أبحث عن موضوع

الجمعة، 1 أبريل 2022

(( طالبات .. وأشياء أخرى )) قصة قصيرة ........... بقلم : سليمان هواري - المغرب





المكان : ظهر المهراز / جامعة محمد بن عبد الله .. فاس
الزمن : بداية التسعينات على وقع سقوط جدار برلين وساحات الجامعة تختلط فيها الرايات الحمراء ذات المطرقة والمنجل والرايات الخضراء ذات السيف وشعار التوحيد .. وكثير من رايات قوس قزح ..
ساحة العمليات : الحي الجامعي الخاص بالطالبات .. الطابق الرابع .. الغرفة : د 68
تطل غرفة حليمة على الساحة الرئيسية للحي الجامعي الذي تقطن فيه منذ ثلاث سنوات .. والنافذة الموجودة أعلى سريرها تشرف مباشرة على الباب الرئيسي للحي الجامعي بما يجعلها برج مراقبة حقيقي .. تتابع الشاذة والفادة مما يقع هنا وعلى مدار الساعة ..
امتحانات الإجازة على الأبواب ، لا تفصلها سوى ثلاثة أشهر .. وحليمة دخلت في حالة اعتكاف كما كل عام في هذه الفترة ..
حليمة ابنة مدينة القصر الكبير ، عرفت بتفوقها الدراسي .. على عكس ( رجاء ) صديقتها التي تدرس معها من أيام ثانوية (ابن باديس ) .. الإنتقال إلى جامعة فاس غير كليا (رجاء )وجعل آخر اهتماماتها المحاضرات وحضور الدروس .. يقينا أن الفقر ليس سببا كافيا كي تتخلى عن يوميات دراستها وتغرق في عوالم الليل والليدو وانزل من طوموبيل واطلع ف طوموبيل .. ربما هو تأثير زميلتيهما في الغرفة .. منى ونورة ..
كانت حليمة تتقاسم معهن الغرفة و الطياب البسيط .. بل هي من كانت تشرف في البداية على تنظيم المؤونة وتقسيمها على الأيام .. ولطالما انتظرن جميعا حافلة ( الغزاوي ) القادمة من الشمال نهاية الشهر وهي تحمل لحليمة كارطونة من أختها السعدية وقد ملئت عن آخرها بسلعة الشمال و سبتة .. فروماج وكشير وحليب غبرة وأتاي وقهوة وشعرية وقطاني .. وقد تدس لها (ربعالاف ريال ) من أخيها جلول ..
لقد عرفت حليمة كيف تنظم أمور الغرفة وتتفوق طيلة الأربع سنوات .. بينما رجاء توقفت عربتها في السنة الثانية وقد دخلت عالم صويحباتها ولم تعرف منه خروجا ..
لقد كانت حليمة في نظرهن فتاة متخلفة ، بل ومعقدة .. بما أنها لا تشاركهن مغامراتهن .. وكل همها غرفتها وكتبها ومحاضراتها .. بينما البنات كل ليلة هن في شأن .. ماكياجات ولباسات وعراضات و قهاوي وريسطورات و سفريات .. حليمة فعلا فتاة قديمة حسب قولهن ، فلا يغريها أن تغير ملابسها كل يوم ولا أن تبحث كل مساء عن من يدفع عنها وجبة عشاء .. ولا تفكر أصلا كيف تجلب لنفسها ولا لغرفتها جهاز تلفاز صغير كما تفعل غيرها .. هي فعلا معقدة حقا ؟؟ ..
هل قدر الأحياء الجامعية للطالبات ، أن تتحول الفضاءات المجاورة لها كل مساء لحفلة جنس وبيع وشراء وقوافل سيارات تنتظر معروضات اللحم الغضة كي تنهشها كل ليلة .. أولاد حمدان ببني ملال والحي الجامعي لطالبات جامعة مولاي سليمان وألف سيارة طاليان تتخاطف عليها الطالبات كل مساء .. دليل ٱخر وليس الأخير ..
كانت ( منى ) أكبرهن سنا .. بنت خنيفرة .. درست بالثانوية العسكرية بمدينة إفران قبل أن تفصل .. تدخن بشراهة وكثيرا ما تختفي ليلة كاملة كي تعود الصبح وهي شبه مخمورة .. متمنة بصح .. لتقضي يومها نائمة حتى ما بعد العصر .. ثم تقوم لتهيء برنامج امسية جديدة بكل ما يلزمها من توابل وضروريات .. لقد تحولت منى مع الوقت والممارسة إلى ( قوادة ) حقيقية ، وشبكة ( فريساتها ) تتوسع كل ليلة ..
كانت ( نورة ) أقرب صديقاتها إليها وأمينة سرها .. لا تفترقان تقريبا أبدا ، وهو ما جعلها تتبادل مع إحدى الطالبات غرفة سكنها كي تظل ملازمة لصاحبتها منى ..
كثيرا ما راقبتهما حليمة وهما تصعدان داخل سيارات من أمام باب الحي الجامعي .. كل يوم سيارة جديدة ، وكل ليلة زبائن جدد .. لتعودا متأخرتين ليلا حتى أضحى الأمر عاديا وروتينيا .. وكأن الجامعة عنوان فقط لممارسة أشياء أخرى فقط ، غير الدراسة .. قبل أن يفتح العالم عينيه على الحقيقة ولو بعد حين .. وكأن المناضلين والرفاق والإخوان والصراع والحلقيات و المدرجات والنجاح والرسوب والبلد .. توجد في مجرة أخرى ..
نورة هي البنت الصغرى لمعلم متقاعد من مدينة أزرو .. كانت كتطير قبل أن تلتحق بالجامعة ، ولذلك عرفت بسرعة كيف تصيد أستاذها الجامعي لمادة ( التاريخ الوسيط ) .. وقصتها أصبحت حديث الطالبات ..
- ( هو لي نجحها العام الأول .. )
وشقته المفروشة بسيدي حرازم تعرف التفاصيل .. كما أصبحت صويحباتها تعرف من رواياتها المتكررة .. ليختفي أواسط العام الموالي .. وتظهر نورة وكأنها مخطوبة لشرطي أنيق يسكن بحي الرصيف بفاس .. مسخوطة ..
ونهاية كل أسبوع ، تقضيها معه في بيت والديه .. أليسا في عداد المتزوجين ؟؟ ..
بينما هي ، نورة ، لا تفارق عاداتها مع منى التي تحرص على مرافقتها كلما كان الزبون متميزا ، وقد بدأ العقال السعودي يحوم حول طالبات الجامعات ..
مسكينة منى ورغم كل شيء .. وكما يقول المغاربة ..
( صياد النعام .. يلقاها .. يلقاها .. )
لقد اكتشفت بعد تأخر دورتها الشهرية أنها حامل .. والجنين في شهره الثاني .. وعليها أن تسقطه مهما كلفها الأمر .. والجميع هنا يعرف عيادة (( الطبيب الروسي )) الموجودة في باب الفتوح .. هو لم يكن روسيا بمعنى روسي فعلا لكنه درس الطب هناك في الاتحاد السوفياتي وتزوج من روسية .. هو مجرد طبيب عام ، لكنه اشتهر كطبيب نساء .. كان ملاذ كل واحدة تبحث عن إجهاض سري لا يعلم به أحد .. ممرضه الحاج عتيق هو الوسيط الذي يشرف على التفاصيل حتى تستفيق المسكينة من البنج ..
على ( منى ) أن تدبر أمر مبلغ الألفي درهم وبسرعة فكل يوم يمر يكبر الجنين و تصبح العملية أصعب ..
شاع الخبر في غرف الطالبات لتنطلق عملية شبيهة بمشروع قومي من أجل (( إسقاط جنين منى )) .. صديقاتها الطالبات تكلفن بجمع التبرعات والمساهمات من يد ليد ..
كانت رجاء صديقة حليمة قد اختفت منذ شهر يناير ، مباشرة بعد عطلة رأس السنة .. ذهبت عند أسرتها نواحي القصر الكبير ولم ترجع لظهر المهراز ..
ستعرف حليمة أنها غادرت الجامعة نهائيا لتستقر في مدينة طنجة ، عند امرأة وافقت أن تضع رجاء حملها في بيتها .. لم يكن بإمكان رجاء إجراء عملية إجهاض للحمل الذي اكتشفته متأخرة .. ولم تكن تملك الجرأة كي تخبر أي أحد حتى صار بطنها يتقدم أمامها كل يوم ، وتقرر مغادرة كل شيء والرحيل إلى المجهول .. طنجة..
وهناك ستوصلها إحدى معارف أمها إلى منطقة ( كزناية ) كي تعانق مسيرة الضياع ..
رحل الأستاذ الجامعي وتبعه الشرطي الأنيق .. وهاهي نورة تجهز حفل عرسها هذا الصيف من إبن عمها رشيد المعلم الذي تم تعيينه من سنتين في " مير اللفت " قرب سيدي إفني .. كانت أمه قد قررت أن يكمل رشيد دينه ولن تجد له زوجة افضل من بنت عمه نورة وقد وافق والداها بسرعة .. فقدر المرأة وحصنها هو بيت زوجها في الأخير .. ضربوا الأبيض في الأسود وعقدوا كاغط النكاح وانتهى الأمر .. والكل ينتظر شهر غشت وكل لوازم العرس أصبحت جاهزة ..
أما حليمة ، فهي لا تريد الٱن سوى أن يكون الحي الجامعي اكدال بالرباط ، أفضل من ظهر المهراز . وقد تم قبول تسجيلها للدراسة بالسلك الثالث في شعبة (( اللسانيات )) ..

 كاريانيات .. قريبا من الجحيم**


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق