد في بعض المراجع العربية وأبرزها نظرية النظم عند الجرجاني والملامح النقدية عند القرجاني وابن الأثير الموصلي، لكن الشيء الجديد الذي يقدمه بارت هو إعادة قراءة معنى النص. ويكاد يكون المسرحي والأديب الألماني برتولد بريخت أول من أوحى لرولان بارت للولوج ولو نظرياً في المعاني المتناثرة للذة، فارتكزت الدراسات التي قام بها الناقد الفرنسي الشهير على اكتشاف اللذة السيميائية للغة وليس فقط أبعاد معناها ولعل السبب في اهتمام بارت بهذا الجانب يعود للعام 1952 حيث أقام في المركز العالمي للبحث العلمي Centre National de la Recherche Scientifique لمدة سبع سنوات درَس خلالها علم اللسانيات وعلم الاجتماع.‏
ما معنى لذة النص وهل يجب أن يموت المؤلف؟‏
لذة النص هي قراءة شاعرية للنص تتجاوز المعنى المتفق عليه والقراءة الشرحية كما يقسمها الناقد ترودوف عند تقسيمه القراءات للنصوص الأدبية .فكل نص عند بارت يقوم على حياكة لغة مكتوبة تفرزها العلامة اللسانية. و لكل نص أدبي مكتوب مظهران مظهر سيميائي مؤلف من الحروف الدالة على الألفاظ والعبارات ومظهر معنوي وهو الجانب المتصور في الذهن كما سماه عالم اللغة اللساني دو سوسير.‏
بالعودة إلى كتاب بارت الشهير (موت المؤلف ) يشرح الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه (نقد وحقيقة ) أن مقولة موت المؤلف لا تعني إلغاء المؤلف نهائيا بقدر ما هي عملية تحرير النص من سلطة المؤلف وخضوعه للقارئ أي عملية عقد قران بين النص والقارئ ومن ثم الاستفادة من خبرات المؤلف في مباركة هذه العلاقة، وهذا يحتاج إلى قارئ جيد ومثقف لكي يفهم ما كان يعنيه المؤلف ولو بشكل عام. ولكي لا ينفر القارىء من الكتابة فيعتبرها حالة معقدة لا يمكن فهمها إلا بدراسة أبعادها فإن بارت يعرفها على أنها : ((ليست شيئاً سوى بقايا الأشياء الفقيرة والهزيلة للأشياء الرائعة والجميلة في داخل كل منا….)).‏
يعتمد بارت في بحثه على حالات بيبليوغرافية لا تختلف كثيراً عن الشكلانية الروسية وفنيات التلقي إنه يدور في فلك الكتابات المطولة ومن ثم يتوقف عند ما هو أكثر أهمية متقاطعاً في معظم الأحيان مع ما يقوله الكاتب روث غروسريشارد: (إذا كان من اللازم توصيف العمل المبدع سنقول بسرور كلّ صغير جميل).‏
ويقول بارت: (يبدأ النص غير الثابت.. النص المستحيل مع الكاتب أي مع القارئ) فالقراءة تجعل المكتوب آفاق لا تتوقف عند حد، تجعل المكتوب يصوغ من نفسه الكثير من المعاني ويدور حتى تتحول كل بداية فيه إلى بداية لتصور جديد.. إن النص بداية مفتوحة تكتب وتقرأ وربما هنا تكمن اللذة.‏
أكثر من (برنوكرافيا)‏
في كتابه لذة النص يحاول بارت - وأشدد هنا على معنى كلمة يحاول- إعادة تعريف الأنواع الأدبية الثابتة من خلال المزج بين تقنيات القراءات المتعددة للنص الأدبي ومن خلال بنيوية تشكل تشاركاً محيراً ومفتوحاً في كافة الاحتمالات وذلك لنسف القيم البرجوازية الكانتونية التي تم الإشارة إليها آنفاً.‏
فالكلام عن أن الجمال يكمن في عناصر تشكل في مجملها حالة حسية واحدة ونتيجة واحدة - كما يذكر أرسيني غوليكا في كتابه( الفن في عصر العلم)- كلام غير دقيق ولا يعبر سوى عن انطباع النملة عندما تدخل بلاط فيرساي، فهو يسخر من أحادية الرؤية عندما وقعت في يده صورة جيروم الأخ الأصغر للقائد نابليون بونابرت فتأمل بارت في وجه جيروم ثمّ قال:‏
( إنني أرى العينين اللتين شاهدتا الإمبراطورية).‏
رولان بارت خرج في كتاباته عن مفهوم المصور وثقب الكاميرا الصغير لاعتقال اللحظة الهاربة والإمساك بما يريده من مشاهدات وفق معرفة بصرية لا تنفصل عن عموم الثقافة بمعناها السلطوي، لقد أراد أن يروي لنا حكايات أخرى نكتشف من خلالها سيرةً أخرى للضوء بوصفنا متلقين ومتفرجين، وربما أراد منا أيضاً أن لا نتجاهل الستوديوم (كلّ جزئيات المفهوم ) و أن لا نتناسى فكرة الوخز الذي لا يتفق عليه سوى البعض القليل والذي لا يزال يدافع عن مشروعه الذي أدان فيه جمود النص واحتفى حتى هذه اللحظة بموت المؤلف .‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق