أبحث عن موضوع

الثلاثاء، 29 يونيو 2021

قصة قصيرة القسمة على/2 ................ بقلم : صباح خلف عباس // العراق



(هيفاء ) في السادسة عشرة من عمرها … قبل أن تحفرا ( خالتها وعمتها ) حفرتيهما في روحها … حفرتان عميقتان يُصعب ردمهما ، كانت مجرد فتاة يصح  القول عنها عمياء كخفاش ، روح صغيرة تُحضِّي بحياة بسيطة هانئة ، حياة واحدة وجسد واحد ، لا أحد يرى ما بداخلها من حب أو عنف ، تريد أن تعيش على الطراز القديم ، قالت  لها أمها  بالأمس ،وبعد زيارة عمتها لهم :

— هيفاء ،إن عمتك طلبت يدك لأبنها … وقبلها خالتك طلبت يدك أيضاً …

فماذا تقولين أنت ؟ وأيّهما تختارين … ؟ 

فأجابتها وهي تنقل دهشتها :

—  يا أمي ، كل ثعبان له سحره … 

هي في الواقع لاتريد أن يكونا (ابن عمتها وابن خالتها ) أكثر  مما  هما عليه الآن مجرد أخوين لا أكثر … وهذا ماكان منذ الصغر  فقد تعودت عليهما … دائماً تلهو معهما  … وتصاب بالجنون عندما لايكونان حولها … وقبل هذا الأمر المستجد لم تكن تفكر بالحب ومشتقاته ، كانت سعيدة قبل ذلك جداً ، بل ومملوءة بهما … وهي اليوم تنحدر في منحدر زلق لم تعهده من قبل ، وقد صرحت لأمها ايضاً :

—-  أنا أُريد حياة بلا ألم ولا ندم 

(هيفاء) مجرد فتاة مغمورة ووحيدة ، وحينما لاتستطيع تحمل وحدتها يوم ما تسرع لابن خالتها وابن عمتها ليملئا تلك الفجوة في روحها ٠ 

ذهبت متعبة الرأس الى فراشها … لاح لها أخويها بالنسب اللذان هما الان يرغبان بالزواج منها ،هذان اللذان وضعاها في موقف لاتحسد عليه … كل واحد منهما كان بمثابة أخ لها ، وهي تحدث نفسها ( نشأنا معاً ، وأكتشفنا معا أسرار الطبيعة ، والسياسة ، والفكاهة … شيئاً فشيئا ،  ركضنا  ووقعنا في الطين … وتلطخت ثيابنا وتعرضنا للتعنيف  كل هذا معا )

صحيح أنها سأمت من الّا تجد أحد يحبها ويعشقها ، ينتشلها من الوحدة العاطفية …  صحيح انها رغبت في يوم ما أن تحمل سرها الخاص بها مثل بقية زميلاتها ، نعم رغبت وأحبت ذلك ولكنها لم تتصور أن تُربط هكذا مع رفيقي دربها وصباها ، وضعت يدها على صدرها وقالت :

— أُريد أن أطمئن بأن قلبي في المكان الصحيح …

هي عالقة الآن بين الإثنين ، وكليهما رفيق لدربها وصباها ، وموضع لسرها … 

ضحكت ، وراح خيالها للأمس حيث كانوا ثلاثة طيور صغيرة ، تجلس على عتبة الدار ، تغني أغان جميلة صبيانية ، ويلعبون لعبة تكوّن الكلمات من الحروف … وأحياناً يضعان أصابعهم الدبقة من حلوى غزل البنات في شعرها ، حيث تغوص في شعرها وتداعب فروة رأسها الجميل 

— إن رأيتهما اليوم سأقول لهما وبدون تحفظ ( مرحبا بكما  أيها الحبيبان ) ٠ 

هي الآن نصفان …نصفان في حالة أهتياج … لو أغمضت عينيها ما الذي سوف تتخيله عنهما ؟؟ أستكون هناك معركة حقيقية بين خصمين بعد أن كانا أخوين ؟؟

ليس لديها الخيار ، بل لاتستطيع الخيار … ليس بوسعها فعل أيّ شيء ، لذا  فهل ستدخل الى الظلام الحقيقي ؟ أو ربما ستدخل في ضوء ساطع ؟؟

يبدو أن عمتها وخالتها قد فتحتا فجوة الحب المغلقة في روحها  ،وروحها الان مبتهجة بذلك الحب المزدوج الذي صُب في قلبها دفعة واحدة ، وبدون أستئذان مسبق ، وبدون مقدمات ٠

أستيقظت وهي ترتجف ، تشعر بالبرد الجميل ، تنظر حولها فتجد نفسها في مركز علاقة حب مزدوجة ، وذلك سيكلفها أكثر من مجرد دموع ، 

أستسلمت للأمر ورضيت ان تصنع لها الاقدار حياتها ، وتضعها في طريق شابين سوف يغيران مفهومها المستحيل للحب ٠

هيفاء متأكدة اليوم بأنها أذا ما سقطت عين لها على أحد منهما سوف تومض حياتها في تطور ضخم لم تألفه سابقا معهما ، وستصاب بالتأكيد برصاصة هي الأكثر  سحراً ومقتلاً في آن واحد … ويجعلها تطير كطائر مجنون ٠

هاهي تفقد الإحساس بالطفولة دفعة واحدة  ، وتسقط في فراغ عميق لن تستطع الا بملئه بهما معاً … منذ هذا اليوم هي ستكون سيدة الوقت كله ، وسيدة نفسها ، وستتحول الى قطة سريعة الإهتياج والتدشين أيضاً ، وبكامل قواها العقلية هي تحبهما الاثنين معاً … بهما ستكتمل سعادتها الحقيقية لا بواحد منهما٠ 

— أحياناً في كلام المزاح تنام الحقائق 

قالت لنفسها ذلك ،ويبدو ان صراحتها غير واقعية هي تعرف ذلك  ولكنها مقتنعة الان بمافكرت وعزمت ان تكون سيدة نفسها ولو بالمشاعر والاحلام 

بعد اسبوع قالت لها خالتها :

— ابني لم ينم،منذ أسبوع ويقول ( أن هيفاء تطفو في سطح الماء داخل قدحي ) 

وقالت لها عمتها : 

ابني لم ينم منذ اسبوع ويقول ( أنا أعمى وسط الأضواء بدون هيفاء )

خاطبت هيفاء ربها حينئذ ؛ هل أنا الأنثى الوحيدة العابرة عبر الغبار  السحري ؟ ؟ أم ماذا ؟؟ 

نبضات قلبها الصغير باتت لا تحتمل ، ثم قالت بصوت مسموع :

—.  كيف أُخلص نفسي من ذكرياتهما ؟  إني أُحبهما معاً ، أُحبهما أكثر من مني ……… 

هيفاء تشعر الان بأن أنفاسهما تتسرب اليها كلما أقترب احدهما منها  وهي مستعدة كما يبدو لإن تستسلم لهيمنة لمساتهما اللطيفة شيئاً فشيء ، ثم قالت لنفسها : 

—  أوليس هذا هو الحب ؟ أليس هو الإكتواء الجميل ، والتكدر منه ؟ 

بريق مفاجئ يبزغ من محياها ، وسعادة تراقصت في قلبها ، وهي باتت متأكدة بأن كليهما لا يريدان أن يخسرا نفسيهما في قلبها ، وإن برودها وصمتها ، وعدم مبالاتها قد ولت اليوم ، وهي عازمة منذ الان ان تكون لهما أما وأختا وحبيبة ، ستكون لهما امرأة ودودة مثل قصيدة … وتتصرف معهما كأنها أميرة خرافية… 


                

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق