أبحث عن موضوع

الجمعة، 17 يناير 2014

الفن المسرحي العراقي في المنفى تعددت مستويات الرؤى والخطاب واحد /الباحث سعد السعدون





مر المسرح بمراحل زمنية مختلفة أخذت خلاله التجربة المسرحية أشكالاً عديدة فمنذ عهد المسرح الإغريقي الذي يعد  أول مسرح تبلورت فيه أولى التجارب المسرحية في العالم والذي أعتمد في معماريته فكرة المذبح الذي تجسد على جنبات فضائه التراجيديات التي عرفت في ذلك الحين في بلاد اليونان كمأساة أوديب ، الكترا ، أنتيغونا وغيرها ومروراً بالمسرح الروماني الذي اختلف في نوعية ما يقدم من دراما بالإضافة إلى اختلاف أشكال باحات العرض  التي تنوعت بين ملاعب رياضية وميادين عامة تصل طاقة اتساعها إلى 50 ألف متفرج حيث كانت طقسية العرض المسرحي تجرى في الهواء الطلق وهكذا ظل عامل التغيير الهاجس الذي يحرك مواهب المشتغلين في الفضاء المسرحي من مؤلفين ومخرجين وغيرهم فقد مر المسرح بطور الكنيسة حتى وصل إلى شكله التقليدي الذي يسمى بالعلبة والذي هو ابتكار أو تسمية إيطالية من حيث أن الإيطاليين هم الذين توصلوا إلى هذا الشكل ولم يقتصر عنصر التغيير على موضوعة الشكل والمعمار الفني الذي يمثل الوعاء الذي يتحرك الذي يتحرك عبره الخطاب الفني بل وحتى الخطاب الأدبي الدرامي كان قد مر بذات المراحل فقد شهدت فترات زمنية مختلفة ظهور أنماط أدبية مسرحية معينة طفت على السطح نتيجة لجملة ظروف موضوعية  فلم يعرف المسرح فقط ما عرف  في فترات ولادته الأولى من ملهاة ومأساة والكوميديا الساخرة التي تسمى الفارس فمع مرور حركة الزمن ومعطياتها العامة أفضت الى ولادة أنماط عديدة مثل أدب شكسبير والتعبيرية والرمزية والطليعية ومن جميع هذه المراحل الطويلة يمكننا أن نخلص بأن   المسرح ظلت مهمته رسالية وفكرية بالدرجة الأساس وإنه  لابد أن يتوجه أولاً إلى النخبة الواعية تلك التي تحترم دورها في المجتمع والحياة والتي تثمن دور المسرح الإنساني والثقافي ومن المعروف أن المسرح لم تعد وسائل انتشاره مقتصرة على الذهاب لقاعات العرض بل توسع بشكل أفضل من السابق نتيجة لانتشار وسائل الاتصال بما فيها الفيديو والشاشة الفضية على عكس ما كان سائد في زمن الرومان حيث كان الجمهور يحضر لأجل كسرة خبز أو بعض الهدايا التي يقوم بتوزيعها بعض النبلاء من أجل استقطاب أكثر عدد ممكن من المتفرجين بينما بات جمهور اليوم ضليعاً في شؤون المسرح وفيما يحدث وراء الكواليس وأصبح المخرج والممثل يحسب كل منهم ألف حساب لأنهم لم يعودوا أبناء الماضي بل  إنهم يمثلون  الحاضر الثقافي المشرق وفي تجارب مسرح المنفى العراقي لازال الفنانون العراقيون يخطون ملامح تجربتهم بمعين تراثهم  ومحاولاتهم الجادة في البحث والابتكار ونحن نستنشق من عبير مسرحنا العراقي الاغترابي نتجه إلى إيطاليا لنتعرف على نشاط أحد مبدعينا المسرحيين الذين قدموا تجاربهم النظرية  البحثية والتطبيقية على حد سواء وتمحورت خطاباته المسرحية حول الحرية والجمال نعرج هذه المرة على تجربة الدكتور قاسم بياتلي وهو باحث ومخرج مسرحي كبير متنوع المواهب ترك بصمته على خشبة المسرح الجاد الموجه إلى جمهور النخبة ولقد أضافت مدينة البندقية شيئاً الى ذائقته الجمالية لما تحمله من كنوز فنية وحضارية بوصفها قبلة لكثير من السائحين والمثقفين في العالم . قاسم بياتلي باحث ومخرج مسرحي كبير أعجب بمدينة البندقية التي هي مركز من مراكز الأدب والفن ولد الدكتور قاسم في العراق وتخرج من معهد الفنون الجميلة في بغداد قسم المسرح وحصل على شهادته الجامعية في نفس الاختصاص وبعد أن استقر في إيطاليا واصل دراسته في هذا المجال حتى نال شهادة الدكتوراه . أسس هناك مسرح الأركان وقدم الكثير من البحوث والدراسات في مجال المسرح والسينما امتازت دراساته بالعمق الفكري والأكاديمي وبدقة التشخيص وخاصة دراساته حول المسرح الهندي ، الياباني والآسيوي عموماً ، تأثر بمسرح الأودن في إيطاليا ويوجين باربا في النرويج و الأمريكي يوجين أونيل حاول المزاوجة في أعماله بين الواقعية والرمزية من أبرز أعماله مسرحية فرسان المائدة المستديرة للمؤلف المسرحي الشهير جان كوكتو ، مسرحية موسيقى الشبح ، مسرحية حي بن يقظان ، مسرحية برزخ الشرق ، مسرحية رقصات الأركان ، طفل الليل ، مسرحية جزرة الخروف الذهبية ، مسرحية دوائر المسرح ، والمسرح المعاكس ويعد بياتلي من أبرز رواد النهضة الشاملة للمسرح
العراقي في المهجر .


الباحث والمخرج المسرحي قاسم بياتلي

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق