أبحث عن موضوع

السبت، 19 يونيو 2021

قصة قصيرة ( شمس الأعراف )............... بقلم : صباح خلف عباس // العراق




لم تكن لديَّ فكرة كيف أجد ابي باديء الأمر … سألتُ العابرين  ، فأشار بعضهم إلى الجحيم ، وأشار أخرون الى طريق الجنة … 

أنا عالق في فوضى عارمة منذ اللحظة التي مات فيها والدي ، وعلمي أيضاً بأن السماء عازمة أن تأخذ كل الأرواح ، تحصدها تباعاً ، ولسوف لن تستبقي أحداً … وسألت عن سيرته فصرح بعضهم :

—-  ابوك كان لصاً تافهاً … سرق متاجر ومحلات 

وقال بعضهم  :

—- لقد كان رجلاً شريفاً وعادلاً ، فاضلاً يُحزن لموته …

أما أقرب الناس إليه (أمي) فقد قالت :

—  لا تشعر بالحرج كونك ابنه … عليك أن تفخر به 

أمًا أنا اشعر بأن أسلوب الصمت المتعدد الأبعاد لن ينفع بعد الآن وعليّ أن أهزّ الشجرة بقوة ، وإنها بحاجة إلى الهزِّ منذ سنوات ، وسأعرف ما يسقط منها … العهن والعهر … أم الشرف والسمو ، وعلى هذا الأساس اما أمشي على اثارك ابي ، وأتوقف عند رغباتك ، وذلك بالتاكيد سوف يمنحني شعوراً كبيراً بالرضا والسعادة ، أو تسقط غرائز آثمة … وهذا يعني إني تلقيتُ تعليماً سيئاً ، وعليّ مغادرة عهدك وحقيبتك التي تركت وصيتك بها والدي وبالكامل 

أنا الآن ما عدت أعرف نفسي … ، ويبدو إني سقطت ُفي هوس اكتئابي أدخلني ضياع لا قرار  له ، كيف يبدو لديك الأمر عندما تعلم إن اباك ، هذا الرجل الذي انت من دمه ولحمه … وتعرف ان كليهما فاسد ؟؟ 

أنا أنحدر تدريجياً نحو الجنون … لذا عليّ ان أفك الرموز وبسرعة لأن كل يوم قادم سيجعل الأمور أسوء …ويتفاقم الخوف ، خائف من النظر  من فوق جدار الأعراف بسبب ما قد أراه عن ابي وهو يتقلب في الجانب المظلم من الآخرة 

حيث لا أستغرب لو أنه قام بحماقة ما توفر له بطاقة مرور في مستنقع الإثم

 والإنغماس فيه ٠

عليَّ الاعتراف بأني لستُ في المكان الذي يُفترض بي التواجد فيه بعد ، لذا عليّ الصعود والتسلق ليتسنى لي رؤية ما على الجانبين للتأكد من تواجده 

لم اره في كلا الجانبين فصحت : 

— أين انت حبيبي …؟ أبالجحيم مسكنك أم بالنعيم ؟؟

بالتأكيد هو حبيبي فبفضله لم أعرف اي شيء عن الفقر ، أوالسكن المروع ،أو القمل الذي يدبي في أحياء البسطاء وتلك القذارات حيث العائلات بكاملها تنام على ذات السرير  ، وكنت لا أعرف عن الشغف  الذي يولد على أثره طفل تلو الآخر … ومخاض تلو الاخر ، لم أكن أعرف أي شيء عن الحياة بذاتها ، وأنا على وشك هدم ذلك العالم الافتراضي الذي بناه الوالد لي ، أن أخلق المتاهة الخاصة بيَّ فقلت في نفسي :

— عليّ أن أتجدد ، ولا أتبدد 

في معركة أنا الآن ، وستكون أبدية بين الخير والشر،٠ 

وطال جلوسي على الفراش أفكر بكيفية إنهاء هذا القلق ،لأرجع إلى سجيتي … فقد إنقسم وجودي إلى فصلين… فصلان مقسّمان بكارثة صامتة … أتمدد على فراشي تارة وأخرى أطفو على  السماء … ووجهي للأعلى ،أغمض عينيّ من الشمس ، واقفل آذاني بيديّ ، فأشعر وكأنني وحدي في هذا العالم ، حيث لا أشعر بأحد … أُريد الصعود للأعراف حيث أطلُّ على العالمينِ المتناقضين وأرى مسكن ابي ، هذا هو قدري وعليّ تغيّره وإثبات العكس وأصيح بالناس :

— هاهو أبي أنظروا اليه يرقص بثياب ناصعة البياض مثل قلبه …

أنا أتطلع الآن الى تحمل المسؤولية ، وهي فكرة عبقرية جريئة صعود ربوة الأعراف الخالدة ، وتسلقها بقلب يشتعل بالقلق والريب ، لأسقط ضوء ابي على وجوه المشككين بنزاهة أبي أقول للجميع :

—  كفى كوني شبحاً أعيش بينكم

يجب أن تسير الجموع بهذا الضوء … بضوء الشمس اللامعة البازغة من أعلى الاعراف ، ولابد لمصيبتي من نهاية مشرفة ،وها أنا الأحق شمسي لاتوازن بالكامل ، الأرض آخذة في الارتفاع ، والسماء آخذة بالنزول … وشواطيء تصدر أصواتاً رعدية منذرة ، وها أنا زاحف نحو السماء بكل إصرار  صارخا :

- سآتيكم ايها الأوغاد ببرائة أبي ٠


         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق