أبحث عن موضوع

الأربعاء، 27 أغسطس 2014

قراءه أولية لقصيدة اعتذار للشاعر العراقي المبدع عبد الجبار فياض..............بقلم الناقد ناظم ناصر // العراق





قراءه أولية لقصيدة اعتذار للشاعر العراقي المبدع عبد الجبار فياض
و القصيدة من مجموعة شعرية ستصدر قريبا بعنوان (عودة السمري)

بقلمي ناظم ناصر
27\8\2014

شاعر تشتاق إليه الحروف والكلمات فهو يشكلها كيف يشاء يمسك باللحظة فيستنبط منها ومضة الشعر استنباطا تسكن الدهشة بين كلماته ومعانيه، فهو شاعر الدهشة يكتب بلغة الصوفية عن الحب فيتأله صبابة فيبدأ كلامه جمالا وينتهي عذوبة بفيض من الإبداع كشلال يتلألأ بنقاء الروح وجمال القلب بهيا كبهاء الفجر وصفائه ،يستخدم الوعي واللاوعي في الوقت نفسه ،الحلم والسراب الحضور والغياب الموروث والحداثة بتسلسل منطقي للأفكار , فهو ينقلك من الواقع إلى الحلم ولا ينتهي به المطاف بان يقدم لك النص ويكتفي لا بل يدعوك للمشاركة في هذا الحلم ، وربما لتكتب قصيدة قد تكون بدون كلمات ولكن بالخيال لتخلق صورا أخرى مضافة لصور القصيدة فالشاعر لا يهبك الكلمات فقط بل يمنحك الخيال، فعندما تقرأ له قصيدة تسأل هل الجمل والكلمات تصل إلى معانيها ؟ هل هذا ما قصده الشاعر وما كان يصبو إليه ؟ وهنا تجد عبقرية الشاعر والنقطة التي بنى موهبته عليها فهو يرسم اللوحات بكلماته ليجعلك تصل إلى أبعد من ذلك، إذن الشاعر لا ينتهي دوره بان يقدم النص ويقف بعيدا عنه، لا فهو موجود معك في النص يرسم لك طريقا للكمال لان النص روح الشاعر المتوحدة مع الكلمات. شاعر قل وجوده في هذا الزمان وسنتناول في هذا المقال كمتذوقين للشعر قصيدته الرائعة (اعتذار) ونحن نعتذر منه إن لم نصل إلى لغته الراقية، فشاعرنا متفرد بذاته متوحد مع قصيدته يعرف حروفه حرفا حرفا، يمسك بريشته ويبدأ برسم لوحته فيصف حبيبته من العينين ، وأرجو من القارئ أن يتأمل هذا التدرج باللون وباللوحة فالعينان بحيرتان ذاب فيهما المساء عن أصيله ،انظر إلى البحيرة هاهي أمامك وقت الغروب وشمس الأصيل ذاهبة في المغيب ترى تلؤلؤ الماء بموجات صغيرة تعكس هذا الغروب شيئا فشيئا وتذوب الشمس في البحيرة كما يذوب المساء بهدوء مع موسيقى الموجات يداعبها نسيم المساء هنا يأخذك الحلم والتأمل إلى ابعد حدوده لتكتشف أن الشاعر لا يرسم بل كان يتأمل بعيون حبيبته وأنت الذي كنت ترسم المنظر
عيناها
عنهما
بحيرتانِ ذابَ فيهما المساءْ
عن أصيلهِ
سحرُهُ المُذابُ غابْ . . .
لكنّما
بقعٌ طفَتْ
شاهَ وجهُ الماءْ
لا ظلَّ يُرى . . .
وينتقل الشاعر إلى وصف الشفتين وهنا ترى الشاعر يأخذك من الحلم ليضعك باتجاه الواقع من اللاوعي إلى الوعي ، من الغيبوبة إلى الحاضر القاسي المرير ويجسد مشهدا من أقسى المشاهد إيلاما ، مأساة المرأة وما تتعرض له من مهانة السبي والاغتصاب والتهجير, وهنا نعرف ماذا قصد الشاعر بعنوان قصيدته الاعتذار فهو قدم لنا لوحة نفيسة غاية في الروعة عن الغزل في مقدمة القصيدة ،لكن في هذا المقطع الذي يبدو كلوحة غزلية لكنه يعتصر ألما، فعن شفتيها اعتصر الكرم دمه لم يقل ماءه لكن قال دمه وكأن الشاعر يريد أن ينبهك إلى حكاية أخرى إلى مأساة ما يجري . انظر إلى الشفتين الجميلتين بلون الكرم لون جميل بهي لكن هذا الكرم اعتصر دمه فسال سحرا في محال وينتقل بك الشاعر إلى أصل الحكاية أو إلى ما يريد هذا هو المشهد الرئيس، فهذه المرأة جاءها مخاض بالموت وهي تلد فبدل أن يتساقط اللوز كلوز و الزيتون كزيتون تساقطا حنظلا فالولادة عسيرة والمخاض عقيم لا مولود والاسم له ولا أمل أي قسوة بهذا المشهد كأننا ننتظر أملا بهذه الولادة اسم ولا مولود ولا أمل وهذا يطابق واقع الحال وما يجري في البلاد. إذن هنا قضية الشاعر هي قضية الوطن باجمعه ،فالشاعر ببراعة المستكشف كيف استشرف القضية بان يوصل القصيدة إلى خارج الحلم إلى حيث يريد أن تصل
عن شفتيها
اعتصرَ الكرْمُ دمَهُ
فسالَ سحراً في مُحالْ . . .
امرأةٌ
جاءَها مخاضُ موتْ
تساقطَ اللّوزُ
والزيتونُ
حنظلاً
تعافَهُ مجامرُ الشّتاءْ . . .
كُتبَ الأسمُ
واختفى الوليدْ . . .

والشعر هو موج وليس كأي موج فهو موج بلا ضفاف ينتظر لمسة حنان أو همسة أو قبلة بلهفة الشوق , كصرح ممرد، حيث بلقيس كشفت عن ساقيها فتحجرت عيون البحر دهشة وانبهارا ,والبحر لجي لا شواطئ له والنوتي يهمس بشوق الحنين يبحث عن شواطئ النجاة فأي انبهار هذا عن
شعرِها
لا موْجَ
تلثمُ لهفتُهُ الضفافْ
بلقيسُ تكشفُ عن رُخامِ ساقْ . . .
تحجّرتْ عيونْ
البحرُ يُخفي آلامَ نوتيٍّ
يشطرُهُ حنينْ
يهربُ عنه شاطئُ النّجاةْ
فيستفيقُ موتُهُ
ويتركُهُ يموتْ !

ولونها ،الشاعر يصفه مقدما هو القمحي فهاهو الليل في أخره والفجر بدأ يشقشق عن نوره ويسكب شذاه نقيا في أقداح تيه ،وهذه العبارة هي من فيض البهاء الذي يلقي على بهاء الفجر بهاء ليثمر البهاء ثمره، فيحين وقت قطافه فأي بهاء يبغي الشاعر لجمال الوجه الذي هو نقي كالفجر؟
عن قمحِ لونِها
يسكبُ ليلٌ آخرَهُ
في أقداحِ تيْـهْ . . .
بيضاءُ في حدادْ
يغلقُ بابَها
ويقطفُ ما يُريدُ من قطوفْ . . .
ويتكأ الشاعر على همومه يعتصر ألما ، كأنه يتكأ على جدار من الريح متفردا وحيدا مسافرا ، ألمه لا يرافقه في سفره هذا سوى دخان الهموم و السكائر و الآهات يتبع بعضها البعض متأملا ماذا يحدث في وطنه من أمس كئيب و حاضر عقيم ومستقبل عصي ومستحيل ؟ فأي محنة يعيشها الشاعر يحمل مآسيه ومآسي الناس ؟ والمرارة في حلقه كصرخة بلا صدى يتأمل ظهور البطل العراقي كلكامش او قلقميش او عياش كلكامش الرافض للموت الباحث عن الخلود ليبدأ من جديد بناء حضارة الحياة
اتكأَ
يعصرُ ألماً . . .
يسافرُ
وحيداً بفنجانِ قهوتِهْ
يصحبُهُ من سيكارتهِ
دخانْ . . .
تجمعتْ في حلقهِ
مرارةٌ من يومهِ الكئيبْ
وآلامُ أمسهِ
لمّا تزلْ بطراوةِ قربهِ المعبّأِ بالهموم . . .
ويعودُ كلكامش بجروحٍ صامتةْ
الجروحُ العميقةْ
تقررْ
ولا تثرثرْ !
ويبقى الشاعر متأملا الحياة باحثا عن أمل قد يأتي على أجنحة النوارس بريئا مشرقا كوجه طفل متذكرا لقائه الأول رغم المنايا التي تحيط به وبوطنه ، قد تكون رصاصة عمياء تثقب هذا الجسد فينتهي كل شيء الأشواق و الأحلام والمواعيد، العناء وانتظار الأمل رصاصة واحدة متجه الى القلب مباشرة قلب الوطن أو قلب الشاعر فالاثنان اندمجا وأصبحا كيانا واحدا، فالشاعر يتنفس وطنه، حلمه الذي لا ينتهي معبأ بكل الأشواق ، لكنه يقف بوجه الموت شامخا باسقا كنخيل العراق ويجعل من جسده درعا يحمي الوطن
عن لقائهِ الأوّلْ
على أجنحةِ النوارسِ
يأتي ما يأتي
ويغادرْ
كيف يكونُ الكونُ ؟
وجهَ طفل
إيراقَ فنن
هطولَ شوقْ
لكنّها
رصاصةٌ عمياءْ
ثقبٌ
ينزفُ عشقاً
لا يوقفُهُ إلآ عاشقٌ
بحضرةِ معشوقْ
انطفاءٌ متوهجْ . . .

رغم المرارة والهم الذي يخيم على الوطن كغيمة من الكآبه ،تغلق منازل القمر تخنق الصبح الذي يتنفس، تحاول تأجيل الفجر بكل قوة أو تلغيه بحروب متتالية برهبة الموت والقتل الذي أصبح يوميا وبالجملة ،حرب تطحن كل شي و أول ما تطحن الفقراء، فتجدهم بلا مأوى مهجرين ،سعيد منهم من يجد ظل شجرة أو جبلاً يأوي إليه، وكثيرا من الأحيان لا يجد الا ظله يأوي اليه أو تجدهم أشلاء متناثر كأنهم وطن ذاهب نحو النهاية أشلاء متناثرة كالوطن
لا بوْحْ
أغلقَ كُلَّ منازله القمر
وطوى خيوطَهُ عن أرضٍ يبابْ
تشتمُ المساءْ
وتدفنُ الصّباحْ
كأنَّ ريحاً فتتْ حرباً في عيونِ الفقراءْ . . .
ولذلك أصبح الوطن والفقراء همَّ الشاعر الوحيد، ولذلك يعتذر لا يجد ما يكتب به الاعتذار سوى ورقة صفراء ،فالحرب لم تترك أي شيء ولم يجد سوى حبر احمر، ربما يكون دم العصافير أو دم الناس أو جرح الوطن ، أمانيه معلقة على خيط عنكبوت وهو حزين حد البكاء ،الذي لا يصل إلى العيون بل يذهب إلى القلب وما أصعب بكاء القلب! فالوطن تحاصره المنايا من كل اتجاه ،أذن اعتذر لعينيها وليجعل الغزل مؤجلا، لكن الشاعر ببهاء قلبه وجمال روحه ينتظر يوما تشرق عليه الشمس يوما هو يسميه لأنه يمتلكه ويحيا فيه الوطن حياة حرة كريمة حتى لا يجره للوحل رغيف خبز ويستعيد الجوري فيه لونه وكبريائه
أنْ يكتُبَ لعينيْها اعتذارْ
لم يجدْ غيرَ حبرٍ أحمرْ
وَرَقٌ بلونِ الحربْ
وأمنيةٌ معلقةٌ بخيطِ عنكبوتْ. . .
عصى في جفنيْهِ دمعْ
تخشّبتْ أصابعُهْ
عشق وجُرحُ وطنْ ؟
العصافيرُ تموتْ
السّواقي تغصُّ بمائِها النّميرْ
كُلُّ المنايا حاضرةْ
الكتابةُ عن العشقِ مؤجّلةْ
لحين . . .!!
. . . . .
سأكتبُ عنها
حينَ تلدُ الشّمسُ يوماً
أُسميه أنا . . .
حينَ يستعيدُ الجوريُّ لونَهُ المفقودْ
حينَ لا يجرّني للوحلِ
رغيفُ خبزْ !

وأخيراً الشاعر الكبير عبد الجبار الفياض بإبداعه يعيد للشعر بهاءه وألقه وأناقته
بغداد 27/8/2014

اعتذار
كتبت لي أديبة من تونس هل كتبتَ غزلاً ؟ فقلت :
عيناها
عنهما
بحيرتانِ ذابَ فيهما المساءْ
عن أصيلهِ
سحرُهُ المُذابُ غابْ . . .
لكنّما
بقعٌ طفَتْ
شاهَ وجهُ الماءْ
لا ظلَّ يُرى . . .
. . . . .
عن شفتيها
اعتصرَ الكرْمُ دمَهُ
فسالَ سحراً في مُحالْ . . .
امرأةٌ
جاءَها مخاضُ موتْ
تساقطَ اللّوزُ
والزيتونُ
حنظلاً
تعافَهُ مجامرُ الشّتاءْ . . .
كُتبَ الأسمُ
واختفى الوليدْ . . .
. . . . .
عن شعرِها
لا موْجَ
تلثمُ لهفتُهُ الضفافْ
بلقيسُ تكشفُ عن رُخامِ ساقْ . . .
تحجّرتْ عيونْ
البحرُ يُخفي آلامَ نوتيٍّ
يشطرُهُ حنينْ
يهربُ عنه شاطئُ النّجاةْ
فيستفيقُ موتُهُ
ويتركُهُ يموتْ !
. . . . .
عن قمحِ لونِها
يسكبُ ليلٌ آخرَهُ
في أقداحِ تيْـهْ . . .
بيضاءُ في حدادْ
يغلقُ بابَها
ويقطفُ ما يُريدُ من قطوفْ . . .
. . . . .
اتكأَ
يعصرُ ألماً . . .
يسافرُ
وحيداً بفنجانِ قهوتِهْ
يصحبُهُ من سيكارتهِ
دخانْ . . .
تجمعتْ في حلقهِ
مرارةٌ من يومهِ الكئيبْ
وآلامُ أمسهِ
لمّا تزلْ بطراوةِ قربهِ المعبّأِ بالهموم . . .
ويعودُ كلكامش بجروحٍ صامتةْ
الجروحُ العميقةْ
تقررْ
ولا تثرثرْ !
. . . . .
يعاقرُها . . .
أبو نؤاسٍ
معتقُ الدنانْ
يريقهُ بصحوةِ الضّليلْ
يحتسى لوماً بلوْنِ صفرائِهِ الدّواءْ
عن نـدِّهِ
غابتْ أشياءٌ
وأشياءْ
أسكرٌ
ورباطُ خيلْ ؟
. . . . .
عن لقائهِ الأوّلْ
على أجنحةِ النوارسِ
يأتي ما يأتي
ويغادرْ
كيف يكونُ الكونُ ؟
وجهَ طفل
إيراقَ فنن
هطولَ شوقْ
لكنّها
رصاصةٌ عمياءْ
ثقبٌ
ينزفُ عشقاً
لا يوقفُهُ إلآ عاشقٌ
بحضرةِ معشوقْ
انطفاءٌ متوهجْ . . .
. . . . .
لا بوْحْ
أغلقَ كُلَّ منازله القمر
وطوى خيوطَهُ عن أرضٍ يبابْ
تشتمُ المساءْ
وتدفنُ الصّباحْ
كأنَّ ريحاً فتتْ حرباً في عيونِ الفقراءْ . . .
. . . . .
أنْ يكتُبَ لعينيْها اعتذارْ
لم يجدْ غيرَ حبرٍ أحمرْ
وَرَقٌ بلونِ الحربْ
وأمنيةٌ معلقةٌ بخيطِ عنكبوتْ. . .
عصى في جفنيْهِ دمعْ
تخشّبتْ أصابعُهْ
عشق وجُرحُ وطنْ ؟
العصافيرُ تموتْ
السّواقي تغصُّ بمائِها النّميرْ
كُلُّ المنايا حاضرةْ
الكتابةُ عن العشقِ مؤجّلةْ
لحين . . .!!
. . . . .
سأكتبُ عنها
حينَ تلدُ الشّمسُ يوماً
أُسميه أنا . . .
حينَ يستعيدُ الجوريُّ لونَهُ المفقودْ
حينَ لا يجرّني للوحلِ
رغيفُ خبزْ !
. . . . .
عبد الجبار الفياض


20/8/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق