أبحث عن موضوع

السبت، 20 نوفمبر 2021

الجدران ............ بقلم : عبدالقادر محمد الغريبل - المغرب




على الجدران يرسم الصغير بالطبشورة شخابيطه بكل عفوية وتلقائية كما يخطها على السبورة
على الجدران يدون المراهق بألوان الصباغة إسم حبيبته وخربشاته بنزق وطيش كما يكتبها في دفاتره
على الجدران يرقم الرسام المبتديء بفرشاته رسوماته بتردد وانفعال كما يصوغها على لوحاته
على الجدران يخط الثائر بالفحم شعاراته وتنديداته بكل حماسة وجرأة كما يبصمها في مناشيره
على الجدران يحفر الأسير بأظافره تاريخ إعتقاله وأسماء الوشاة بألم وحسرة كما يدونها في مذكراته
الجدران كالمرايا نرى في قرارها صورنا معكوسة فيها ،وفي عمقها نواجه بكل جرأة الأنا القابعة داخلنا .
أحيانا ندك جدران أنانيتنا،فندرك حقيقة أنفسنا ،فنحن مجرد أقزام نبدو في إمتداد الظل عمالقة عبثا تحاول أن تترفع عن الثرى لتعانق الثريا.
البعض يشيد جدران عالية لتفصله عن الآخرين ،ليبقى في منأي عن بني جلدته،فيحجب عن نفسه إدراك ماهية بني البشر،وإلمام كنه نفسياتهم،وسبر أغوار سلوكياتهم، وكشف تعقيدات تصرفاتهم،فيعيش منعزلا في وحدته،عاجزا عن إقامة علاقات إنسانية نبيلة،محصورا في برجه العالي.
كل جدران السجون والمعتقلات في الحقيقة لا تحد من حرية السجين وحده ،بقدر ما تحد من حرية سجانيه وهي أشد وطأة وأعنف على نفسيتهم منه
على الجدران تزحف كل أزمنة فتحفر بإزميلها شقوق وتصدعات تعجل بإنهيارها ، وبالتصاق غبار النهار وسقوط الندى عليها ليلا تطرز الطبيعة لوحات سريالية تعبق بجمالية الفن ورنق الابداع تفوق كل ابداعات الفنانين.
الجدران بحد ذاتها لا تمتلك حق النقض ضد من ينتهك بياض صفحاتها،ويلطخ حرمتها كالسكارى بالتبول عليها ،وليس بالعالم كله قوانين تجرم من يشوه جماليتها،ولا أعراف تحرم من يطمس معالمها،فتبقى عرضة لكل تشوه وانتهاك.
بعض الجدران شيدتها بعض الدول وعززتها بكاميرات وأسلاك شائكة وحراسة مشددة لصد ودرأ تدفق المهاجرين،ورغم ذلك يتم اختراقه من طرف اللاجئين والمهاجرين من دول أنهكتها الحروب وتفشى الفساد فيها.
سجون ومعتقلات عالية الأسوار ،حصينة الجدران،مجهزة بكل أدوات المراقبة وآليات الترصد، عجزت كل العجز عن ردع سجناء ومعتقلين من الهروب منها..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق