أبحث عن موضوع

الجمعة، 7 يناير 2022

"ما بعد القلم والدموع" قصة قصيرة مشتركة .......... بقلم الكاتبان : ثائر البياتي وعلي البدر






ضجة وصراخ هزا كياني ، نهضت مرتبكة لا افهم شيئا ، ركلوا الباب بقوة و زجوا بأمي وأختي في غرفتي واغلقوا الباب ، فقدت أختي وعيها ، وظلت أمي تطرق الباب بقوة بكلتا يديها صارخة : اتركوه ، ثم فقدت هي الأخرى وعيها ، لا ادري كم لبثت متجمدة تماما في مكاني ، عند الفجر استفاقت أمي ، زحفت إلى أختي تمسح على وجهها وتلهج باسمها فاستفاقت ، ثم هرعت إلى الهاتف الأرضي بارتباك لم نعهده من قبل ولم نستعد له..
وبدا خالي يشعل سيجارة من عقب سيجارة ، وعمي يدور على مراكز الشرطة والمستشفيات والطب العدلي دون توقف ودون جدوى ، فجأة رن الهاتف ، كان مدير تحرير الجريدة مبتهجا وبدا متفائلا حين قال : نشرنا مقالك يوم أمس وننتظر قصتك بلهفة ، وعدته أن أكملها خلال يومين وأرسلها أليهم ، لكن ماذا سأكتب أنا المدللة المنعمة ، المحلقة مع الطيور لأكمل قصتي الرومانسية بعد تلك الليلة ؟!.. بين سهري المضني قرب سرير أمي التي شلتها الجلطة الدماغية ، وبين همي الثقيل وقلقي المميت على أختي التي آخذها كل أسبوع لجلسة علاجية عند طبيب نفسي ؛ طرق الباب صديق أبي وخله ، ليخبرني إنه لم يكف ساعة واحدة عن البحث عن أبي ، وعرف بأنه معتقل في أحد أقبية الأمن ، وقد أستطاع الوصول إليه حين نقلوه إلى أحد السجون ، وأخبرني بأن انتماء أبي لحزب محظور قد يكلفه حياته ..
صار هذا الصديق مراسلا بيننا ، ينقل أخبارنا وأحوالنا إلى أبي و ينقل إلي رسائله الشفهية التي يحثني فيها على الصبر والجلد ، ويحرضني على أن أكون قوية ومقاتلة .. نصحني عمي بالعودة إلى حياتي الطبيعية ، وشجعني خالي على مواصلة الكتابة ، لكنهم رفضوا كل مقالاتي وكل قصصي ، وأمروني أن أكتب عن الحب والغرام ، لكني قصصت اعتقال أبي ، وشلل أمي، ومرض أختي فأجبروني على الاستقالة ، كنت كلما أزدادت الأيام جورا وقتامة ؛ أسطر المزيد من وجعي ، وكدي ليل نهار ، ما بين خدمة ومراعاة أمي وأختي وبين عملي الذي حصلت عليه بالصدفة في محل لبيع الملابس .. بعد بضعة أشهر أعدموا أبي ، ثم توفى الله أمي بعد بضعة أيام ، فانتقلنا للعيش في بيت جدي ، ولم أتوقف يوما واحدا عن الكتابة ، كنت أسطر المأساة يوما بيوم وساعة بساعة ، كانت اقلامي تذرف الدموع ، وكانت دفاتري تصرخ غضبا وألما ، لكن أختي لم تستطع الصمود ، إنهارت تماما مما اضطرنا لإيداعها مصحا عقليا ..
ولم أدر بأنهم انحدروا إلى هذا الدرك من الخسة ، بحيث أجبروا صاحب المحل على طردي ، لكنهم لم يعلموا إن كتاباتي ازدادت قسوة وشراسة .. كنت أتلوى بين دوامات الغضب والكبت ، وأجازف المرة تلو المرة على عرض مقالاتي وقصصي على الصحف والمجلات ، منهم من كان الخوف يكبلهم ، ومنهم من نصحني بالكف عن المحاولة ، والرضوخ للأمر الواقع .. وفي ليلة مضطربة مرعبة ، دمدمت فيها الرعود ، وزمجرت الرياح ، فكان التغيير ، وبالرغم من أن الصباح لم يكتمل ، والأوجاع لم تنته ، و الجراح ولدت جراحا ؛ إلا إنني نشرت كل ما كتبت ، وحين استضافوني لأحكي حكايتي ، وأعرض كتبي في لقاء تلفزيوني ؛ كان أبي وأمي يطوقاني بذراعيهما ، وكانت أختي تعانقني وتكفكف دموعي. ….
وكنت دائمة التساؤل . أيعقل أن يمتلك الانسان كل هذه القساوة. يسفك الدماء ويقتل الأبناء بدم بارد ويجبر العائلة للحضور لساحة الإعدام و على التصفيق والهتاف للقاتل السفاح، ومطالبتها بثمن الأطلاقات وتكلفة عملية الإعدام؟ حرب ودمار وضياع انساني وارهاب فاق حدودة لتشييد وطن يتصورونه خالدا على جماجم الأبرياء. أيعقل أن يتغنى رفاقهم باغاني واهازيج تبرر الحروب مع الجيران وتشعل الشموع لميلادها ؟ وأنا.. من يأخذ حقي؟ أجنبي ضمن جيش من اللقطاء؟ مشاهد لاتحصى شوهت معالمنا. لصوص واعتداءات امام غاصب محتل دنس ارضنا وهو يراقب بدم بارد..
- أيها الغريب. هؤلاء يسرقون كل شيء لماذا لا تمنعونهم؟ لماذا تفتحون مخازن الاسلحة لتجعلوا الناس تنهب كل شيء؟ ويأتي الجواب بكل خسة ونذاله:
- لم نأتِ لمسك اللصوص أيتها العراقية. إغربي عن وجهي حالا وإلا....
- إغربْ أنت ايها اللص المخادع. أسيادُكَ نمورٌ من ورق. سترى النتيجةَ وستندمُ على كلَ خطوة داست أقدامك أرضنا..
نظراتُ حقدٍ لم أألفها. حركةٌ غير اعتيادية مريبة تلتها صلياتُ إطلاقاتٍ متتالية. تسارعتْ خطواتي وحاولتُ الإختفاءَ. لحظاتُ عصيبةٌ مرَّت أعقبَها إنفجارٌ مُدَوٍّ أرعَبني.. أشلاءٌ متناثرةٌ فوق وحَولَ عجلةٍ مدرعة تحترق. أصواتٌ من بعيد كَسَرَ صداها السكونَ الذي أعقب الانفجار، ظل يسمع من بعيد: لقد احترقَ النِّمرُ. لقد احترق النمر. أيامٌ وشهورٌ وسنونٌ تمُرُّ، قد يغيبُ المحتلُّ ويطويهَ النسيانُ ولكن مَنْ يُنسيني مأساةَ أبي ولوعةَ أمّي وآلامَ الجراح؟ سؤالٌ مازلتُ أبحثُ عن جوابه..
ثائر البياتي و علي البدر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق