أبحث عن موضوع

الجمعة، 6 أغسطس 2021

قصة قصيرة / هيروشيما ذي قار............. بقلم : صباح خلف عباس العتابي // العراق





أمي أول صورة في ذهني عندما أستيقظ ، وآخر صورة عندما أنام ، أراها دوماً زهرة تُجمّل عاصمتي (بغداد) …أما خطيبتي فهي الصورة التي تحتل افكاري ، أراها شجرة باسقة تُظلل سماء ( ذي قار ) … و لأجلهما عدتُ مسرعاً متلهفاً من الحدود ( العراقية -السورية ) في إجازتي الدورية  … عدتُ تاركاً خلفي صدى خطوات الجنود ،حيث لاشيء منطقي هناك سوى القهر ، و أودية تسيل  باللهب …يدفعنا  الجو الحار والرطب الى حافة الجنون …

لم أشعر باليأس هكذا طيلة حياتي فأنا في منتصف المجهول تماماً حيث يتحرك الموت اتجاهنا من كل مكان ، تسألت مرة :

—  كيف يمكن إيقاف الكوارث التي ليس لها نهاية ؟! 

فرد صاحبي :

— كل رجل يموت … لكن ليس كل رجل يحيا  فاصبر …… 

وها أنا أخيرًا منطلقٌ بسرعة يقودني الشوق لأمي وخطيبتي ٠

وبعد ان التقيت والدتي  أحسست  بأن ثمة مصيبة عالقة في محجريها …ثم مالبثت الفرحة إن ضاعت سريعا مثلما حلّت … أختلط الزمن في ذهني ، حيث لم يبق سوى الجمر يدمر روحي … بعد ان قالت لي باكية :

— لقد أحترقت خطيبتك في المستشفى … ونضج جلدها تماما …ولازال قبرها رطبًا …

دخلت حينها في كابوس مطلق … دخلت حقلًا من الالغام والرصاص فجأة … وأمواج هائلة من الألم والضياع بدأت تصدم دعائم جسدي ٠

بدأتُ فورًا  أعدُّ  لسفري صوب ( ذي قار ) حيث مدينة حبيبتي الشهيدة 

— إلى أين قرت عيني … ؟

— إلى المحرقة البشرية أمي …

سقطت هناك ولم يسمع صوتها أحد …وها أنا أهيم اليها …وأُريد الان العثور على أيّ شيء منها ، أُريد التقاط صوتها من الجدران المتهدمة … صوت أستقر في  جمجمتي مسمار حام …  دمي يفور ، وكأنني مُلقى في تنور …وأنين جماعي  ينغرز عميقا في أحشائي ، قوتي تغادرني الآن ، وقاربت على الانهيار تماما …

بعد وصولي لأهلها ، أحسست بأن أفكاري لاقيمة لها ازاء ما سمعته وعلمته… فالناس هناك يتعثرون في كثير من الأشياء … حيث تصورتها حفلة شِواء رهيبة ، وان الكثير من الناس كانوا قطعا متناثرة من اللحم ، والدهن البشري منسكباً يزيد النار  اشتعالًا … والباقون من البشر -الاحياء - هم عالقون في قبضة الفقر ،أُناس منسيون مهملون ، يمشون دون وعي … وكأنهم معاقون يتقدمون الى حتفهم ببطء ٠ 

أنا الان وكما يبدو أعود دومًا الى مربع الموت ذاته ، سواء الى الحدود أو في ( بغداد) أو في (الناصرية) …فالجميع يُسحق بطرق عشوائية في كل مكان ٠

فقلت في نفسي : 

— مَنْ منا يستطيع أن يتحمل رؤية روحه منعكسة على تابوت ؟؟

إننا نحترق في مؤامرة كونية كما يبدو …وفي رأسي نداء يدعوني الى حتفي ، حيث بدأ يبزغ في ذهني غير المتوازن  نداء يدعوني للأختباء تحت الارض حتى ولو كان قبراً ٠

القيت بنفسي في أحضان أمي باكيا  نادبا  : 

— أماه ، إن الأشياء المرعبة تجدني هي قبل أن أذهب اليها  ما العمل ؟ 

وبعد الانفجار في سوق ( بغداد ) أقتنعت تماماً بإننا ندور في دائرة موت مثالية ، لا تستثني أحدا وإن المدافع قد خُصصت لنا بالتحديد ،وقد أطلقت مقذوفاتها بالفعل علينا ، فصرختُ :

— متى يقتل الرصاص نفسه بدل أن يزور الناس ويقول للقلوب توقفي ؟ ؟ 

وبعدما فقدت حبيبتي ، زحفتُ …زحفت في البرية كحيوان مصاب بجروح خطيرة ، لأبتعد عن القطيع قدر  استطاعتي  متمنيا ان ينتهي وقتي لأموت ٠

حبيبتي هذه الماسة التي لا يشوبها شائبة ، التفاحة التي سقطت بعيدة عن شجرتها … حبيبتي المحترقة اصبحت شهيدة بين ليلة وضحاها تساءلت : 

— لماذا لا يأخذ  محترقوا ( ذي قار ) جلودهم معهم ؟؟ 

أنها في الحقيقة قصة يجب أن تُكتب على لحم جلودنا ، ونحن نصف الأحياء ما بالنا نجلس على كومة  رماد حيث ينهض منه ملاك الجحيم ؟؟ ما بال عيوننا شاحبة خائفة تترقب المجهول ؟؟ لماذا السماء تمتص دعاء الناس وترميه للبحر ؟؟ 

وها أنا أصبحتُ كالطير الذي لايمكنه الهبوط … معلقاً ، مشنوقاً بين الارض والسماء …أتجول بين النجوم ، بعيدا عن الزقوم ٠


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق