أبحث عن موضوع

السبت، 24 أبريل 2021

زيارة في زمن الكورونا "إلى روح العزيز محمود درويش"......... بقلم : عبد الحق شنوفي _ المغرب



من شرفة بيتي المطلة على نهر سبو الصمت سلطان المكان والزمان ،أشعة الشمس الأولى تغازل صفحة الماء، تقبله  بحنو ناعم كما لوكانت جدة تطبع قبلا على خد حفيدها الأول. تثاءبت طويلا، أحسست أني بين النائم والصحيان ،

أغمضت عيني في حركة سريعة أراوغ موجة من الشمس فاجأتني، هممت بالرجوع إلى مقعدي بالخلف ،أحسست بظل يقف ورائي، يضع يده اليمنى على كتفي في صمت، كان هادئا بابتسامة خفيفة . بذلته الرمادية الإيطالية الأنيقة ونظارتاه السميكتان ،هو !  ، أردت أن أصافحه فتذكرت أننا في زمن الكورونا . 

       سألته : أنت ؟! ألم تمت ؟! فأجاب بهدوئه المعتاد :

    -ألم تقرأ ما كتبت " قتلتني لكن نسيت مثلك أن أموت".  

ثم أشار إلى جداريته  ،وضعها على الطاولة وجلس ،أخذت مقعدي فأصبحت وجها لوجه معه ،غمرتني نشوة أحسستها لأول مرة ، فكر ت أن أصيح بصوت طفولي " محمود درويش " في بيتي ،ثم تراجعت سريعا عن الفكرة "إنها فكرة ساذجة"،وانتظرت أن يبدأ هو بالحديث .

انتظرت طويلا أو هكذا بدا لي ،كانت عيناه الشاميتان ووجهه الكنعاني يخفيان أسرارا كثيرة ،كسرت الصمت وأنا أرفع عيني باتجاهه " أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي.." ،أعلم أنك تحب القهوة كثيرا ،وأنا أيضا أعشقها ،تفضلها دائما في الفنجان الأبيض ،رددت كثيرا في شعرك  هذا اللون  ،أليس كذلك ؟

_بلى.

رنا إلي باطمئنان واسع ،وهو يقول اشتقت إلى السواد والبياض .

  أحضرت فنجانين من القهوة و جلست إليه ثانية، اعتدل ورفع رأسه في شموخ ،ارتشف رشفة من فنجانه ، وهو يقول               - العالم تغير قليلا .

 فأجبته  ألم تقل أنت :  " عم تبحث يافتى في زورق الأوديسة  المحطم ؟

   أبحث عن خاتم لأسيج العالم."

نحن اليوم نعيش وضعا استثنائيا يا محمود ،فالخاتم الذي كنت تبحث عنه في مديح الظل العالي ،وجدناه  ،فالعالم اليوم مسيج في معتقل طوعي.

 ابتسم ،وقال : 

 _اكتب .

قلت : ماذا؟ ولماذا؟ 

-أنا من تقول له الحرف الغامضات 

اكتب تكن !

واقرأ تجد!

- اكتب ،وسترى أن العالم سيتغير قليلا ، اكتب عن التحولات الحضارية ،عن الرأسمالية الجشعة ،عن الحروب بالوكالة ، عن جرائم مواقع التواصل الاجتماعي ،عن الشعبوية والتسطيح ،عن الأدب الرذيء ،عن النقد النشاز في زمن النفاق والبشاعة..

كان يتكلم بحرقة ،وهويحتسي ثمالة الفنجان ،ويطالبني بمزيد من القهوة ،توجهت إلى المطبخ وعندما عدت لأقدم له  الفنجان ،لم أجد درويش ،ولم أجد فنجان قهوتي ،وجدت مكانهما زهرة نرجس ،وقصاصة صغيرة ،كتب عليها بخط الرقعة الجميل :

               المجد للعدم 

               لمن هزم الشعوب والأمم

               وأوقف عقارب الساعة

                فرق بين الأشقاء 

                وبين الاخوة في المصالح 

                والاخوة في الرضاعة

              وحرم الصادقين والمرائين 

                من الصلاة في الجماعة

              المجد للعدم

                 المجد لكورونا الشجاعة.

                      القنيطرة ، مارس ٢٠٢٠



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق