أبحث عن موضوع

الأحد، 11 مايو 2014

العبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاءة ................... بقلم الاديبة خديجة السعدي / العراق




خرجتْ زينب من المطبخ وهي تحمل فنجان قهوتها واتجهت صوب حديقة الدار الخلفيّة. جلست على مقعد حجري بالقرب من الجدار المطّل على منزل جارهم أبو محمود. تأمّلت أوراق اللبلاب تعانق كلّ حجر من الجدار. جالت بنظرها في أركان الحديقة وتأمّلت درجات اللون الأخضر التي اضافت على المكان تنوعاً وبهجة.
وضعت فنجان القهوة الفارغ جانباً وأخذت نَفَساً طويلاً. سارت على طول الممرّ الإسمنتي الذي يحيط بالمطبخ وصولاً إلى باب المنزل الرئيسيّ. فتحت الباب وتقدّمت ببطء إلى الشارع. كانت عارية الرأس. التفتت يمنةً ويسرة ـ لم يكن هناك أحد سوى سيارةٍ مرّتْ مسرعة.
كانت الساعة تدنو من الخامسة عصراً. لا تزال الشمس مرتفعة في كبد السماء والجو حاراً يُجبر الناس على التزام بيوتهم. بالرغم من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، أغلقت زينب الباب وعادت إلى المطبخ.
كانت أختها رباب تُعدّ الشاي لوالدها الذي خرج لتوهّ من الحمّام. لم تكن أمها قد استيقضت من قيلولتها بعد.
أخرجت زينب زجاجة ماء بارد من الثلّلاجة واتجهت إلى الصالون، تتبعها رباب حاملةً صينيّة الشاي.
"بماذا تفكرين يا زينب؟ "سأل الأب. أراكِ ساهمة."
"لا شيء يا أبي. ضجر بسبب الحرارة، هذا كلّ ما في الأمر."
تناولت مروحة يدويّة وأخذت بتهويّة والدتها التي بدأت بالاستيقاظ.
"سنذهب يوم الجمعة إلى البستان برفقة عائلة عمكم أبو ظافر،" أعلن الأب.
مجرد التفكير بنزهة إلى بسنان العائلة يُدخل الفرحة إلى قلوب الجميع. أحاديث ونكات ومرح في الهواء الطلق بين أشجار النخيل. بدأت زينب تفكر بما ستعدّه من اطعمة وحلويات مع رباب وابنة عمها هيفاء، لكنها قالت فجأة:الحريّة أجمل ما في الوجود. لولاها لما كان للحياة معنى."
رفعت يدها إلى الأعلى والتفتت إلى والدها بحركة دائرية وأضافت. "الاشجار والعصافير، الجداول والأنهار والغيوم...الطبيعة لا تعرف قيوداً!"
لم يعلّق أحدٌ بشيء، بل اكتفوا بالابتسام لهذه النظريّة "الرومانسيّة" من "نظريات زينب"تلك.
بعد ثلاثة أيام اجتمعت العائلتان في البستان. ابتعدت البنات عن المجلس واتجهن صوب الجدول. رفرفن كحمامات برّيّة لا صاحب لها. تراكضن كالأطفال بين الأشجار الكثيفة وتراششن بماء الجدول. حين تعبن جلسن بين شجرتين عاليتين وتبادلن أطراف الحديث عن مواضيع مختلفة. وحين شعرن بالجوع عُدن لتحضير سُفرة الطعام وإعداد الشاي على نار الحطب الذي جمعه الصبية.
كانت زينب قد تركت عباءتها في السيارة واكتفت بغطاء رأس صغير. أثناء الطعام أعلنت زينب أنها لم تعد تريد ارتداء العباءة.
"أحسٌّ بالتقييد وأنا أرتديها،" قالت وسط دهشة الجميع.
تناوب الأبّ والعمّ ـ كما توقّعتْ ـ على الحديث بعبارات مسبقة الصنع عن الدين والمجتمع والعادات والتقاليد. فكرّت زينب أن تقول إن الدين ليس عباءةً وحجاباً، إن الدين ليس تقليداً اسلاميّاً أصلاً، لكنها كانت مشغولة بالتفكير بجسدها وحريتها، بهويتها هي وليس ما تحمله العباءة من دلالات اجتماعيّة ودينيّة.
"العباءة، يا أبي، سُلطةٌ يمارسها الرجل الغيور على المرأة التي يعتقد أنها مُلكٌ له، ولا إكراه في الدين. لا يعرف الرجال شيئاً عن الآثار السلبيّة التي تتركها العباءة في نفسيات النساء، أو ربما يعرفون ويتجاهلون لأن ذلك يناسبهم."
أحسّ الأب بالغيظ لكنه لم يسمح للغضب بتملّكه. "ماذا سيقول عنّا الناس؟" قال العمّ.
"يقولون ما يشاؤون،" قالت هيفاء بتحدًّ.
كانت نظرات الأمّ المحتارة تتنقل بين زينب وأبيها. لم تدر أيّاً منهما تساند، فآثرت التزام الصمت، رغم إشارات الأب المتكررة تطلب منها أن تقول شيئاً لابنتها. أما رياب، الأخت الصغرى، فقد استثارتها شجاعة أختها المفاجئة. أرادت أن تحسم النقاش بقول "وداعاَ للعباءة"، لكنها لم تجرؤ على النطق بتلك العبارة بصوت مسموع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق