أبحث عن موضوع

الأربعاء، 1 فبراير 2017

زهرة بيضاء(قصة قصيرة)............ بقلم : عادل المعموري // العراق



أوقَفَتْني في الشارع ،سحبتني من يدي ،تأبطتْ ذراعي وسرتُ معها منقاداً بلا مقاومة ،لم أسـألها من أنتِ..وماذا تريدين ؟

،قطعنا مسافة ليست بالقصيرة ،لا أسمعُ منها سوى ترنيمة أغنية لا تتعدى شفتيها ،ربما هي لاتريد الكلام مادمنا نسير في الشارع ،وأنا يمنعني الحياء أن اكلمَّها أمام الناس ،ربما ألجمتني المفاجأة وأُسقط في يدي ،لا أريدُ أن أفقد تلك اللحظة التاريخية ،سيكون حديثي معها دقيقا ومحسوبا،ربما هي تعرف ًاني رجلا مشهورا ..وجوه المارة تحدق فينا جيئة وذهابا ،لم التفتُ إليها ولم تلتفت نحوي ،فترة صمت تخيم على رأسينا ،تمشي معي وكأنها تعرفني ،قادتني نحو الحديقة العامة القريبة ،أجلستني على الأريكة وجلست إلى جانبي، تاركة مسافة بيني وبينها ،التفتْ إلي وهمست :
_لماذا لا تدخن ...أخرج علبة سجائرك (الأسبين) ..لم أُبدِ لها استغرابي من معرفتها نوع سجائري ..أشعلتُ سيجارتي،نفثت دخانها سألتني دون النظر إلي :
_عطرك من النوع الرخيص
_أَي نعم ..ابتعته بالف دينار .
_أنتَ لستَ وسيماً .
_نعم صحيح .
_ من أنتِ؟ أنا لا أعرفكِ ..أقصد لم أ تشرَّف بمعرفتكِ .؟

_لماذا الناس ينظرون إلينا ؟
_ربما لجمالكِ الطاغي وكاريزمتك الفائقة.
_لا يهمني ذلك ..ربما ينظرون إليك كرجل معروف ..أو ربما هم مستغربون من فتاة جميلة تجلس مع رجل عجوز ...يسرني أن أراكَ غدا ؟..قالتها دون أن تنتظر مني جوابا ومدت اصابعها البضة الناعمة لتعدل من خصلات شقر انسدلت على وجهها
الملائكي ..أخرجت علكة ملونة من حقيبة يدها الصغيرة ،مضغتها ثم دورتها في فمها ،فانبثقت من بين شفتيها بالونة شفافة ،ثقبتها بطريقة طفولية سمعت طقطقة العلكة لتلتصق حوافها الممزقة فوق شفتيها ،قالت :
_انا معجبة بك ...وهذه الزهرة البيضاء احتفظ بها معك.. عربون صداقتنا
_شكراً ..امسكتُ بالزهرة ودسستها في جيبي .
_لماذا تقولها من وراء أنفك ؟...نهضتُ من مكاني واقفا ..نهضتْ هي الأخرى ، وقد بانَ قصر قامتها ، رأسها يحاذي كتفي ..قالت لي وهي تعدّّل من وضع حزام حقيبتها على كتفها :
_أ غدا القاك ؟
_لا أعتقد.. يا كوكب الشرق.
_من هي كوكب الشرق؟!
_لا عليكِ ...لم تخبريني من أنت ِ وماذا تريدين ؟لم تحر جوابا ..خرجتْ ماشية إزاء بوابة الخروج، أشارت لي بأصابعها بإشارة الوداع سمعتها تقول لي (أراكََ في الأحلام )..واختفت عن ناظري ..عند الباب استوقفني صديقي الشاعر الذي كان معي قبل لقاء الفتاة
قال لي بعتب وهو يمسكني من ذراعي :
_لماذا تركتني وجلست في الحديقة لوحدك ؟
_هل كنتَ تراقبني ؟
_كنت أراقبكَ وأنت تتكلم مع نفسك .
_كانت معي فتاة كالقمر ..ألم تشاهدها وهي تاخذني منك ؟!هزّ صاحبي يده باستخفاف وأردف قائلا:

_:يا صاحبي: لقد شاهدتُكُ وأنت تسير لوحدك ..وجلستَ على الأريكة لوحدك ..سمعتكَ تتكلم مع نفسك
واستوقفتُك عند بوابة الحديقة ..هل كان معك أحد ؟!
_لا أدري ..ولكن لحظة من فضلك ..مددتُ كفي داخل جيب سترتي ..أخرجتُ له الزهرة البيضاء وقلت له :
_هه..هذه الزهرة الجميلة أهدتني إياها قبل قليل .؟ضحكَ مني صاحبي ،أخذ يتمعن في شكلها وهو يقلبها بين اصابعه وقال : :
_تلك الزهرة... أنا قطفتها لك.. من حديقة بيتي !
×××××××××××××××××××××××××
.
.بعد انتهاءمهمتي ،عدتُ الى البيت أفكر بتلك الفتاة.
ولقاءي بها وجلوسي معها في لك الحديقة العامة ..أتساءل مع نفسي ..هل أصبتُ بمس من الجنون ..تلك الفتاة هل هي من نسج الخيال وتجسدت في الواقع كالقصص التي أكتبها ؟ ،اختلط لدي الواقع بالمتخيل..أيعقل أنها احدى بطلا ت قصصي ؟ ..دفعت باب دار ي ودخلت ..وقعت عيني على فتاة لا يظهر منها سوى جذعها من الخلف تجلس في أرجوحة حديقة داري ...فوجئت بالفتاة نفسها جالسة.. عندما شاهدتني ابتسمتْ وهي تلوح لي بوردة حمراء تشبه ورود حديقتي ..نظرتُ حواليَّ مستغربا لم أجد أحدا من أفراد أسرتي..ليس من المعقول ان تتركها ابنتي تجلس هكذا.. أين أولادي ياترى ؟سألتها بجفاء :
_كيف دخلتِ إلى بيتي ؟
_دخلتُ من الباب طبعا .
_لاتمزحي معي ..من سمح لكِ بالدخول ؟
_لا تغضب ..اهدأ أرجوك أنا ضيفتك ..تركتها واقفةً واتجهتُ صوب صالة الاستقبال فتشتُ الغرف الأخرى ..هالني عدم وجود أولادي ..عدتُ إليها مسرعا ..رأيتُ ابنتي الوحيدة جالسة في الأرجوحة ..ولا أثر للفتاة ..سألتني باستغراب :
_ عمن تبحث ..أنا هنا أمامك ؟
_الفتاة التي .....لم اكمل كلامي فقد رأيت الوردة الحمراء بيد ابنتي هذه المرة ..صحتُ بها غاضبا :
_من أعطاكِ تلك الوردة ؟
_أنسيت أنك قطفتها لي صباح اليوم قبل خروجك من البيت ؟! توقفتُ طويلا قبل أن أستعيد رباطة جأشي ..ابنتي تنظر نحوي بغرابة ..اقتربتُ منها ،وضعتُ رأسي على كتفها وتمتمتُ مستسلماً :
_هل تظنين ..إني بحاجة إلى معالج نفساني ؟!
××××××××××××××××××××××××××××
"
.في تلك الليلة نفسها كنتُ أريد اكمال الفصل العاشر من كتابة رواية ،كنتُ قد شرعت بكتابتها منذ خمسة أشهر..دخلتْ إلى غرفتي حاملةً صينية فيها كوب شاي.. وضعته أمامي ،قفَّ شعر رأسي وانتابتني رعشه هزّت كياني .. سألتها عن كيفية دخولها غرفتي؟ ،لم تجب على أسئلتي ..قالت لي وهي تمرر كفها على كتفي :
_من فضلك.. لا تظلم بطلة الرواية لتجعلها تدخل تلك المواخير القذرة وهي بامكانها أن تعيش بدون تلك القذارة ..نظرتُ نحوها وقد إمتلأتُ رعبًا ..كيف عرفتِ ما أكتب ؟..اختفت فور سماعها صوت ولدي الصغير وهو يدلف الى غرفتي طالبا مني حبة "براستول" لصداع يصيبه بين فترة وأخرى .
.

في اليوم التالي حسمتُ أمري بمراجعة (معالج نفسي) ،استعنتُ بصديقي الشاعر على ارشادي إلى أحدهم ..
ما أن صعدت الدور الثاني بصحبة ابنتي وولديَّ .. بعد لحظات استطعتُ أن أقف امام السكرتيرة التي كانت منهمكة بترتيب أحد الأدراج السفلية لمكتبها الصغير،ألهثُ من صعود السلم ..ما أن رفعتْ رأسها نحوي ،ابتسمت لي بذات الابتسامة ..كاشفةً عن شعرها الأشقر بازاحة الربطة بأصابعها البيضاء ،قالت لي بصوت خفيض هي تنظر في عينيَّ وثمة ابتسامة فوق شفتيها :
_عبد الحميد عبد الله ..اجلس من فضلك بالدور .
_هل تعملين هنا ؟!
_نعم ياسيدي.
_اخبريني بصراحة ..لماذا تطارديني في كل مكان ..من دلكِ على بيتي .. من سمح لك بذلك ؟
نهضت من مكانها ،ذات الابتسامة مرتسمة فوق شفتيها ، قالت :
_أهديتك زهرة بيضاء في الحديقة العامة ..ثم اهديتكَ وردة حمراء من حديقة منزلك ورفضتها ..لماذا تكره الأشياء الجميلة ؟ هل بطلة روايتك الجديدة تستحق كل هذا المصير ؟ على كل حال انتظر لأدخلك على المعالج النفسي كي تتخلص من تلك الأوهام والكوابيس ...كانت ابنتي في حيرة مما حصل ،لم تستطع فهم مايجري،أمَّا ولداي فقد التزما الصمت ..بعد قليل أدخلتني امرأة عجوز ،أظنها عاملة التنظيف إلى غرفة المعالج النفسي ..تمددتُ على الأريكة لوحدي فيما بقي أولادي في الخارج ..فتحتُ عينيَّ لأرى المعالج كيف سيبتدئ بطرح أسئلته علي ؟ .. رأيتها تقف عند رأسي وبيدها رزمة أوراق بيض وقلم رصاص..اعتدلتُ في جلستي وصحتُ بها ،بلا شعور مني،فقدتُ اتزاني كلياً ..كان صوتي هذه المرّة عالياً كأنه ينطلق من جوف طبل صفيح هائل :
_ياإلهي .......أنتِ أيضا ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق