أبحث عن موضوع

السبت، 28 مارس 2020

اليوم الرابع من الحجر الصحي / ق.ق .................. بقلم : حميدة جامع _ المغرب








أشعة الشمس تتلمس طريقها على مهل داخل المنزل ، وشعور متفاقم بالخمول والكسل ينتابني.

أختلس النظر في مهمة استطلاعية للمكان ..




رائحة القهوة تنبعث من المطبخ تحفزني على النهوض من فراشي.

أغلق عيني كلتيهما وأسترخي من جديد ....




إنه يومي الرابع في الحجر الصحي، أمارس رياضة الغميضة، أغلق عيني الاثنتين لمدة من الزمن وأحلق بعقلي بعيدا ثم أعيد الكرة مرات ومرات ....




تتراقص الصورة الأولى أمام عيني المغمضتين فيما يشبه الحلم. الصورة تظهر فيروس كورونا، الوباء اللعين -الذي عمل على دمقرطة الكرة الأرضية في سابقة تاريخية لم نشهد لها مثيلا - على هيئة جني صغير، تحتل لعنته الهواتف الذكية وتتسلل إلى العينين لتمر إلى خلايا الدماغ ثم ينتشر في الجسم بأكمله، ويشل حركته ويحوله إلى جسد بلا روح، جسد محنط فاقد للقدرة على الاختيار ، منساق إلى حتفه دون مقاومة أو رفض.

ضحكات الجني الهستيرية، ومنظره الرخو اللزج المقزز تدفعني لأفتح عيني بفزع ونزق.




أنهض مسرعة كمن لدغتها أفعى، أتجه صوب النافذة وأتنفس بعمق .




حمدا لله... مازلت أستطيع التحكم في تنفسي، أظن أنني لست مريضة بالوباء.




سمعت أن طبيبا فرنسيا أصيب بانهيار عصبي بسبب ما يكابده أثناء مداومته على علاج المصابين بفيروس كورونا، ومن بين القصص المؤلمة التي رواها، امتناع أبناء شخص مصاب بالفيروس عن توديعه وهو على فراش الموت، وامتناعهم عن تلبية رغبته الأخيرة خوفا من انتقال المرض إليهم.




دمعت عيناي وأحسست بالألم يعتصر فؤادي، وسرعان ما تقمصت شخصية المريض الذي فارق الحياة. وبدأت أتذكر أولادي وأتخيل من منهم سيلبي دعوتي لوداعه ومن سيرفض ...




قضيت اليوم بأكمله وأنا أطمئن نفسي بأن أسرة المريض الذي فارق الحياة قد أنبها ضميرها وهي الآن تتألم بسبب القرار الذي اتخذته .....




كم هو لعين بالفعل هذا الوباء، قاس ومتعجرف، لا يقضي على صاحبه فقط وإنما يجعله منبوذا مقصيا ومعزولا ...




صفارة الإنذار تطلق لأول مرة في مدينتي لتذكر الناس بحظر التجول الذي يبدأ على الساعة السادسة مساء.




السماء صافية تتخللها سحب رمادية متفرقة، والشمس تستعد لتسليم مقاليد الكون للظلام، لتنسحب بهدوء إلى ما وراء الجبال، تاركة المجال للعين "كوفيد 19" ليتربع على عرش الكون ويشغل الناس برا وبحرا وجوا....




لا حديث يعلو فوق اسمه ...قل ما شئت: "فيروس كورونا" أو "كوفيد 19" أو "الوباء اللعين"أو "الجائحة"..الأمر عنده سيان ......

شفشاون 23 مارس 2020.
حميدة جامع / المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق