أبحث عن موضوع

الأحد، 11 مايو 2014

لن يفلتوا من العقاب ..................... بقلم الاديبة خديجة السعدي / العراق



حدثّتني أمّي عن حكايةٍ انتهت بإغتصاب حق. وأنا أجوب بقاع الدنيا مُرغمة في سنوات غربتي الطويلة ظلّتْ أحداثها عالقة في ذهني تبحثُ عن جواب.
إبان عودتي إلى الوطن بعد سقوط النظام عام 2003 أردتُ سماع كل شيء يتعلقُ بتلك الحكاية. جلستُ بجانب أمّي المُتعبة متأملةً أن تعيد على مسمعي التفاصيل كاملة.
- الحكاية يا ابنتي أنتهت منذُ سنين. الآن لا يمكن أن نعود إلى الوراء. لقد فات الأوان.
لا يا أُمي. الآن آن الأوان لتعيدي لي سرد التفاصيل.أنا في حيرةٍ حقيقية و كلّما أفكِّر في الأمرِ أصاب بالذهول. كيف قبلتم وسكتّم وأذعنتم لأمرٍ كهذا؟ أرجوكِ حدِّثيني من البداية، ولا تهملي دقائقَ الأمور.
تنهّدتْ، وبزفرة ألم قالت: كان جدّي إنساناً لا يقبل الخطأ مهما كان صغيراً. في يومٍ لا يُنسى جاء العم الكبير إلى بيت جدي ودون أن يرف له جفن أو يقشعر بدنه قال : لقد قررنا حرمانك من الأرث وقطع العلاقة معك. فمنذُ اليوم لستَ منّا. أستداروخرج دون أن ينتظر ردود فعل جدّي. هذا ما أخبرنا بهِ أبي بعد أن سألناهُ عن السبب في فقرنا وغنى بقية أقربائنا.
منذُ ذلك اليوم أبتدآ مسلسل إنكار حقوق عائلتنا، وسريان مفعول قانون سلطة المال، وأحقيّة القوي دون مقاومة تُذكر من أحد.
لم يكترث جدِّي لأقاويل عمّه ترك له كلَّ شيء وابتعد عن طريقه.
- لماذا؟ سألتُ بألم:
- لأنّه لم يستطع فعل شيء.
- لماذا لم يستطع يا أُمي؟
- كان وحيداً، وأولاده صغاراً، و يحملُ أفكاراً لا يفهمها عمه. في وطننا لا أحد يحقُ لهُ مخالفة قوانين الأغنياء.
- ولكن، كيف لم تحرِّكوا ساكناً فيما بعد وتطالبوا بحقّكم في الميراث؟
- الحكاية طويلة.
- أريد أن أعرف كلّ شيء. قلتُ بإصرار.
- الكلام لا يفيد الآن.
- يجب أن أكون في صورةِ الوضع. أرجوكِ يا أُمي قولي لي كلّ شيءٍ تعرفينه.
- أنا قد تجاوزت السبعين من عمري، كلّ شيء قد فات أوانه. ماذا تريدين منّي أن أفعل الآن؟
- لن أسكت يا أمّي. من يغتصب حقّاً ويرفض أفكار غيره، لا يفلت من العقاب، عاجلاً أم آجلاً.
تنفَّستْ أمّي بصعوبة، رأيتُ الدموع قد ملأت عينيها. صمتُّ لبرهةٍ، ثم نظرتُ إلى ملامحها وأيقنت أنَّ هموماً كبيرةً تلفُّ عالمها. كيف ابتلعت أمّي آلاماً كهذه كلّ هذه السنين؟ وكيف يسكت الجدّ، والأبّ، والابن، والعائلة بكاملها عن حقوقها؟ هذا أمرٌ لا يُصدَّق!
مسحتْ دمعة الألم والتفتتْ إليّ، وقالت: يا ابنتي، بسببهم، فقدنا الكثير، و لكنّنا حصلنا على أشياء أثمن.
- أرجوك، أريد أن أفهم على الأقلّ السبب وراء كلّ ذلك. كان جدي يقول:"الدين ليس عباءة وعمامة، وليس طقوساً ولحية، ولا مسبحة وسجادة، الدين هو كيف نعيش، ونتعامل بصدق. الدين أخلاق، رحمة، مساواة، ونيّة صادقة مع النفس أولاً ومع الآخرين ثانياً". أمّا هم، فكانوا لا يأبهون، ولا يفقهون من أمور دينهم ودنياهم سوى جمع المال، والبيوت، والتمسّك بالأقوال دون الأفعال. رفضوا جدّي لأنّه لم يلبس العمامة. أنكروا عليه حقوقه، وقطعوا كلّ صلة تربطهم به ونبذوه. اغتصبوا حقّنا في الحياة الدنيا، ولكنّهم لم يستطيعوا أن يسلبوا منّا حبّنا للحياة، و للآخرين.
- الآن فهمت سرّ الحكاية. لن أهتمَّ بها بعد الآن. لقد كسب جدّنا كلَّ شيء كما أسلفتِ يا أُمي، الحقّ لا يضيع أبداً، لا هنا ولا هناك، والحكايات لا تنتهي. من يكن مع الحقّ يعرف النهاية قبل البداية. مع هذا لن نسكتَ بعد الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق