أبحث عن موضوع

الأحد، 3 يناير 2021

دراسة نقدية للبروفيسور الدكتور صباح عنوز في نص (السياب يموت غدا).............. بقلم: عبد الجبار فياض // العراق

  استاذ النقد والبلاغة في جامعة الكوفة .

 

إيماءة البعد التواصلي

                                                                            

الشعر كلمات البوح المنفلتة من أعماق المنشيء,وأن فهم غايته يصرح بها التكوين الأسلوبي لدى الشاعر,لأن الشعر انبثاق وجداني, فإذا أراد الناقد الوقوف على دلالاته غاص في استقراء بنيتهِ عبر مكوناتها ,لأن البنية تمتلك قيماً فنية كثيرة : قيم المعنى وقيم الموسيقى التي تتآلف معها , لتكوين دلالةٍ عامة أو خاصةٍ , ولأن للبنية علاقة بالتوجه الدلالي المقصود, وهي مدعاة لإظهار صفات صوتية يقصدها الكاتب وعياً أو لا وعياً ,ويستغلها في إنتاج الدلالة العامة للنص, لأن قدر المعنى يتعلق بقدر اللفظ فلكل واحد أهميه في جمال النص وتصويره أو ما تتوطنه - النص- من إشارات واضحةٍ تنبئ عن اهتمام المتكلم , إذ إن كل شيء يقوله المتكلم  له صلة بما يعتمل في نفسه , وهو يفصح عن شكل إحساسه وتصوراته , قرأتنص الشاعر عبد الجبار فياض فرأيته يهتم  بالرمز كثيرا وصولا ألى مايبغي قوله, فكان العنوان علامة شعرية وكذلك الكلمات التي اختارها فهي تحمل لبعادا دلالية وتركيبة وتداولية,فهويقول:(السياب يموت غدا)

ألقى ما أثقلَهُ سَفَطاً في جوفِ الخليج

آلامَه

جيوبَهُ الخاوية

ألقابَاً لم تأْتهِ بشروى نقير

عملةً مُلغاة

رُدّتْ بوجهِه

شربَها كأساً فارغة . . .

عادَ عارياً

ليتوسّدَ ذراعَ الحسنِ البصريّ

يقبّلهُ الخليلُ معاتباً . . .

  . . . . .

شناشيلُه

الموشّاة بخيوطِ شمسٍ سومريّةٍ

تنقشُ السّمرةَ على جلودِ الحُفاة

مشقتْها من قبلُ على جبهةِ ديموزي

أثداءِ عشتار . . .

أنَ تُعادَ لها الألوان

والدُهان . . .

ما زالتْ ابنةُ الشّلبي

تشربُ الزّمنَ بزجاجةِ كولا والمطر

تضعُ كرّاسَها على شرفةِ انتظار

غادرَهُ الرّصيفُ

الظّلُ

 يذوبُ  بظلامِ يأسٍ شعراً

 

كثرت الرموز وباتت توميء إلى دلالات قصدها الشاعر( السياب ,الحسن البصري ,الشناشيل, السومرية , ديموزي.,جيكور,أيوب, فارتر , برومثيوس,محسن السعدون, النبي سليمان,عروة بن الورد,سيزار...) وغيرها ولكل رمز مساحة تاريخية, فإرهاصات الشاعر تخرجها كلماته , لأن الأخيرة علامات يقدمهاعبر برسائل مهمة إلى المتلقي الذي يستطيع من خلالها فك شفراتها , وتحليل معانيها , ومعرفه مغزاها , فهي طريق يدلي الباحثين عن حقيقة النص, ولهذا فإن للشعراء  لغتهم , وكل لغة شعر هي حصيلة انفعالات نفسية ,يُظهرها مضمون ما يجيش في أعماق الكاتب, ومن هنا فأن الكلام هو رسالة إبلاغية, غفوتُ عنكَ بعيداً

لم أتعبْكَ بعدُ لغسلِ عيوني كُلَّ صباح

فقد غسلتُها للمرّةِ الأخيرةِ من ماءِ طفولتِنا معاً دونَ أنْ تدري

لم أردْ أنْ أيقظَك من اغفاءةٍ تحتَ ظلال  باسقاتٍ

هُنَّ الأطولُ من كُلِّ عهودِ الظّلام

بسطْنَ أمامَنا النظرَ إلى السّماء

 فمنح الشاعر  أهمية الكلمة ووضيفتها في نصهِ , فالكلمة تتحرك في بنية السياق حركة حيّة فتمنحه  دلالة , فإذا أراد الشاعر أن يوسع حيوية النص جعل تلك الحركة انبثاقاً وجدانياً قائماً على العدول , فإن ركدت حركة الكلمة سكنت حركة النص الدلالية, وانكمش مجال الإنزياح الذي هو أسٌّ فاعل في تكوين الصورة, و من ثم جَمُد المعنى ,وبات ميتاً بين يدي القارئ ,أي ينكمش مجال تعدد المعنى ,وقد وجدت اهتمام الشاعر بتكوين الصورة عبر الانزياح الذي يمنح السياق تعددا في المعنى, فاللغة الشعرية منظومة كلامية قائمةٌ على قدرة الشاعربانتقاء الكلمات ومعرفة تضمينها في السياق ,بإكسابها أو منحها حركة حيه تُمسكُ ذهن المتلقي وتأخذ به إلى وجودٍ ذهني ,  تنتجه الصورة الشعرية والدلالات المثيرة التي تتغلغل إلى الوجدان, وكلما هيمن الشاعر على عمليه اختيار النص كلما هيمن على أسلوبه , فالتكوين الأسلوبي يسهم في صيرورة العملية الإبداعية, ويمنح التكوينين الفكري والتواصلي صورة يفيد مها المتلقي عبر الصواغات الأسلوبية وعلائقها المختلفة , وتضمها إلى مستوى المكون التوليدي الذي يهتم بالمعنى المترشح من عملية الرصف الفني المقصود للسياق , فهو نتاج ثانٍ للتكوين الشكلي, يقدم لنا المعنى الذي يسعى إليه المبدع لغايات مقصودة , فالشكل والمضمون لم يكونا محض كتابة أو تصورات اعتباطية , وإنما هما يرتبطان بجذور العملية الإبداعية أصلاً, ويتواصلان مع الحالة النفسية للمبدع ,فوجدت الشاعر عبد الجبار الفياض يهتم بالصورة ودلالاتها الإيحائية,ويجعل المعنى متعدد المسارب سياقيا,بسبل كثيرة المشارب فنيا, يقول:

يحفرُ أسماءً على جذعِ شجرةٍ ميّتة ! ويقول:

 لم أزلْ أحشو بها ثُقباً في رئتي, و يقول: لم أزلْ أحشو بها ثُقباً في رئتي ,ويقول: عُذراً شريانَ قصائدي لم أزلْ أحشو بها ثُقباً في رئتي

أنَّ اخوةً يأكلونَ على بساطي

ما حرّمهُ اسرائيلُ على نفسه . . .

يزورونَ بيتي

 كُوّتي الصغيرة

ألبسوها مِعطفَ ماكبث

أفرغوا عُلبَ المكياجِ على عذراواتِ الطّين

ينبشون الذّكرياتِ بسكينٍ صدئِة !

لقد عمد الشاعر إلى الضربات الشعرية الموحية بالمعنى عبر صور فنية رائعة لتمنح النص رقيا فنيا, فيقول:

 ما فتئتُ بينهم أحتضر

وهم يلّفون سكراتِ الموتِ بورقِ الزّينة

 كي لا أموتَ ثانيةً

ثالثة . . .

كل في بيته  ويقول:

ما عدا المطر

يتجوّلُ بالشوارعِ منفرداً. . .

ويقول: أوّاه

ما زالَ منزلُنا الكبيرُ يغرقُ بالظّلام

أرى النّوافذَ مُغلقة

لكنَّما الأبوابُ مُشرعة

هكذا عول الشاعر على التكوين الأسلوبي المشفع بالرمز والثقافة التاريخية, ومنح تلك المستويات بعدا فنيا ينبيء عن مقدرة شعرية في توجيه الدلالات الإيحائية,فاستوطنت سياقاته التركيبية نصه محملة بالرمز والصورة والبعد الفكري معا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق