أبحث عن موضوع

السبت، 3 يونيو 2023

قراءة في نص نثري يحمل عنوان : ( ثالثة الحروب). بقلم الناقد والشاعر : محمد إبراهيم أحمد داود. للأديب الاستاذ : مصطفى الحاج حسين / إسطنبول .





تحوي القراءة على :
مقدمة .
تمهيد للنص .
القراءة .
الخلاصة .
خاتمة .
كلمات النص .
.............................
المقدمة العامة :
الرمز هو كل ما يحل محل شيء آخر في الدلالة عليه .. ليس بطريقة المطابقة التامة وإنما بالإيحاء أو .. بوجود علاقة عرضية أو متعارف عليها ..
وعادة ما يكون الرمز بهذا المعنى شيئا ملموسا يحل محل المجرد ..
وعادة ما يلجأ المبدعون إلى توظيف الرموز في إبداعاتهم للتعبير عن ذواتهم وما يعتلج في صدورهم من قلق وإضطراب علاوة على الكبت وعدم الحرية في التعبير المطلق .. أو عن مظاهر الفرح ..
كما أنهم على دراية بأهمية توظيف الرمز إذ يؤدي إلى إرتحال القارئ عبر رؤية فسيحة وفضاء رحب كي يظفر بالمغزى وما يروم إليه الرمز من دلالات .
.......................
تمهيد للنص :
إعتمد اديبنا في هذا النص النثري والثري بكم هائل من النظرات الفلسفية للحياة المعاصرة على إشاعة جو من الإيحاءات الرمزية حيث يستعيض عن الحدث الواقع بالحدث الفانتازي ويوظف الحلم .. ويعيد تنظيم الزمان والمكان ويزلزل البناء التقليدي للنص ويستغل الأسطورة والتاريخ وعلوم الفضاء وما إلى غير ذلك ..
في النص لا يراهن اديبنا الفاضل على الفعل بقدر ما يراهن على الرغبة في الفعل حيث اننا نلمس في النص كومة من الرغائب المتشظية إلا أنها تتوسل الخطاب الثوري غير المباشر أو غير المعلن وبرمزية عميقة .
..........................
القراءة في النص :
منذ العنونة _ ثالثة الحروب _
حقق النص وظيفة التكثيف
فالشاعرية لغة تكثيفية تقدم صورا حافلة بالمفاجآت فتسبغ على المتلقي ظلالا من الدهشة تثير حواسه وتنبه ذاته للإكتشاف ..
يستهل النص صور تعبيرية للوحات مثيرة تهيئ أرضية أفكار المتلقي عن سردية النص وطقوسه من خلال توظيف أشكال بيانية في بنية النص :
تتجمد الشمس
والأفق يتناثر
يتصحر الغمام
ويترمد الندى
تتعرى الأرض من ترابها
يبقر البحر ماءه
والشجر يغتال ثماره
تتخلى الدروب عن جهاتها
لا شئ إلا الرماد
يرفع راية النصر ..
هذه السردية إذا لم تحمل على التشبيه
لن يستقيم النص
فيكون قد إختل وفسد الكلام
لأن الشمس مصدر الحرارة فكيف لها بأن تتجمد !
وكيف للأرص أن تتعرى من ترابها !
وغير ذلك مما ذكر في النص
فأي شمس هذه التي تتخلى عن حرارتها وتتجمد ؟!
واي ارض هذه التي تتخلى عن ترابها ؟!
هكذا ستكون الأسئلة ..
نلمس في هذه الأسطر السالفة أن اديبنا قد وظف أدواته الكتابية كالرمز والإنزياح والغموض تاركا تأثيرا جماليا في نفس المتلقي بالإضافة إلى توظيف اشكال من البيان كالاستعارة والتشببه والكناية والتقديم والتأخير والحذف وغيرها من أشكال فنون النسج الكتابي التي أضفت على النص سمة الشاعرية المطلقة في رسم لوحة تعمها فوضى الخراب والدمار حيث يكمل النص :
الركام يختال بعنجهية
جثة الهواء معلقة على جدار العدم
الينابيع غائرة الأعين
لسان النهار مدلى
والقمر يرتدي العباءة السوداء
لا أثر للإنسان ...
الحقيقة أن النص من فئة النصوص المراوغة أوهم المتلقي بالمعنى الظاهري القريب وجعله يصل إلى حد الرعب من صور الأحداث ..
لكنه يوقظه دون سابق إنذار من خلال ما يختبئ بين اسباره الباطنة التي قد يفهم تأويلها ضمنا تحت إلحاح التمعن في النسيج العام فيوقن المتلقي حينها بأن ليس كل ما يقرأ يقصد ...
ولذلك سرعان ما يغلف النص جملة معترضة تضعنا على عتابات تفكيك الرمزية للنص وهي جملة :
لا أثر للإنسان ..
القارئ للنص هنا يصاب بخيبة حادة مردها
هذه الجملة المطوية في سياق النص بين صور هرمت بلا أمل وهي _ الإنسان _ من الإنسانية ..
والإنسانية من الانس والمحبة والألفة والسلام
فذهب بنا النص إلى مفهوم عكسي للإنسانية المقصودة حيث الحياة المعاصرة بكل ما فيها من ويلات وآلام ...
إنه الإبداع النصي الخلاق المرن الذي يستوعب تقلبك ومزاجك واوجاعك وآمالك وماضيك وحاضرك ومستقبلك وهذا حاضر في النص بقوة حيث يستطرد النص :
على رحاب السديم ..
إن جماليات تأثير هذه الجملة النصية قد أبرزت قدرة اديبنا على الصوغ الفني القائم على تفجير إمكانيات اللغة وإعطائها بعدا جماليا ( تناسليا ) حيث لا يكتفي اديبنا الفاضل بجمالية الكلمة لتوصيل أفكاره ومشاعره فحسب بل ينتقي آليات وصورا مصبوغة بالوان بيانية تقول مشاعره وتنقل أفكاره مما قد أهل هذا النص لأن يكون نموذجا خصبا تنفتح فيه القراءة على عدد لا متناه من المدلولات ومساعدة المتلقي على فهم الواقع وقراءة التاريخ ومن ثم إتخاذ المواقف تجاه أحداثه ..
فالسديم هو مزيج من الغبار الكوني والغازات ..
ومن الضرورة بمكان أن تحدث إنسان عن شيء ما وهو يعرف عنه وإلا هذا يعني انك ستكون في واد بينما هو في واد آخر ومن أهم الأولويات الذاتية الضرورية لتحقيق المعرفة الصحيحة وتراكمها لغاية الوصول إلى الحقائق تأتي المصطلحات والكلمات ودلالاتها الفلسفية الدقيقة وفي هذا السياق نشير إلى أن اللغة تشكل الوعاء الذي يحتوي الأفكار و وسيلة للتفكير ووسيلة للتواصل مع الآخرين ووسيلة لمعرفة العالم ووسيلة أساسية للتفاعل بين الكائن ووسطه لذلك من الضروري تعريف بعض المفاهيم والمصطلحات الفلسفية التي استعملها الكاتب مع التركيز على الاصطلاحات الهامة الأساسية التي تتعرض للالتباس في النص بحيث نستعمل المجازي بدون تدقيق واقعي حقيقي لما تعنيه هذا الكلمات الفلسفية ومدلولاتها ..
كما لكل اختصاص مصطلحاته او مهنة او علم كذلك الفلسفة لها علمها ونظامها و مصطلحاتها وطريقة تفسير هذه المصطلحات ونحن هنا ليس بصدد بحث اللغة كلغة ولكنها أساسية في فهم الموضوع ولو أراد الإنسان أن يعرف جميع مصطلحات لغته لوحدها سيقضي ربما زمن عمرين افتراضين من عمره دون أن يصل إلى نصف ذلك فهذا معناه أن عليه أن يعرف جميع الاختصاصات البشرية المعروفة وهي طبعا تزيد عن آلاف الاختصاصات وهي في نمو متواصل مع نمو المعرفة وتفرعها
لذلك علينا الاتفاق وتوضيح المفاهيم المستخدمة أي جواهر الظواهر وكشف مكنوناتها العميقة في النص حيث نجد مفهوم _ السديم _ الفلسفي يعني بالتحديد المساحة المتاحة لمراقبتنا ما يدور حولنا وهذا يعني الوجود المعرفي الذهني والواقعي بالنسبة لنا والتعرف على مكان وسبب وجودنا في هذا العالم المتاح لنا والبحث عن مستقبلنا ومصيرنا في النهاية وإلى إين نسير على هذا الكوكب الصغير الهش ..
يكمل النص المشهد :
لا قصيدة شعر تمكث
في جيوب الكوكب
لا سنبلة موسيقا
لا بسمة لموجة حنان
الحروب إنتصرت
من النافل القول أن اديبنا تطرق في هذه الجمل السالفة إلى الأخلاق الحميدة التي ابتعدت عن واقعنا المعاش وان النص قد ذهب بنا بعيدا بل وتجاوز حدود الحاجة إلى هذه الأخلاق التي أضحت في عداد الفقد المجتمعي وأصبحت هذه المفاهيم مع الزمن أكثر إبتعادا عن الواقع تائهة في سديم من المعاني والدلالات المتتاخمة والمتداخلة والمتقاطعة ..
لقد إنفصلت هذه المفاهيم عن الواقع الذي تريد إضاءته وضاعت في متاهات التفكير الإنساني المطلق المجرد ذاته وأصبحت نفسها في أمس الحاجة إلى العقلنة الواقعية وهذا يعني أن هذه المفاهيم التي تحلق فوق الواقع وتعيش في ابراجها العاجية تحتاج اليوم إلى الارتباط بالواقع الذي إنبثقت وصدرت عنه نتيجة للغموض الذي إكتنفها في دائرة التحليق والدوران حول ذاتها وفقدان المحور الذي يربطها بالواقع العملي نفسه ...
ويعد مفهوم الاخلاق من المفاهيم المجردة التي بالغت في الدوران حول ذاتها ففقدت كثيرا من قدرتها حيث يكمل النص :
الحروب إنتصرت
ووضع الموت أوزاره
لا شيء يعلو على صوت السكون ..
نعم .. لقد سكنت الحياة أي قد أصابها الموات في الضمير الإنساني الحي ..
يتابع النص في الاسقاط _ الخاتمة _ في علاقة ما بين رمزية الخير ممثلة بالبسطاء من فقراء الأمم
مشمولين بنظرة ملائكية وبين رموز الشر ويمثلهم ابليس يقول النص :
مقابر على مد نظر الملائكة
وإبليس يرفض أن يدفن الفقراء ..
هنا يذكر اديبنا المتلقي بالآية الكريمة في سورة البقرة :
( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء )
إذا هي مقابر الصالحين من البشر على أيدي الفاسدين منهم ..
وهؤلاء يرفضون دفن الفقراء بما لديهم من خير وفير وأملاك وأموال طائلة بل هو التسلط والقتل والسلب حتى لو كانت الحياة جاعلون إبليس لهم أسوة في تصرفاتهم وهمجيتهم .
............................
الخلاصة :
رغم أن اديبنا قد صور لنا في نصه تصوراته الخاصة وإنطباعه العام ..
إلا أن هذا الانطباع قد يعمم كونه فردا من أفراد المجتمع
وهذه الأحداث قد لا تتغير .. أو أنها تحتاج إلى مدة زمنية قد تستغرق حياتنا الحاضرة
فالنص عبارة عن صورة أحادية الصوت والحدث الا أن النص يشكل معنى عام وصوره تتضافر معا لرسم صورة أكثر وضوحا وأعمق دلالة فتتسع فيها الرؤية وتتعدد زواياها وتجعل المتلقي يرتشف دلالة رؤياه رشفة رشفة ذلك لأن أديبنا قد اجبر المتلقي خلال سياق النص على إنتظار سكب الشهد رويدا رويدا وبسلام إلى عالم أكثر رحابة وانفتاحا على المستقبل المجهول
حيث أراد منهم أن يتجاوزوا كل عثراته وأن يستقبلوا الحياة مفعمين بالأمل وأن لا ينجروا وراء مستجدات العصر المليئة بالتناقضات .
..............................
خاتمة :
إن إنزياح لغة اديبنا الفاضل النصية الخارجة عن المألوف لم تكن عشوائية أو إعتباطا ولذلك فإن الإنزياح في اللغة المألوفة إلى لغة مبدعة يدخل هذه اللغة إلى دائرة الشاعرية المائزة ..
لقد وظف لغته بطريقة ساهمت في تفرد إبداعه ومنحه قوة وتأثيرا على المتلقي ..
قبعتي أديبنا الفاضل .
...........................
كلمات النص :
ثالثة الحروب
تتجمَّدُ الشّمسُ
والأفقُ ُيتناثرُ
يتصحَّرُ الغمامُ
ويترمَّدُ النَّدى
تتعرَّى الأرضُ من ترابِها
يبقر ُالبحرُ ماءَهُ
والشَّجرُ يغتالُ ثمارَه
تتخلَّى الدُّروبُ عن جهاتِها
لا شيءَ إلَّا الرَّمادَ
يرفعُ رايةَ النَّصرِ
الرّكامُ يختالُ بعنجهيَّةٍ
جثَّةُ الهواءِ معلَّقةٌ على جدارِ
العدمِ
الينابيعُ غائرةٌ الأعينُ
لسانُ النَّهارِ مدلَّى
والقمرُ يرتدي العباءةَ السَّوداءَ
لا أثرَ للإنسانِ
على رحابِ السَّديمِ
لا قصيدةَ شعرٍ تمكُثُ
في جيوبِ الكوكبِ
لا سنبلةَ موسيقى
لا بسمةَ لموجةِ حنانٍ
الحروبُ انتصرتْ
ووضعَ الموتُ أوزارَهُ
لا شيءَ يعلو على صوتِ
السّكونِ
مقابرٌ على مدِّ بصرِ
الملائكةِ
وابليس يرفضُ أنْ يدفنَ
الفقراءَ .


مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
بقلم الناقد :
الأستاذ محمد إبراهيم أحمد داود .








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق