أبحث عن موضوع

الثلاثاء، 21 مارس 2017

عطش السنين على ضفاف أحلام في محراب الأسطورة الفينيقية.. قراءة في نصوص الشاعرة د. عدالة جرادات..... بقلم الناقد : وليد جاسم الزبيدي

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏


المقدمة/
أنْ تغترفَ قطراتٍ من بحر، لا يعني أنهُ البحرُ، أو.. أن تقطفَ زهرةً من بستان، فهي ليست البستانَ كلّهُ، لكنْ..؟ وجدتُني أقتنصُ اللؤلؤ والفيروز من محيطاتٍ تمتدّ معانقةً السماء، وخرجتْ في شبكة صيدي مجموعة من نصوص، وضعتها تحت مجهر التحليل والنقد، لأكتبَ في شعر شاعرةٍ أتوقعُ أنها سيكون لها شأن في الساحةِ الثقافية، شاعرةٌ من بلدٍ غالٍ وعزيزٍ، حُفرتْ حروفُهُ في القلب، فلسطين الحبيبة، بلد محمود درويش، وسميح القاسم، وياسر عرفات..!! هي الشاعرةُ الدكتورة عدالة جرادات، كتبت في امور علم النفس والسياسة، ولها ديوان واحد بين خمسة اصدارات (عطش الياسمين). سأضعُ لنصوصها النثرية إطاراً أزعمُ سيكشفُ عن جماليةِ النّص وأبعادِ غوره. وهكذا سنقفُ مع النصوص وهي على التوالي: هكذا يغنّي آذار/ أنثى/ الأرضُ أنا/رحلة/ مدينتي/ أنا وعيناك/.. سنتابعُ النصوص في قراءةٍ شعريةٍ وبعين الشاعر والمتلقي المتحسّس المتذوّق.
عناوين النّصوص/
وأنتَ تتابعُ نبضات حروف العنوان، تجد فيها عطر (مدرسة الديوان) ونرجسية الرومانسية في اختيارات (ابراهيم ناجي، وعبد الرحمن شكري، وابراهيم المازني) ولعلك ستقول: ما الذي جعلك تربط بين الشاعرة (عدالة)، وهؤلاء الشعراء الأفذاذ التي ترتبط أعمالهم بالتجديد في الشعر العربي، وهم من مدرسة ونوع شعري مختلف؟؟، أقول: صحيح ما تقول ياسيدي، ولكن؟ نعم نصوص الشاعرة نثرية وهي في باب واغراض بعيدة عن نصوص وأعمال الشعراء في مدرسة الديوان، لكن موسيقى النّص الداخلية، والألفاظ التي تبني النّص، وروح النّص، تنسجمُ وتلتقي مع نهر الرومانسية الذي تبحرُ به نصوص الشعراء. بل وأضيف على ذلك أن رومانسية الشاعرة (عدالة) وُلدتْ من جوٍ ورحمٍ مجبول على الحزن والألم، فتوسعُ الضفاف لسفنٍ حالمة أن ترتقي ناصية نصوصها.
وهنا تقرأ شاعرية العنوان الذي تختارهُ بتأنٍ وذكاء، وتجعلُ من العنوان نصاً آخر، فتقرأ (هكذا يغني آذار) فيه نسمة الربيع، ودفق الأثر المتناسق مع غيمة السماء وألوان الزهر والعشب في موسم ولادة الحياة من جديد. وعنوان آخر (أنثى) بكل ما تحملهُ هذه الكلمة من عفّةٍ وطهر، وجمال، وغنج، ومعانٍ للتخييل في رسم صورة محبوبة. أمّا عنوان (الأرض أنا) فتجد فيه صرخة، وتثوير، بل وتأكيد، وفخار، باستخدام ضمير المتكلم (أنا)، عنوان يجعلُ فيك الحماس يتوقد كي تقرأ النّص وترى تيمة الفكرة. وعنوان (رحلة) يحيلك الى رحلة السندباد، وقصص وأدب الرحلات عند العرب وهي بذلك تحفّز الذاكرة كي تتثاقف مع الصور التي ترسمها بالرمل شاعرتنا في أجواء وعبق التاريخ. وفي نص آخر عنوان (مدينتي) وها هي الشاعرةُ تُملي على المفردة (ياء المتكلم/ ياء التملك) مفردة الأنتماء، ونرجسية المشاعر تجاه الوطن الذي يبدأ بالبيت فالمدينة. وختاماً عنوان (أنا وعيناك) رومانسية الروح ودفق مشاعر تجاه عيون منْ تحب، فجعلت من (واو العطف) لباس العاطفة، ورباط التعلّق والارتباط بالآخر لتؤلّفَ فلسفةً بين انتماء الأنا للآخر، أو أن يكون الآخر سبباً لديمومة وحضور (الأنا).
-الحُلم الأول/ هكذا يغنّي آذار:
في قراءتي للنّص، توجّستُ بخطى قلمي وهي تسابقُ السطور،حيث يضعُ خطوطاً تحتَ وفوقَ كل كلمة، ليرسم بل ليصلَ الى خارطة النّص، وأين بدايته وكيف سينتهي، فوجدتُ عذريّة المعنى في تفجير الألم الرافض للدمع، ونداء بنفي الأساطير التي أتعبتنا ومللنا من تكرارها كمعوّذةٍ، بوعودها الكاذبة، وأكوام الحجارة، هو حلُمٌ آذاريّ، يفترشُ الجمالَ ويحتضنُ الطفل واليمامة، وملائكة الجمال.
تذوب الهموم
تتفجر ينابيع
أبكاها
طفل ويمامه
قهرتها اساطير
الوعد واكوام الحجارة
وعذراء للجنة
من شوق
جمعتِ الشاعرةُ مفرداتٍ متآلفةً مختلفةً في آنٍ وهذا سرّ صيرورة نصوصها (الهموم،ينابيع،طفل،يمامة،ملائكة،جمال)كأنها تجمعُ بين الماء والنار في كفٍ واحدة.
-الحلم الثاني/ أنثى: بين احساسٍ في الإدراك الجمالي لسرّ بين العبث واللامعقول، تنفثُ الشاعرةُ عطر الياسمين وتغزلُ ثوبَ زفافها، ثم يظلّ وشمَ أنوثتها في جبين حضارة، لتكونَ رموزها بكائيةً الى الشام، الى كل غدران الدم والذبح، لتؤدلجَ حكمةً تظلّ كمنولوج يدورُ في ثنايا النّص: (منْ لا يخشى الظلامَ لا يهابُ النفق..). أنهُ الأفق المفتوح أمام المتلقي ليلوّنَ صور الشعرية في النّص بين قمع الظاهر، وترتيب بناء المدلول.
من ملح الارض
غزلت ثوب الزفاف
وتكللت
بالياسمين من شام
ومن حلب
عربية
مهرها
جذور فوق التراب
تربعت ..
واينعت .
احواض المسك
وانشدت ..للوطن
للحرية
من لا يخشى
الظلام
لا يهاب النفق

-الحلم الثالث/ الأرض أنا:
خطابيةُ العنوان، وموجدةٌ في الحنين، أنها بكائيةُ وطن، بكائيةٌ لأرضٍ تشم فيها عطر البارود، ويتلاقحُ معها الطّلعُ، رسائل سلام، معها أزيزُ رصاص، فسلام الأرض لا يأتي عبر الذلة والإذلال، إلا في قلمٍ عتيد، وصوتٍ مدوٍ، أرى النّص منبري، فيه من الحماس والمباشرة، والخطابية.
اشعلي نوّار العشق
ومن اغصان الوفى
تسللي حدود السنا
وعاتبي الوجود
واعزفيني
بالصبر وبمناجل
جدي احصديني
ضجيج البارود غيابه
مثل الحضور
الارض انا
وانت السماء
عنيد للحق
فاتركيني

-الحلم الرابع/ رحلة/: هي رحلة الروح، وكأنها ولوج في عالم الميتافيزيقيا، ابحارٌ في تحوّلات النّص، بين الواقع والميثولوجيا، سندباد يمخرُ قاربهُ بين جزر التراث والتاريخ بين سقوط بابل وميراث كنوز الجهل وأسفار أبي لهب. هكذا وجدتْ الشاعرةُ في خزينها الثقافي والمعرفي أن تضخّ في النّص أنفاسَ ماضٍ معطّر بحاضرٍ حزين، يحملُ بين طيّات صفحاته مأساة.
تتصدى ينابيع
اغلالها كؤوس
اعياها صمت
وسلاسل من
عناقيد الغضب
تقاتل الاعياد
و سقوط بابل
ومعابد من ذهب
ميراثها كنوز الجهل
واسفار ابي لهب ...

-الحلم الخامس: مدينتي/ تريدُ الشاعرةُ في هذا النّص، أن تؤسّسَ لها مدينةً فاضلة، جمهوريةً جديدة، تحلُمُ أن تكون فوق الغيوم، على ذرى سماوات، لاينالها احتلال ولا قيود الانسان، مدينةٌ تزخرفها بالطيب والعنبر، وتؤطرُها بالشعر وبراءة طفولة، بعيداً عن وحشية الظلام والفقر.
هديرها احزان ومواجع
بخاصرتها
مخاض يجيد
بلاغه الآلآم
وعيون
تسكنها
امطار بين ذاكرة
الموج
واكواخ فوق
الغيوم تغادرها
خواطر
لمواسم العيد تغني
لا تغادر

-الحلُمُ السادس/ أنا وعيناك: فورةٌ وثورةٌ رومانسية، إذْ تستدعي الشاعرةُ من ذاكرةِ الجمر، حديث الحبيب، ويبدأ النّص: (قالَ لها: أعيريني..) أنهُ خزين محبة وشوق، كانَ معلّقاً على هامش القلب، فاستدّلت به هامشاً، ثم متناً لتبدأ الحكاية، بل ولتغزلَ من عينيه حوار وحبكة الحكاية، وهي تنقشُ فوق سماوات صحوتها وحلمها خارطة اللقاء وكيف سيكون الوعدُ والموعدُ ومنْ سيكون بداية الحديث ومنْ سيمتلك جرأة القرار في الاعتراف والبوح. حُلمٌ يبعثُ الأمل للقاء قادم.
قال لها اعيريني
عيناك
حتى اقوم بطقوس
اللقاء
اشع ابتسامة
من عبيق الهوى
تسمعها
اخبار قلبي
والسماء تزينها
قناديل الدروب

الخاتمة/ نصوصٌ تبعثُ الأمل بأن الأدب النسوي بدأ ينسجمُ وروح الابداع ويخطو نحو مشهد ثقافي يتحرّرُ فيه من كل قيود العادات والتقاليد السقيمة، ليشير بكل جرأة الى حضوره.. مبارك للشاعرة الدكتورة عدالة هذا المنجز وننتظر منها المزيد..!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق