أبحث عن موضوع

الخميس، 16 مارس 2017

قراءة في قصيدة ( فستان تيروس ) للشاعرة إيمان موصللي.............. بقلم : أوس الغريب / سوريا



 " من أي منفى جاء هذا الحزن كله "
اولاً : نص القصيدة :

" من ايّ منفى جاء هذا الحزن كلّه
وانا لا زلت هنا
فقدت اصابعي حين اقتلعت النمش
من على وجه الحلم
كيف امشي على سطح الماء
وكل الاساطير التي انجبتني
هجرتها الآلهة
سرقوا الأرجوان من كل صدفة
لن تحظى تيروس بفستانها الموعود
ولن اداعب وجهك المقمر على شواطئ شمرا
ايا ربّة الخصب ازرعيني تحت جناح قبّرة
اخاف الغرق في تلك المقبرة

#الدمشقية
إيمان موصللي

ثانياً : القراءة :
وأنا أتأمل في هذا النص ،وأقلّب طرفي في أنحائه ؛ باحثا عن الخيط الجامع ،والإطار الناظم ، وجدتني داخل اسوار اللامتناهي
فالزمن يمتد في الماضي ويمتد في المستقبل إلى غير نهاية ، لذلك اخترت الحاضر لحظة الخلق الشعري أتبين فيه ومنها حقيقة ما يجري وأبعاده وسره .
تقول الشاعرة في فاتحة النص :
" من أي منفى جاء هذا الحزن كله
" وأنا لازلت هنا "
لماذا ربطت الشاعرة بين الحزن والمنفى
هل تريد ان تبرّأ الوطن من تهمة شيوع الحزن واستغراقه وتغوّله؟
لماذا يكون سبب الحزن أجنبياً؟؟
ولماذا هي مستهدفة بالاقتلاع ، من يريد أن ينتزعها من تربة الوطن حتى لاذت بالدعاء ليغرسها فيه
" وأنا لازلت هنا " فنحن نعرف ان لا مع الفعل الماضي تفيد الدعاء .
للحزن صلة بالحسرة والحرقة ، بالشجن والغم ، بالغصة والكرب واللَّهَفِ .
للحزن صلة بغياب الفرح ، بغياب البهجة والسرور والطرب ، بغياب الغبطة والجزل والحبور .
وله صلة بالتهجير والتشريد والطرد والنفي
والحزن هنا كامل جاء بجميع افراده ، لم يتخلف من عناصره أحد " الحزن كله" .
ما سرُّ هذا الحزن ؟؟ المتصل بالغرباء ، بالمنفى باقتلاع السكان من اوطانهم، ولماذا يتكثّرُ المنفى فيصير منافي .
"أي منفى " .
منافٍ كثيرةٌ وحزنٌ كثير وأنت تتمسكين بالوطن وتعيذينه من شر الحزن !!

" فقدت أصابعي حين اقتلعت النمش من على وجه الحلم :
الحلم يقابل الواقع كما تقابل اليقظة النوم ،
ونحن مستهدفون في حلمنا ، كما استُهْدِفْنا في واقعنا ، تريد لوجه حلمها أن يكون صافياً ، ويريدونه كدِرَا ً، فإذا تعارضت الإرادة بينها ، وبينهم وبلغ التعارض تمامه ، فهي تريد صفاء كاملاً لا نقص فيه " اقتلعت النمش " تريد ان تستأصل النمش وتجتثه ، وتبتره ، فيبترون أصابعها ، ويجتثونها ويستأصلوها.
نحن امام ضدية كاملة ، يترصد الكدر الكامل الصفاء الكامل في الواقع ، وفي الحلم .

" كيف أمشي على سطح الماء
وكلُّ الأساطير التي أنجبتني
هجرتها الآلهة "

المشي على سطح الماء أمر خارق للعادة لا يمكن إلا بمعجزة أو أسطورة .
وهي امور متصلة بتجسيد القوة من جهة وبالغيبيات من جهة أخرى .
لكن الأجساد أصبحت آنية فارغة بعد أن خرجت منها القُوى ، او الآلهة .
والقوى ، و الآلهة ليسوا هنا ليسوا معها وإن كانوا بمثابة آباء لها وجدود . "وانا لازلت هنا ، كل الاساطير التي أنجبتني ، هجرتها الآلهة "
إذن فالحزن الذي تسببت فيه الهجرة وأوقعه المنفى لا يقتصر على استهداف وطنها السفلي فيستهدف وطنها العلوي ، إنه يطاردها من الواقع إلى الحلم ومن الشهادة إلى الغيب .
عرفنا الأطراف المتصارعة حتى الآن ، الطرف الذي يسبب الحزن ويريده كاملا مطلقا والذي يسبب الكدر ويريده كاملا مطلقا مع الطرف الذي يريد فرحا كاملا وصفاء كاملا .
عرفنا أيضا عدم التكافؤ بينهما حيث ارتفع الفرح من الواقع بشيوع الحزن .
وارتفع الصفاء من الحلم بقطع الأصابع التي تريده .
هل نستطيع ان نقول : أن ما يسبب الحزن هو الكدر ، هو التلوّث والعَكَرْ ،
ومايقتل التوطين هو النفي والطرد الإقصاء والإبعاد والتهجير والتشريد .
ولكن كيف نتبين هذه العلاقات السببية على نحو أجلى ؟؟
هل فيم بقي من النص جواب ؟؟ لنر:
تقول الشاعرة :

" سرقوا الأرجوان من كل صدفة
لن تحظى تيروسُ بفستانها الموعود
ولن أداعب وجهك المقمر على شواطيء شمرا "
هنا وحتى نتبين مراد الشاعرة نحتاج إلى استحضار قصة الحورية السورية " تيروس" التي أغرم بها هرقل .
ونستحضر من جهة أخرى قصة ذلك الصبغ الأحمر " الارجوان"
تيروس حورية سورية أُغرم بها وأحبّها هرقل الجبار ، فكانا يجتمعان على الشاطيء ويتساقيان كؤوس الغرام ، وفي يوم وتيروس على الشاطيء تنتظر حبيبها أقبل عليها كلبُها وعلى فمه لون غريب ، راحت تتأمله وتدقق فيه فهالها جماله وجاذبيته ،
حتى إذا جاء هرقل أبعدته عنها بغنج وقالت : لا حب بيننا ولا لقاء حتى تحضر لي ثوبا من هذا اللون
راح هرقل يبحث عن اللون في الأصداف ، فيستخرجه ، ويجمعه ، حتى إذا تم له مايكفي صنع لحبيبته الثوب ، واقبل إليها جذلا .
هذا اللون يُسمى بالأحمر الملوكي والأرجواني الامبراطوري وهو صبغة مقاومة للقلويات والصابون ومعظم الأحماض ، مستقرة إلى حد بعيد ، لا تذوب في المذيبات العضوية ، أول من استخدمه وعرفه أهالي اوغاريت ثم عمم سكان صور استخدامه واشاعوه جعله الفينيقيون شعارا لمدينتهم لما حققه لهم من ثراء ورغد عيش
وجعله الرومان رمزا للقوة فكانت جنرالاتهم ترتديه
وبلغ من الروعة والعظمة أن نيرون كان يعدم من يرتديه ويصادر ممتلكاته .

نعود إلى النص : تقول الشاعرة :
" سرقوا الارجوان من كل صدفه "
من الذي سرق الأرجوان ، وحرم استخدامه ، وهو عزة الدول " الرومان " وشعار الامن والرغد والثراء " الفينيقين " وهدية الحب والعشق والغرام " تيروس وهرقل "

سرقه نيرون ليس نيرون الروماني وإنما كل نيرون ، سرقته السلاطين التي احتكرت الثروة والقوة ، الرغد والعزة ، من سرق الوطن سرقه ، وهو غريب وإن كان مواطنا ، اجنبي وإن كان أصلياً ، لأن من ينفي العزة وينفي الثروة وينفي الفرح عن وطنه ليس مواطنا .
الآن وبعد أن استوفينا مضمرات النص ، وأبرزنا ما غاب فيه ، بقي أن نتأمل في خاتمته ونحكي خلاصته .

تقول الشاعرة :
" أيا ربة الخصب ازرعيني تحت جناح قبرة
أخاف الغرق في تلك المقبرة "
القبرة والمقبرة ؛ لماذا تستخدم الشاعرة نفس المادة في دلالتين مختلفتين ؟ ما الذي تريده ، وإلام تتطلع ؟
الاشتقاق والتحويل جعل القبر قُبّرة ، هل تريد الشاعرة أن تؤكد على هذاالامر ، أن تسلط الضوء على قوة الاشتقاق والتحويل
فتبين جوهره المبدع الذي يحيل القبر عصافير مغردة ً .
لماذا تستعين بربة الخصب ولماذا تتوسل بالفعل زرع ، لماذا لم تستخدم صنع
هل في ذلك :
دلالة طبقيه : ترى أن الفلاحين ، أن العاملين في الأرض هم من يستطيعون التغيير .
أم فيه دلاله حضارية : فارادت ان تعود بالزمن إلى النقطة التي انحرف فيها عن وجهته ، وهي النقطة التي خرجت فيها مركبة التصنيع عن جزورها الطبقيه فتحولت من استثمار للارض وموادها الخام إلى استنزاف وهدر وتربح لا بصر فيه ولا بصيرة تريد إعادة ربط التصنيع بالأرض لتعيده إلى الاستعمار والبناء والتقدم إلى التوزيع والعدالة والمشاركة بعد ان صار خرابا وهدرا واستنزافا
ام فيه دلالة نفسية وهي شدة تعلقها بالوطن حتى أحبت أن تنغرس في ترابه وتتماهى مع جزوره فترفعه وتطير به تغريدا واحتفالا
لماذا أغفلت هرقل الجبار فقرنت بين غيابه وخيبة تيروس ولماذا وحدت نفسها مع تيروس فجعلت الخيبة تمتد من عصر اوغاريت " شمرا " إلى اليوم
هل تريد ان تقول : التغيير غير ممكن بدون أبطال ؛
وان البطولة لا قيمة لها من دون حب.
هل تريد أن تقول : إن هؤلاء الأبطال هم عزة المدن ، هم اسباب الرغد ، هم حراس الثروة ، هم موت الجبروت وإنهاء التسلط والاحتكار ، هم سدنة الصفاء وإيقاف الكدر ، هم أمناء الفرح وطاردي الحزن ، هم الذين يملؤن آنية الأساطير بالقوى والآلهة فيعيدون مجد العالم ، هم الذين يحمون أصابع الحلم ويمكنونه من إشاعة النقاء والصفاء والوضوح هم من يجلبون لتيروس فستانها ولإيمان موصللي وطنها وقمرها الكامل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق