أبحث عن موضوع

السبت، 24 أبريل 2021

المــــــــغـــادر................ بقلم : المفرجي الحسيني // العر اق



 لمح، ثبّت نظره في المرآة،  ابتسامة مجهدة على محياه 

  بحث عنها عبثا،  لم تخرج من فمه 

  يحادث امه،  دون أن يلتفت 

  كلمات خالية من معنى

 بدلا من عبارات رقيقة هادئة؟

 فكره ، هاجس غامض

 أشياء قدرية محتومة 

  يغادر غير رجعة 

 لا يمل من تأمله 

  ابتسامة غامضة، ممزوجة بفرح وحزن 

 تلمع ببطء وهدوء على صفحة وجهه 

 داخل يعبر عن ذاته، وكأنه جزء من عملية رفض 

 يتوارى داخل روحه،  نوع من الحمق

  مستحيل،   ايماء خال من  معنى 

منشغلا البحث،  داخل افكاره ، افكاره منهكة 

 لم يستطع أن يقول شيئا اخر

  تصطرع في داخله رغبات فوضوية،  امتزجت بمخاوف  

 راغب في مداعبة قدره

 يتحقق تحت تأثير كلمات حائرة 

  يجول في الغرفة،  اعتراه توتر عصبي 

 لم يتمكن  العثور،  كلمات هادئة 

 مرارة مغادرة المنزل، ولدت كل احلامه 

 رعب  يحمله في طياته 

 أي تغير في نمط الحياة ، يملأ الروح 

 لم تعد الحياة سهلة، اشياء رهيبة غامضة  بانتظاره 

المدينة غارقة في الهجيع، 

  نوافذ تفتح للتو، تظهر وجوه مجهدة عيون خاملة

 تحدق لحظة تولد شمس رائعة 

التفت نظرة محدقا للمدينة واستطاع أن يلاحظ منزله محددا نافذة غرفته 

دخان يتصاعد من اعلى السطوح 

يحبس العالم الصغير لطفولته 

 حفظت والدته كل شيء،  لحين عودته 

 يستطيع أن يبقى طفلا، حتى بعد غيابه الطويل 

  امه تستطيع خداع ، نفسها العيش على امل عودته

الحفاظ على سعادةٍ انقضت  للابد

قبض على زمن هارب لحين عودة الفتى الآيب 

هكذا تعود الاشياء لسابق عهدها 

 يتابع سيره، المدينة بدت ضئيلة خلفه

 عمق يدوي صوت تيار هادر، اكثر يقظة 

  ظلال اشجار وتلال تتصاعد

  وصلت له هذه الظلال المتحركة، بدأت تبطئ سيرها 

 راغبة في اخماد نار حماسه 

 طريقه وعرا بظلمة بنفسجية اللون،  عدا بعض ارتفاعات الهضاب

  تسطع بحدةٍ اشعة الشمس

  فتحة بين التلال،  واشجار غارقة في القمة

 خلف منعرج ملتوٍ، بُعد مسافة لا يمكن تخمينها

  غارق في احمرار شمس الغروب

  بناء منعزل ذو لون اصفر، عصي عليه بلوغه 

دهمه الليل،  جاهد مسيره 

طريقه ضيق لا توجد  انوار

  لا اصوات عصافير ليلية، صوت خرير ماء  

ولم يكن رؤية نهاية الطريق،  يفكر في حياة تنتظره 

 يحس بغرابة تجاه العالم ، غارق في صمت 

 يكابد شعورا طاغيا بالاضطهاد 

 اتسعت مساحة الافق

  مرمى بصره بدأت تظهر أشكال مثيرة للفضول 

 البناء مجرد بناء، تعوي فيه الريح

 أي عزاء يحمله هذا البناء العاري 

 أي عزاء يذكره ببعض نواحي حياة حلوة، مدينة فارقها 

أي شيء في هذا البناء 

بغتة شعر بنفسه وحيدا، تلاشت حماسته 

 لحظة غادر فيها مدينته،  بيت مريح اصدقاء مغامرات

 شعر بتزعزع كيانه، ثقته بنفسه اخذت تتلاشى 

. آه ....العودة نحو بيته،  فكرة اولى  خطرت بباله 

 لا يهم  ضعفا بالنسبة أليه 

 يأمل بكلمة أليفة لطيفة تخرج من فمه 

 ابتسامة غامضة ممتزجة بفرح وحزن

 تلمع ببطء وهدوء على صفحة وجهه 

.دار حول البناء دون أن يعرف المدخل

 كل شيء معتم،  لا نوافذ

  لمح بصيص ضوء عند حافة البناء 

 لاح له خفاش يتأرجح متدليا من الظل المكتوم 

 عند اقدام جدار البناء برز رجل فقير ذو لحية رمادية يحمل كيسا

  لم يميزه بين  الظلال فقط بياض عينيه 

 قال : أنت المغادر؟ بنبرة طيبة محببة 

 كل شيء مغلق لا يوجد احد 

: عد يا ولدي  الى مدينتك ؟

 اعتراه شعور غريب

 قشعريرة سرت في كل اوصال جسمه 

 جاهد أن يصرخ،  اصداء  تدفع الاصوات

 قعد في المكان مسندا ظهره الى الجدار

 ينتظر أن يذهب عنه الروع ويغفو 

يفكر في طريق أتٍ  عليه قطعه، ناس يلتقي بهم

 حيلة مستقبلية دون أن يجد سبب الفرح 

 كل شيء  الرجل الفقير يعّبر عن ذاته

  جزء من عملية رفض

  ضد من ؟ أي خير غامض سري ؟

  يسمع  وراء الجدران صدى بعيد

 ضحكة بدت له غير حقيقية اطلاقا 

 اصداء روحية موغلة في العمق، تسقط من جديد

 غير قادر على فهمها واستيضاحها 

احيان عاش وحيد، حتى في طفولته

 تائها في الريف  المدينة ليلا   الشوارع المكتظة

 هذه الليلة ، قضاها في مكان مسندا ظهره للجدار 

 يشعر بالوحدة ، لم يسبق أن حدث له ابدا في يوم من الايام 

 مكان يبعث الى السأم، لا يوجد شيء جميل،   ساعات هنا

  يبدو الامر أمس، زمان استهلك نفسه،  عبر رتابته ثابتة

  نفسه بالنسبة لكل الناس 

 ليس بطيئا بالنسبة لمن هو سعيد

  ليس سريعا بالنسبة لمن ابتلى به 

 ما حدث منذ مغادرته مدينته

 سوف ينتهي  ليبدو حدثا من الحوادث الغابرة 

 يجري في غفلة منه تيار الزمن 

 ريح تضرب الجدران، القمر يسير بطيئا ،  دون أن يتيه لحظة واحدة 

 نفذ صبره من بزوغ الفجر، قلبه يدق بين ضلوعه 

 نهر الزمان فوق بناء يشقق الجدران،  ينثر غبارا وفتاتا من الاحجار

  يشحذ صخوره، عبث، يمر فوقه 

 بزغ فجر استيقظ الامل من جديد ، بدا  يملأه لذة  

ريح مازالت ترسل شكواها عبر الصخور 

بضع دقائق يسمع صراخ، ريح مبحوح،  وتأوه ،حياة عنيدة 

 يتصاعد من جدران، بناء تقادم الزمن عليها 

فجأة قرر البقاء، مدفوعا برغبة غامضة،  المكان النائية 

سوف يتطلع بعد بضعة اشهر خلفه 

سوف يتعرف على الاشياء البائسة، التي زاوجت بينه وبين المكان 

.كل هذا المكان اصبح ملكا له

 تركه سوف يسبب له عذابا كبيرا

  لم يكن يعلم، لم يكن يشك 

 المغادرة تسبب تعبا

 ليست حياة المكان ، ا تزدرد الأيام الواحد تلو الاخر 

  تشبه بعضها بعضا ، بسرعة تثير الدوار 

 كم من الوقت امامه ؟  السنين الجميلة قد بدأت للتو

  يبدو  تشكل مسلسلا طويلا، صعب النفاذ الى عمقه 

 هناك من يقول له انتبه، الحياة لانهاية،  مجرد خداع ووهم

  اوراق الشباب وزهوره ، تبدأ شيئا فشيئا بالتساقط

  لم يكن على دراية كافية بالزمن ،يفكر، ران سكون عميق 

  تسبح شكوى كلمات واغاني ، من أين يأتي هذا الصوت ؟

 فهم، انتابت ظهره رعشة خفيفة

 الماء  قريب من المكان،  ينساب بين الصخور

 مع الريح يتأرجح انها لعبة الاصداء 

 يبدو كأنه صوت انساني يتحدث عن اشياء في الحياة 

 مرت سنتان في هذا المكان،  دون أن تحمل اليه الايام أي شيء جديد 

يتغذى على الامل، مخبئا اياه ، يتغذى عليه كل صباح 

فتنشأ بداخله ثقة جديدة ؟ يحتفظ  اياه في اعمق اعماقه ؟

  الحقيقة  في هذا المكان

 يمكن المرء ان يأمل بشيء افضل، قد لا يكون معقولا 

 نعم بكل اسف كلنا يصّر على الامل

 البعض يأمل قليلا البعض الآخر أكثر 

 أمل غير معقول، يكفي ،ن يفكر المرء فيه قليلا 

 مرت سنوات اخرى، جزء من الحياة 

 لا شيء اطلاقا، لم يحدث اي شيء 

يمكن ،ن يبرر بروز مثل هذه الآمال

  الايام تنزاح الواحد تلو الاخر 

 كم هي مثيرة للسأم هذه الحياة

  وقت يمضي، دقاته صامتة

 تطغي بشكل جد سريع على الحياة 

 لم يكن من الممكن التوقف

 لا لمجرد القاء نظرة الى الوراء 

 كل شيء يفر، الفصول ،الغيوم 

 يشعر،  يفتقد الى نقاط يتكئ عليها 

في حياته في هذا المكان، ذي الحياة الرتيبة 

 الساعات تجري، تفر، قبل ان يتمكن عن احصائها 

 ذلك الامل ،صار حسبما يرى

 يمثل الجانب الاحلى من الحياة 

 من اجل تغذية هذا الامل

  يضحي بهدوء الشهور التي لم تكن تكفي ابدا 

 خسر خمسة عشر سنة من عمره ، لم يحس بأنه قد تغير كثيرا، 

 مر الزمان بشكل سريع، الروح لم تكن قد تقدمت في العمر بعد

  النشوة الغامضة لساعات  تمر اخذت تكبر 

  مقتنع بوهم اشياء مهمة تكاد تبدأ للتو 

  ينتظر بصبر ساعته  لم تحن بعد

 يحضر بباله زمان انكمش،  بشكل مريع

  يوم ما مجرد رحلة طويلة، تمنى أن ينضب جدولها 

 أيمكن المغامرة بتبذيره، تنبه 

  لم يقيم منذ امد طويل برحلة ما وراء المكان

  تنبه الى وجود حالة من فقدان الرغبة بذلك

  يفضل أن يغفو قليلا تحت الشمس 

 بدل أن يدور هنا وهناك هذا هو المهم

 الشيء الوحيد الذي يشير الى تقدم الزمن،  بينما  يتأمل 

 مسندا ظهره الى البناء تحت ضوء الشمس 

سمع صوتا ينادي من بعيد، التفت الى الجانب الاخر 

 لاح شاب لم يتعرف عليه

 ميّز هندام انيق خطر بباله انه ـ مغادر ـ آخر مثله 

 انتصب واقفا رفع كفه على فمه ثم نادى بقوة 

 أجابه الاخر لا شيء كنت اريد تحيتك،  اجابة ساذجة

 اساءة،  جعلته يفكر، الامر مجرد مزاح 

سأله : من انت ؟ اجاب عابر سبيل ـ مغادر ـ.

  احس ، اصيب بصدمة، دوي مؤلم ،اصاب روحه 

 تذكر ذلك اليوم البعيد،  عاوده قلق  انتابه

  يتحدث الى  الشاب،  غدا صديقه،  يتم تبادل الادوار

  هو عجوز  يأوي المكان، الشاب شخص مجهول 

 جيلا نشأ هذه الفترة الطويلة، شعر أنه قادم من وراء،

 قمة الحياة قسم العجائز

  تجاوز الاربعين دون أن يقوم بفعل أي شيء ذي اهمية

 دون اطفال،  بحق وحيد في هذا العالم

 حدق حوله بجزع  يشعر  قدره قد أزف 

 شاهد الصخور النباتات القنوات الرطبة 

لاح له الجمود الذي يكتسي به 

ربما يعزيه وهم ما ؟  لم يفهم شيئا بعد

  غصة تضغط على قلبه، 

وداعا يا أحلام الزمان الغابر ؟

 وداعا يا أشياء الحياة الحلوة 

 الشمس تسطع بشفافية، تعطف على البشر

  نسمة هواء منعشة تتصاعد من أعماق الوادي

 المروج تبث روائح عطرة  يوم سعيد 

  مندهش من عدم وجود فرق

 الظواهر بين هذه وبعض صباحات صباه المذهلة 

 نصف ساعة  ينخرط في حوار مع الشاب 

 يشعر بألم غامض ، هروب الزمان  توقف 

  العالم يغرق في اللامبالاة

 عبثا، تركض الساعات ،انتهى طريقه 

 في هذا المكان في هذا البناء، حوله ،لا بيت لا شجر لا انسان

 زمان منسي ، موت في هواء طلق، اجمل 

 محزن ، اصعب الحالات  

 يأتينا بلد غريب مجهول عجائز 

ودون أن ترك المرء احدا في هذا العالم 

 نظر للأعلى نظرة مقتضبة

 نحو نجمته الاخيرة ، في قلب العتمة جعل يبتسم ؟



العراق/بغداد

19/4/2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق