أبحث عن موضوع

السبت، 9 يوليو 2016

قراءة في نصي د: سجال الركابي "يوم فاضَ المِسكُ "و" عيد العويل" .................. بقلم : شاهين دواجي / الجزائر




( يوم فاضَ المِسكُ) / د. سجال الركابي
تنزّلوا بينَ أفواجِ الفرحِ
يتموّجون بين
كركرةِ الأطفال
رضا الأمّهاتِ
موْسقةِ الهاتفِ
الحبيباتُ يبتسمن بحياء
الحريرُ يُزهرُ عِطرَ مِسكٍ خاشعٍ
...
...
قفلوا صاعدين
كانت أجنِحَتُهم مُحنّاة
وكانوا يبكون.... ...
.......................
.......................
هكذا فاضتْ دموعُ الملائكة
في الكرّادة
قبلَ مطلعِ الفجرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عيد العويل / د سجال الركابي
الحزنُ قضم عبير الأمل
تعال نبكي على صدر عيد العويل
لماذا كلّما قايضت أحزاني
بشبح ابتسامة
كانَ ربحي تلُّ وردٍ مُتفحِّم؟!!
خُلِعَ قلبي... مكانه؟
فراااااااغ ٌو غضبْ

- اليوم نحن أمام نصّين من أحدث ما كتبت د: سجال نصّان بلون السّواد والحداد والقتامة والدّماء .... رثائيّتان لضحايا الكرّادة الذين اختاروا جنّة الفردوس فرارا من هذا العالم الشّقي بالحروب والتّعصّب المقيت . لن أختار ظاهرة أدبيّة – كعادتي في التّعامل مع النّصوص ولكنّي سأشير الى العبق و الدّم الذان خلّفهما شعر هذه العراقيّة .
- وقد يعجب ذكي حين قرنت النّصّين في قراءة واحدة - والتشكيلات الشّعريّة تختلف "جينيّيا" بطبيعتها – فأقول إن المتفرّس في النصّين يصعب عليه أيجاد الحدّ الفاصل بينهما لأنّهما نتاج انفعالٍ واحدٍ ودفقٍ شعوريٍ متّصل بمأساة الكرّادة حين قتلت البراءة وهي تنتقي أثواب العيد .
1/ يوم فاضَ المِسكُ :
- تختار الشاعرة عنوانا ذكيّا لنصّها حين تترك الباب فيه مفتوحا للتأويل ليبقى أجل جفاف دموعها غير مسمى .... فمن النّاحية التركيبيّة نستطيع أن نقدّر محذوفًا احتفظت به الشاعرة لنفسها إذا أقحمنا الشرطيّة في اِسم الزّمان " حين " بهذا الشكل :
- كنت هناك ــــــــــ يوم فاضَ المِسكُ
- بكيتُ ــــــــــــــــــ يوم فاضَ المِسكُ
- الكارثة ــــــــــــ يوم فاض المسك
*وهكذا
- ومن جهة أخرى تعطي الشاعرة للدّم الزكيّ الذي أُريق في الكرّادة صبغة رمزيّة منفتحةً على عدّة حقول حين تجعل المسك معادلا موضوعيّا لهذا الدّم ...: - فالمسك يعرف في الذاكرة الجمعيّة بالطيبة والاناقة
- وفي الذاكرة العربيّة بأنّه دليل السؤدد والشرف وما أكثر ما تفاخرت العرب في اِستجلابه
- وفي الذاكرة الدينيّة هو سنّة نبوية في المناسبات والأحاديث فيه مشهورة.
- وإذن : ففي العنوان حكمت الشاعرة للشهداء بالشرف والجنّة وهذا من أجمل العتبات النصيّة التي لا نلاقيها إلّا نادرًا .... حين يعطيك الشّاعر معانيه بنظام السّقي قطرة قطرة .

- في هذا التشكيل تدعُ الشّاعرة القلم وتمتشق ريشتها لترسم لنا تفاصيل التفاصيل في هذا اليوم المشؤوم فنحس أنّنا – كقرّاء - ضمن هذه الجحافل من أهلنا في العراق التي نزلت الى السوق .... أو بمعنى لآخر تعطي الشّاعرة الانطباع انّها على متن " تاكسي " تلاحظ بعدستها ما يجري في هذه التّجمّعات الاقتصادية....
- ينزل العراقيّون زرافات ووحدانًا الى حتفهم ...شقاوة الأطفال ومرحهم أمام أعين ذويهم ... يتبادل الشّباب والشّبات أخر الموسيقا والرّنات في هواتفهم ... ويستغلّ البعض هذه التّجمّعات ليلتقط بسمة أو نظرة حبّ من عينيّ حبيبته التي يأمل الخلوة بها وتمنعه أعين ذويها فلا يعود من هذا التّجمّع إلّا ببسمة "حَيِيَّةٍ " يطفئ بها لاعج الحبّ الذي يشتعل في أحشائه.....
*تنزّلوا بينَ أفواجِ الفرحِ
*يتموّجون بين
*كركرةِ الأطفال
*رضا الأمّهاتِ
*موْسقةِ الهاتفِ
*الحبيباتُ يبتسمن بحياء
*الحريرُ يُزهرُ عِطرَ مِسكٍ خاشعٍ
- من هؤلاء من أنهى قضاء حوائج ملائكته ومنهم من قضى نصفها ومن هم من اٍكتفى بالنّظر الى ما يعرضه الباعة ..... لا بأس أمامنا يومان على العيد ...
- حان وقت الأوبةِ إلى البيت ....
*قفلوا صاعدين
- وفجأة ....
- تتطاير ملابس العيد في عتمة الحقد البغيض والهمجي وتنتثر أشلاء الملائكة في الفضاء البعيد وتتلوّن السّماء بلون الواد القاتم والحداد وتتلوّن الأرض بلون الحمرة ....
- هناك من لا يريد للملائكة ألّا تلبس ثوب العيد ... هناك من لا يريد للعامل البسيط الذي فرح بقبضه المرتّب - فخصّص نصفه لحلوى العيد – ألّا يصل إلى البيت فيفرح الأبناء وتتغنج الحليلة بابتسامة الحياء أمام الأولاد .... هناك من لا يريد للأمّهات العراقيّات ألّا يبرحن ميدان العويل والنّحيب على الزوج والأخ والإبن .... هناك من يريد الفجيعة لحسناء عراقية فيخطف منها خطيبها وقد وشوشها يوما حين ألبسها خاتم الخطوبة : سأهديك وشاحًا من حرير وقارورة مسكٍ في هذا العيد هههه وسيكون لنا أولاد كثيرون ...هناك من يريد أن يمحي العراق فقد ضاق ذرعًا أن تولد الحضارة من خاصرته فيعلم الدنيا كيف تصنع طائرة الورق للأطفال وكيف تفجّر الذّرة في معامل البحث ...
*هكذا فاضتْ دموعُ الملائكة
*في الكرّادة
*قبلَ مطلعِ الفجرِ
- نعم قبل الفجر... والقرآن يقول :" سلام هي حتى مطلع الفجر " يا شهداء الكرّادة تقول لكم هذه العراقيّة تصعدون في سلام الى جنة الفردوس وتصلون قبل الفجر فإنّ أرواحكم من الخفّة بحيث لا تنوء بحملها ملائكة الرحمن
- سلام عليكم حين خرجتم وحين رحلتم وحين بكيناكم .
2/عيد العويل:
- في هذا النصّ تكمل د: سجال أحجيتها فيما اِنتابها بعد المجزرة لهذا رأيت الجمع بين النصّين كنصّ ملتحم من حيث الزّمنية ..
- تعبّر الشاعرة في هذا التشكيل عن حزن عميق وخيبة امل عرمة من هذه الحيات التي لا يؤمن جانبها والتي يمكن أن تلد كل ما هو كارثي كيف لا وقد سارت نفوس زكيّة الى حتفها وحزنها في الوقت الذي كانت تشتري فيه فرحةً اِشتاقتها بفعل الحروب والدماء ...
*الحزنُ قضم عبير الأمل
*تعال نبكي على صدر عيد العويل
*لا حيلة مع هذا الشّرّ إلّا الإنزواء في ركن والبكاء
- ثمّ يأتي أجمل سياق في هذا التّشكيل وهو عبارة عن أسئلة وجوديّة تذكّرنا بأسئلة " كامو " وسارتر " عن الموت والفناء والسّعادة وسبل الوصول الى نشوة الروح والخلود والقدر وتصاريفه :
*لماذا كلّما قايضت أحزاني
*بشبح ابتسامة
*كانَ ربحي تلُّ وردٍ مُتفحِّم؟!!
*خُلِعَ قلبي... مكانه؟
- لماذا تفرّ البسمة من على شفاه العراق؟ ولماذا تعاديه الفرحة ؟ لماذا يشتاق العراق شبح اِبتسامةٍ لا الإبتسامة كلّها ؟ هل العراق موعود بالحزن كما وعد ت فلسطين بالنّفي ؟
- لم يشتر أهلنا في العراق في ذلك اليوم المشؤوم أثواب العيد بل فحما ليزيدوا من تفحّم جثث أبنائهم : لماذا كلّما قايضت أحزاني
*بشبح ابتسامة
*كانَ ربحي تلُّ وردٍ مُتفحِّم؟!!
*خُلِعَ قلبي... مكانه؟
- أذا كانت دعوة الشّاعرة في بداية هذا التشكيل حيلة العاجز :
تعال نبكي على صدر عيد العويل
فإنّها وصلت في نهاية هذا التشكيل إلى نتيجةٍ خطيرةٍ :
*فراااااااغ ٌو غضبْ
- فراغ في الروح والوطن والسّياسة والضمائر الطّائفيّة
- وغضب في نفوس البسطاء من أهل العراق حين صارت الأشلاء وقانون الغاب شيئا طبيعيّا في حياتهم وهم الذين أهدوا العالم أول قانون ينظّم حياة البشر .
- لن أخرج من هنا قبل أن أشير إلى الزخم المعجمي الذي وشّحت به الشاعرة نصّيها وهو زخم يشي بتمكّن من اللغة الشّعريّة من حيث مناسبته للغرض العام في الرثائيّة وكذا تناغمه مع لحظات قنص الرّؤية والفكرة وأخيرا ملاءمته للحظة الدفق العاطفي ولن أدلّل على هذا فكلّ مفردةٍ من مفردات هذين التّشكيلين مضمّخة بلون السّواد والحداد
- ختاما لابدّ من الإشارة إلى تمكّن الشاعرة من بلوغ الغاية في الفعل النصّي حين " ذَيَّتَتْ" قصيدتيها فأجبرت الذّوات على الإنفعال لها والتّعاطف معها وهذا مردّه الى التصويرية الواقعيّة التي تكلّمنا عن طرف منها أول البحث .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق