أبحث عن موضوع

السبت، 16 يوليو 2022

المواجهة / قصة قصيرة ........... بقلم : على حزين - مصر






أكلني الصقيع والانتظار وأنا أشعر بالوحدة والفراغ والملل لا شيء في رأسي يدور لا شيء إلا الصمت ومراقبة القطارات القادمة من بعيد لعلها تأتي بجديد ولكن هيهات ...
لا شيء هنا أفعله سوى الانتظار واجترار الذكريات .. أسترجع كل سنين عمري التي مرت أمام عيني سريعة كالقطار أحاول أن أُراجع مع نفسي ما حدث , وأعيد ترتيب حساباتي من جديد وأنا أراقب من النافذة السماء, والقطارات القادمة من بعيد وأنتظر لعلها تأتي وتجيء تحمل شيئاً, ولكن هيهات , ........
لا أحد يأتي ليسأل عني , لا أحد يحبني , أعرف ذلك جيداً.....
أنا بخير , نعم أنا بخير , وما زلت على قيد الحياة, آكل , أشرب, أتنفس , وما دمتُ كذلك لا يهم , فليذهب العالم كل العالم جميعا إلى الجحيم , فالعالم كل العالم , لا يعني لي شيئاً ......
" الكل في هذا الزمان ـ إلا من رحم ربي ـ يحب النفاق , وأنا لا أحب النفاق فما المشكلة إذاً الكل يحب مصلحته, فمن الطبيعي لا يحبني أحد , حتى أنتم لا تحبونني بل تحبون أنفسكم ، وتسلون قتكم وفقط , أنا أسف سامحوني تلك هي الحقيقة , " ...........
لا شيء إطلاقا أنا بخير, لا شيء, فقط شيء وأحد أسمعه وهو يرن في أذني الأن , صوتها ,
أحاول أن أصم أذني , أتجاهل كل شيء أمامي , أنهض مسرعاً أصنع كوباً من الشاي , أشعل سيجارتي الأخيرة , يعود صوتها من جديد , وهي تقول لي :
ــ أنت على فكرة مريض ؟!! ..
أنا الأن أمر في حالة نفسية يرثى لها, صدقوني , حالة صعبة , حزن شديد, واكتئاب حاد , فعلياً أنا الأن منعزل تماماً عن العالم , لا أحد يكلمني , ولا أكلم أحد إلا الجدران , ولا أحد يهتم بي , فقط الفراغ , والعزلة هما أصدقائي هنا ,
" الحياة تشبه القطار الكبير ونحن فيه راكبون , نقابل ناس ، نعرف ناس, نودع ناس، نحب ناس, نكره ناس , وننتظر ناس, ولا أحد يأتي , ولا شيء يبقى على حاله، الكل يتغير , والكل يتحول وتلك سنة الله في خلقه والحياة تدور, وتتغير , والتغيير سنة الله في الحياة "...
يأتي صوتها من بعيد مرة أخرى يملأ المكان , ويصرخ في وجهي :
ــ من قال لك أنك سليم .. أنت مريض .. أسمعت ...
عشرون عاماً مضت أو يزيد وهي لا تكف عن هذا الهراء , عشرون عاماً وهي تقول نفس ذات الكلام, عشرون عاماً وهي لا تتراجع عن قولها هذا , وهي تراني هكذا " أنسان مريض ويجب أن أتعالج".. وتصر على ذلك, وفي كل مرة كانت تقولها كنت أضحك , وأسكت , ولكن هي لم تسكت , أنا كنت أراها تبالغ , تمزح معي , وتضحك , لكن هي لم تمزح وكانت تصر على قولها ...
" الكتابة الشيء الوحيد الذي يريحني, ويخرجني من تلك الحالة السيئة , جميل جداً أن تُخرج ما بداخلك تتحدث إلى قلمك عبر الأوراق تتنفس فيها مشاعرك دائماً, لولا الكتب والدفاتر والاقلام, والقراءة , والكتابة لكنت فعلاً مريضاً , أو من بين تعداد الأموات " ...
حزمتُ حقائبي تركتُ لهم البيت والشارع وذهبتْ, تركتُ لهم كل شيء, وانصرفتُ, ومشيتُ لا ألو على شيء, وصوتها يتبعني خلفي كظلي يلحقني أنَّى ذهبتُ لم أصطحب معي إلا الصمت والحزن الشديد والأسف على كل ما حدث ... تركتهم جميعاً فهم لا يريدونني معهم..؟!......
لا شيء أفعله هنا إلا الحزن, والفكر، واجترار الذكريات المؤلمة , ولا أحد يعلم بحالي إلا الله لا شيء أفعله هنا إلا الفراغ الذي ملأ عليَّ كل حياتي , وقد أكلني الصقيع والانتظار ...
كانت كلماتها تأتيني كالرصاص تفجر رأسي المتعبة , ...............
في أخر لقاء جمع بيننا, في اللقاء الأخير أظهرت الحقيقة , قالتها بقوة , وبدون خوف , أو مراعاة لأي مشاعر إنسانية , هي تعرف كل شيء عني حتى أدق التفاصيل ومع ذلك لم تراعي مشاعري , وهي تقول لي الحقيقة دون مكياج , أو رتوش , ...........
ــ أنت على فكرة يجب أن تعرض نفسك علي طبيب فوراً "..
أنا أحترم رأيها دائماً , فهذه هي الديمقراطية التي تعلمناها وتربينا عليها منذ صغرنا, وذلك أن أقول رأيي فيك بكل صراحة ووضوح , وأنت تقول رأيك فيَّ بكل صراحة ووضوح أيضاً , وأنت عليك أن تتقبل رأيي فيك بكل أريحية وسعة صدر والعكس بالعكس طبعاً , ......
مازال الصوت يرن في محيط أذني التي كثيراً ما تتعبني وكثيراً ما كشفتُ عليها حتى قالوا لي بعد الفحوصات لابد من إجراء عملية جراحية وإلا سيتفاقم الأمر ..؟!! ........
وهي قالت أيضاً بأني مريض ولابد أن أتعالج ,........
عشرون عاماً أو يزيد وهي لا تكف عن هذا القول , وأنا كنت أراها تمزح معي وتضحك ...
ألا تباً لهذا المرض, وتباً لها, ولهذه الكلمات القميئة , ولصوتها الذي لا يتركني أنام , .......
" أن تكتشف بعد عشرون عاماً بأنك شخص مريض, وبأنك غير مرغوب فيك إطلاقاً البتة, وبأنك أصبحت كائن غريب , وثقيل على النفس , طفيلي, وبأنك أصبحت عبئاً ثقيلاً على نفسها هذا أمر صعب جداً وتلك حقيقة موجعة مؤلمة حقاً ",...
مازال صوتها يرن في رأسي المثقلة المتعبة المنهكة من كثرة التفكير, وقلة النوم , والألم ,
ــ أنت مجنون , مريض نفسي ولابد من أن تتعالج , اعرض نفسك على طبيب ..؟!!
سبعة أيام مضت أو أكثر ولم يأتيني أحد أو يسأل عني ولو بالتليفون , كنتُ أنتظرهم يأتوا ولكن خاب ظني ، انتظرتهم كثيراً أن يسألوا عني أو يأتوا، ولكنهم لم يسألوا ولم يأتوا، هيهات ، هيهات أن يسأل عنك أحداً في هذه الحياة إلا لأمر ما , فليذهب الكل إلى الهاوية ....
أمسكتُ الهاتف رننتُ على شخص عزيز عندي ، وانتظرتُ منه أن يرد ، لكنه لم يرد ،
ضربت عليه مرة أخرى، وانتظرتْ ، ولكن لم يرد.. ربما كان مشغولاً , أو ربما لم يسمع رنين الهاتف ، أو ربما لا يريد أن يرد عليَّ أصلاً, وربما .. وربما.. سامحهم الله جميعاً ، .......
يأتيني صوتها هذه المرة بنبرة لم أتعود عليها من قبل , كانت نبراتها في تلك المرة قاسية جداً وحادة وفيها استعلاء نبرة يغلفها الكبر وغطرسة لم أعتاد عليها من قبل , فكانت مفاجئة صادمة بالنسبة لي بكل المقاييس حتى أني حينها بحثتُ عن لساني لأرد عليها فلم أجده , أخرستني الصدمة , وطار عقلي من رأسي , وقواي انهارت وكدتُ أن أسقط من طولي , لولا أن تماسكت وانا أحاول أن أقول شيئاً, أن أفعل شيئاً , أي شيء لكن هيهات فالموقف كان أكبر من كل شيء,..............
" مؤلم حقاً ان تسمع مثل هذا الكلام من أنسان عزيز عليك قريب لديك, كنت تحبه جداً بجنون وكنت حريصاً عليه , تحميه, وتحادي وتغار عليه حتى من نفسه, وكنتُ تظن أنه يبادلك حباً بحب , وبنفس المشاعر والأحاسيس , وكنتَ تأمل فيه خيراً, أنسان كان قريباً منك جداً, وقريب من قلبك وروحك , .....................
شعرتُ بالانقباض وبأن الأرض تميدُ من تحتي, والسماء راحت تدور من فوقي , وتوقف عقلي تماماً , وكدتُ أسقط من طولي لولا أني تجلدت, تماسكت لأخر لحظة ملكت غضبي , وتمالكت نفسي من أي لحظة تهور أو انفعال برغم أن بركان الغضب بداخلي قد بلغ ذروته وأخذ يفور ويمور وراح يرمي بحممه بين طرقات جسدي وعلى وجهى الشاحب .......
" لو كنتُ ضُربتُ بالرصاص في ميدان عام أمام الناس كان أهون عليَّ , أو لو كنتُ ذُبحت بسكين تالم كان الأمر بسيطاً جداً وهين بالنسبة لي وأرحم بي من أن أسمع مثل هذا الكلام القاتل ,... آآه لو كان غيركِ قالها...,
لا أدري أكاد أُجَن , هل هي صادقه.؟!..هل هي كاذبة.؟! .. ماذا اقول ..؟! .. وماذا افعل..؟!..
وأنتِ العالم كل العالم كنتِ بالنسبة لي كل العالم , لا أدري أكاد أُجَن ,.................
ــ من قال لك أن هناك أحداً في هذه الحياة يُحبك ،
ــ ........................
تُرى هل فعلاً حقاً ما تقول بأن الجميع يكرهونني وكلهم يريدون أن يتخلصوا مني , ولا واحداً فيهم يُحبني ..؟!.. هل هذا حقاً..؟!.. هل هذا صحيحاً .. ؟!.. وهل أصدقها , ولا واحداً حتى أنتِ..؟!.. أنا أحبها , وهي لا تحبني .. كيف .. ولماذا .. ولما .. وألف هل , وكيف ولماذا , ومن يقول هذا , توأم روحك , تسمعك هذا الكلام ..........
أنا لا مشكلة عندي على الأطلاق بأن العالم كل العالم يكرهني , يحبني, لا يهمني , المهم أنتِ الذي يهمني هو أنتِ وفقط , فهل أنتِ صرتي تكرهينني إلى هذه الدرجة وإلى هذا الحد ..؟!!.. لكن لماذا ..؟! .. وأنتِ العالم كل العالم بالنسبة لي ؟!!! .....
أنا في موقف صعب, موقف لا أُحسد عليه إطلاقاً صدقوني ... يا ربي ........
رأسي تكاد تنفجر ... الساعة الأن السابعة والنصف مساءً , والليل يقترب , والبرد شديد والصقيع يملأ غرفتي , ويفت عظامي ....
حزمتُ حقائبي، وتركتُ لهم البيت وانصرفتُ , دون تردد ,
وكان صوتها ما زال يتردد بقوة في محيط أذني ويردد من جديد ..
ــ ولا واحد يحبك , حتى طوب الأرض صار يكرهك , حتى أنا أكرهك أيضاً ,.؟!!
صوتها مع منظرها مازال يطاردني في كل مكان ذهبتُ إليه وهي ثائرة في وجهي ,
وصوتها العالي لا يرحمني وهي تكرر تُعيد وتزيد , أضع أصابعي في أذني حتى لا أسمع ما تقول, وهي تصرخ في وجهي بجنون , وفي هستيرية غربية :
ــ كرهتك .. كرهتك من كل قلبي , ولا أريدك , وأريد أن اتخلص منك .. أسمعت "
ما كنت أتصور يوماً ما أن يحدث مثل هذا .....
" قديماً قالوا : إذا أردت أن تعرف حقيقة الانسان وما يكنه تجاهك , أغضبه أًولاً , أو اجعله يغضبُ منك وهو سيقول لك كل شيء بداخله نحوك وكل ما يحمله من مشاعر وأحاسيس مكبوتة تجاهك .. وصدق القائل :" إنَّ الكلام لفي الفؤاد وانما جُعل اللسان على ما في الفؤاد دليلُ " والألسنةُ كما يقال مغارف لما في الصدور .. للأسف الشديد, تلك هي الحقيقة المرة, ما كنتُ لأعرفها ولم أكن لأكتشفها ، ولم أكن لأنتبه إليها لولا هذا الاعتراف الخطير الذي حدث منها إثر مشادة كلامية , مشكلة وقعت بيننا , وهي التي بدأتها كالعادة, فهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا معي, كما أنها ليست هي المرة الأولى التي تعلن فيها هذا ,
" إنها لا تحبني " فقد سبقتها مرات عديدة ، وفي كل مرة كانت تقول مثل هذا الكلام ,
وكنت أضحك وأسكت وكنت أظنها تمزح معي ,
ترى هل هي كاذبة في هذه المرة أم هل كانت صادقة..؟!!.. وهل أنا مكروه لهذه الدرجة..
وكيف.. ولماذا .. ولما .. وهل هذه هي الحقيقة المرة , وهل هذه ستكون هي النهاية , ...
ربما يكون هذا صحيح , وربما قد يكون غير ذلك ، من يعرف, لكن الشيء الوحيد الذي أعرفه ومتأكد منه أنها قالتها لي في وجهي بعظمة لسانها بأنها : قالت :
" لا تحبني , ولا تطيق وجودي في حياتها , ولا تريد أن ترى وجهي , وبأنها تكرهني , وبأنها كانت مجبرةً علىَّ , وعلى العيش معي , وبأني مريض نفسي ويجب عليَّ أن أُعرَض على طبيب, وبأنها نادمة أشد الندم كونها ارتبطت بي , وبأنها صبرت عليَّ طول هذه المدة واستحملتني كثيراً جداً , وبأن .. وبأن .. وبأن ولا واحد هنا يحبني، ولا هي أيضاً ,.. "
**********************************
 طهطا ــ سوهاج ــ مصر
تمت مساء الاربعاء / 6 / 7 3022


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق