أبحث عن موضوع

الاثنين، 17 فبراير 2014

الكلام والصمت بين التأثير والتأثر............... بقلم نسرين مشراوي / تونس




 الحب والكره يبقى مفهوماً نسبياً في عالمنا، وهو ينتج عن المشاعر والأحاسيس، وما هي إلا إرهاصات بيولوجية تتجلى في جسد الإنسان نتيجة تفاعلات كيماوية، وإفرازات هرمونية تتم من خلال الجهاز العصبي، ولولا ذلك لا يوجد شعور أو إحساس فهناك أحاسيس عصبية و كيميائية وفيزيائية و ميكاديناميكية، فهي متنوعة، وهي ردة فعل لتأثير معين … إجمالاً الأحاسيس هي تفاعلات بيولوجية تحدث بالجسم الإنساني؛ لهذا تختص بعض الأعضاء به وتكون مؤدى للفرحة أو للحزن الخ… فيحدث بعلاقتنا بالأخر شعور يتولد من هذا التقارب ربما بإحساس مشترك يكون سيئاً أو جيداً أو مختلفاً من طرفين، فالمشاعر والأحاسيس تحدد علاقاتنا بالناس، ويكون لها تأثير هام علينا، فنأثر من خلالها ونتأثر، وتبعاً لهذا فإنه من المهم الحديث عن الأحاسيس والمشاعر قبل أن أخوض في الحديث عن الكلام والصمت لأنها في علاقة وطيدة . فهل حقاً أن الحروف أحياناً تكون سبباً في موت الكلمات والأحاسيس حين نقولها وأن الصمت في غالب الأحيان أبلغ من الكلام؟ وهذا ما يدعم أن لكل شيء معنى حتى الصمت الذي نرى أنه يعطينا فرصة للتفكير والتأمل في أحاسيسنا والمشاكل التي يدور محور حياة الفرد حولها، وأنه وسيلة للسيطرة على الأخر من خلال حوار تقوده نظرات العين، وتتدفق المشاعر البكماء سمعاً لكنها تقرأ بالنظرات والحركات وردود الأفعال، كل شيء في حياة الفرد نسبي، فالصمت يعني أنه الأرقى؛ لأنه قد يكون ضعفاً أو هروباً وقد يكون قوة وتفادياً للتعقيدات، وكله ينضوي تحت شخصية الفرد ونوعها، وهذا ما أكدته بعض النظريات النفسية، من جانب أخر الأحرف والكلمات قد تكون سلاحاً للحرية والتعبير بمفهوم أشمل لدواخل الفرد لتكون دعماً له ترتقي به ونطاقاً لإبداعهم الفني الأدبي كالشاعر والأديب تكون الكلمات حبراً لمشاعرهم وأحاسيسهم التي تعج بداخلهم برسمها في شكل أعمال فنية أدبية كالقصائد والنصوص النثرية الشعرية والأدبية كالقصة والرواية الخ وتكون للإنسان العادي انعكاسا لكينونته البسيطة إما سلباً؛ فتتسبب في انهيار العلاقات المتصلة به من خلال عدم توفقه في الكلام، فينعكس ما يشعر به أو يكون سبباً في جلب الأفراد والصدقات من خلال سلاسته اللفظية وجمالية التعبير…كذلك الممثل المسرحي يعتمد على مفهومي الكلام والصمت في العرض المسرحي، وذلك بالمزاوجة بينهما إلى جانب بعض التقنيات الأخرى؛ ليجسد الدور الذي يلعبه لتقديم وتوصيل صوره مشهدية فنية للمتقبل، لهذا سنخوض في الكلمة والصمت كأصوات مسموعة ومعلنة وكأصوات مخفية لكنها مقروءة وخاصة في علاقتها بالمسرح والممثل. الكلمة يتم تحقيقها عبر الأصوات الملفوظة أو عبر العلامات المكتوبة، أي الكلام الفردي الذي اختص به الفرد (الإنسان)، والكلمات تختلف من حيث عدد المقاطع التي تتكون منها الكلمة وهي "مجموعة من الأصوات تتخذ أشكالا معينة "، فهناك من الكلمات ما يتكون من مقطع واحد، وهناك كلمات ثنائية المقاطع وهناك كلمات تشمل أكثر من ثلاثة مقاطع . تتكون منه الكلمة مقطع ، وهو صوت كما سماه "ابن جني" بأنه صوت، بما أن الحرف هو صوت لغوي فإنّه توصل كذلك إلى وجود نوعين من المقاطع . "المقطع الأوّل: يتكون من (صامت وحركة)، والمقطع الثاني :يتكون من (صامت وحركة طويلة)" . "أما المحدثون اتفقوا على وجود خمسة مقاطع وهي تختلف عما اتفق عليه القدامى وهي كالآتي: المقطع الأوّل: عبارة عن (مقطع قصير مفتوح)، والمقطع الثاني: عبارة عن(مقطع طويل مفتوح) ، أمّا المقطع الثالث: فهو عبارة عن(مقطع طويل معلق) المقطع الرابع: عبارة عن (مقطع طويل حركته طويلة) والمقطع الخامس: عبارة عن (مقطع زائد في الطول)" . إذن الكلمة مجموعة مقاطع أي أصوات، يستعملها الإنسان الذي هو الكائن الوحيد الناطق، وتتكون الكلمات إثر رغبة المتكلم في التعبير عن أحاسيسه وانفعالاته بها، لأنّها هي"التي تعرفنا بالمشاعر والأشياء مباشرة وببساطة، فتمكننا من استعمالها، أي تضع نفسها في خدمتنا فتنقل مشاعرنا إلى الآخرين" أي أنّها الرابط أو القناة التي يستعملها الفرد ،فكلّ كلمة تثير صوتاً عاكساً لدواخله، وتُعنى بجملة من الخصائص الصوتيّة التي تحملها الكلمة عبر المتكلم؛ لأنّها مجموعة من التصورات تعطي فكرة عن الناطق بها، لهذا نتعرض لمجموعة من المقاطع أو الكلمات التي تتخذ وضوحاً وبروزاً أكثر في سائر الجملة سواء كانت مكتوبة أو ملفوظة من خلال وضوح الكلمات، فعلى المتكلم (الممثل) في أدائه الحركي أثناء العرض أن يبلغ صوته إلى إذن السامع بقوة صوته أي الكلمات، فعندما ينطلق صوت الممثل بنفس قوي من خلال الكلمة يتضمن طاقة أعظم، وأن قدرته على التحكم في ارتفاع صوته وانخفاضه عبر الكلمة يحدث التنغيم ذلك "أن كيفية التنغيم للصوت هي التي تعيننا عن تميز أصوات الأشخاص" وهو عبارة عن تذبذبات تحدث نغمة موسيقية، أي عبر ترتيب الممثل النغمات المتتالية في الجملة الكلامية التي يؤديها في حواره على الخشبة، لأن الكلمة عبارة عن همس، فيلجأ الممثل إلى التنغيم كي يستعملها في حالات نفسيّة قد تفرضها عليه الشخصيّة مثل "الحيرة "و"الهذيان أو" السعادة"، فمن مميزات الكلمة إنّها ترسم حالة صاحبها، وهي كذلك عبارة على مجموعة رموز تحمل القيم الإنسانية كالحب والتسامح ...الخ ، إضافة إلى أن الكلمة الواحدة قد ترمز إلى معنيين نقيضين، مثل كلمة "فضيع"، ومعنى مثل هذه الكلمات يحددها سياق الجملة التي ينطق بها المخاطب. التراكيب والجمل، أي إنشاء الكلام مصدره الممثل في العرض المسرحي، الذي يقوم بالإبداع والخلق، لينتج العديد من وضعيات المسرحيّة حين يصوغها أو يترجمها بصوته وجسده "هو ما يمكن أن ننجزه بهذه الكلمات وما يعطي حياة لكلمات النص الجامدة و ما يحولها إلى كلمات ناطقة "، فهو الذي يضيف الروح للكلمات التي ترسم على الورقة بروح المؤلف ليرسمها على خشبة المسرح عبر صوته باعتبارها تحدث صوتاً استناداً للطاقة التي يدفعها بها الممثل لتصل إلى السامع . الممثل هو الذي يصوغ الكلمة ويحولها إلى شيء مسموع ، وهو الذي يتحكم في درجة تأثيرها في السامع من خلال صوته وأدائه الجسدي الذي يترجمها به، ولكن هل للصمت نفس وقع الكلام أو الكلمة عند المتقبل؟ الصمت: يحظى الصمت بأهميّة في العرض المسرحي خاصة في جانب التعبير المسرحي لقوته في التأثير على المتلقي فعُرّف اصطلاحاً على أنّه "عدم تحقيق لعمليّة تلفظ يمكنها اوجب عليها أن تكون في وضعية معينة" ، فهو عبارة عن انقطاع الصوت لمدة زمنية، ولكن ليعني هذا أنّ إيصال الأحاسيس والمعاني قد تتوقف مع لحظات الصمت "فاللغة ليست فقط عمليّة توليد الأصوات ، إنّها أيضا عمليّة تفاعل معقد بين الصوت والصمت ، فالصمت أو الوقفات بين الأصوات تتيح للسامع أن يميز بين الكلمات و أن يدرك نهاية الجمل والعبارات" ، أي أنّه يكون في الكثير من الأحيان مرادفاً للكلام إن لم يكن بديلاً عنه في المواقف التي يكون على الممثل أن يرسم بناء الدرامى من خلال حوار كلامي، فمعاني الصمت تختلف من موضع إلى أخر، ومن جملة إلى أخرى، وإذا كان العرض المسرحي يحتوي على جملة من الأدوات التي يقوم عليها كالملابس والإضاءة ، فانّ الصمت يقوم عبر تنوعه الفكري والحسي حسب ما يترجمه الممثل والمخرج وصولاً إلى المتلقي، لذلك ينقسم بدوره في العرض إلى نوعين، وهما: " الصمت المحايد والصمت المعبر، فصمت الجمهور عند انطفاء الأنوار قبل رفع الستارة صمت محايد لا يحمل دلالة خاصة، ويختلف تماماً عن فقرات الصمت المشحونة التي تتخلل العرض، والتي تأتي بأثر فريد في قوته"، أي أنّ الصمت ليس خالياً من التعبير، ففي غياب الكلام تحل الإيماءة أو الإشارة التي ينتجها الممثل في العرض المسرحي، والذي عليه أن يعلم كيفية تنظيمه واستخدامه " لذلك استخدم ( ستانسلافسكي ) وعلى الخصوص (داشكوا) معالجة واسعة لما يسمى (المونولوج الداخلي) الذي يلقيه الممثل بوعي خلال لحظات صمته على الخشبة "فالممثل حين يصمت ليس ليقطع الكلام والحدث، ولكن عبر إحساسه ولفظه الداخلي، ولكل ممثل طرقه في إيصال ذلك الصمت حيث "تختلف معاني الصمت باختلاف مواضيعه بين الجمل، فيمكن للصمت أن يكون هو الصمت المعبر" ، فهو ذلك المزيج الذي يتكون بين غياب ما هو ملفوظ ومسموع إلى انبعاث وتوليد ذبذبات خفيّة تصل إلى المتلقي ليتفاعل معها كما يتفاعل مع الكلمات و يستمتع بها، ليدرك أنّها تواصل للأحداث باعتبار أنّ "الصمت ليس فراغاً في الوجود بل هو الملء البنيوي، لأنّه يملأ عند حضور الشخص الفرجة بين الألفاظ والأشياء والغير، ولا ينفي اللسان بل يهيئه بنفس الدلالات أو على الأقل بنفس العلامات" . إذن فالصمت دلالة على التواصل والتفاعل لدى الممثل مع الأحداث ومحاولة تقديمها إلى المتقبل بطريقته الخاصة وبصمته فقد يوجد في المشهد ثلاثة ممثلون يؤدون نفس الحدث، ولكن كلّ ممثل سيوصله للمتلقي بطرقته وإحساسه الخاص و"أنّ القوة الخلاقة في الممثل أو قدرته الإنشائية المبدعة يجب أن تأتيه من الداخل، من أغواره، بينما يظل صوته وجسمه آلتين طائعتين في يدي ذلك الفنان العبقري، وأنّه لمن أوّل واجبات الممثل أن يتعلم كيف يسيطر على إرادته، فيعرف متى يتكلم ؟ ومتى يصمت ويقف بلا حراك؟، ويعرف كيف يتجنب الإجهاد والتوتر، حيث أنّ فعل الإبداع يجب أن يكون نابعاً من الإحساس الداخلي" أي أن الإبداع عند الممثل ناتج عن الإحساس الداخلي مدركاً لأهميّة الكلام والصمت. إذن الكلام والصمت هي أصوات ناقل للمشاعر والأحاسيس التي بداخلنا، فهناك أصوات حينما نسمعها تزيد في دقات القلب، إما لأنها تسعدنا أو تخيفنا …فالصمت صوت، والكلام صوت، وهي الناطقة لمشاعرنا وأحاسيسنا ونستعملها للتواصل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق